بهي الدين حسن
تواجه منظمات حقوق الإنسان التي تراقب الانتخابات البرلمانية في مصر عدة معضلات كبرى. أولى هذه المعضلات يتصل ب«اللجنة العليا للانتخابات» (اللجنة) التي يفترض فيها نظريًا أن تكون أعلى جهة مسئولة عن الانتخابات.
لقد رفضت أغلبية منظمات حقوق الإنسان التعامل مع المجلس القومي لحقوق الإنسان كوسيط لدى اللجنة للحصول على التصاريح اللازمة لمراقبيها للقيام بدورهم، نظرا لأن تجربة 7 سنوات معه برهنت على عدم حياديته، وعداء عدد من كبار المسئولين فيه تجاه منظمات حقوق الإنسان.
وبناء على ذلك قررت هذه المنظمات مخاطبة اللجنة مباشرة، ولكن ممارسات اللجنة صارت تثير قلقا متزايدا، فهي لم تتخذ أي موقف تجاه ما يجرى حولها من انتهاكات تتعلق بصميم مهمتها، مثل اعتقال بعض المرشحين وأنصارهم، وانتهاك عدد من الوزراء والمرشحين للقواعد التي وضعتها اللجنة لتنظيم العملية الانتخابية، وتغاضيها عن قيام وزارة الإعلام بتشكيل لجنة «مكارثية» تعتدي على اختصاصات اللجنة العليا للانتخابات وتمارس التفتيش في ضمائر الإعلاميين والصحفيين، باسم حظر «التشكيك» في الانتخابات.
وفى الوقت الذي ارتفع فيه صوت اللجنة منددا باستخدام الإخوان المسلمين لشعار «الإسلام هو الحل»، فإنها صمتت تماما عن استخدام وزراء ومرشحين من الحزب الوطني الحاكم للمساجد في حملاتهم الانتخابية. كما صمتت اللجنة إزاء قيام مديريات الأمن بمنع بعض مراقبي منظمات حقوق الإنسان من مراقبة مرحلة تقديم طلبات الترشيح، واحتجاز بعض هؤلاء المراقبين لساعات في غرف مغلقة بمديرات الأمن.
كما أن اللجنة التي حددت 7 نوفمبر موعدا نهائيا لتلقى طلبات المنظمات لمراقبتها، لم تحدد أي موعد لتسليم التصاريح إليها. فضلا عن أن المعايير التي اشترطت توافرها في المراقبين تثير القلق، فهي تشترط «حيادية» المراقبين. فكيف ستتمكن اللجنة من تقييم توافر شرط الحيادية في آلاف المراقبين؟ خاصة أن اللجنة محدودة القدرات البشرية والمادية، أم أنها ستحيل الأمر لأجهزة الأمن للبت في ذلك؟
إن عدم تحديد موعد لتسليم التصاريح الخاصة بالمراقبين إلى المنظمات يثير قلقا مشروعا، على ضوء تجربة هذه المنظمات مع اللجنة في انتخابات مجلس الشورى منذ 5 أشهر. حيث لم تحصل بعض المنظمات على أي تصريح، وبعضها حصل على عدد محدود من التصاريح أقل كثيرا مما تقدمت المنظمات بطلبه، فضلا عن أنها تسلمت التصاريح في وقت متأخر ليلة الانتخابات، مما تعذر معه إرسال هذه التصاريح إلى المراقبين خارج القاهرة. أما بالنسبة للقاهرة، فلم تحصل إحدى المنظمات سوى على تصريح لمراقب واحد فقط!
وحتى من حصلوا من المراقبين على تصاريح، وتسلموها في وقت مناسب، فإن بعضهم لم يتمكن من ممارسة مهامه، نظرا لأن ضباط الأمن منعوهم من الدخول إلى مراكز الاقتراع. وهو الأمر الذي تكرر أيضا مع بعض الإعلاميين، الذين كانوا يحملون تصريحا معتمدا من اللجنة.
واقع الحال أن اللجنة ليست محدودة الصلاحيات القانونية والإمكانيات المادية والبشرية فحسب، بل إن القليل المتاح لها من صلاحيات غير قادرة على فرض احترامه على الأطراف الأخرى. خاصة أن أغلب وأهم الصلاحيات القانونية الخاصة بإدارة العملية الانتخابية يضعها القانون في أيدي وزارة الداخلية، مثل إعداد جداول الناخبين، وتحديد الدوائر الانتخابية، وقبول أو رفض ملفات المرشحين، وتعيين نحو ربع مليون موظف في مراكز الاقتراع والفرز وإدارتهم.
ثاني هذه المعضلات يتعلق بالمعلومات الدقيقة الموثقة. ويتصل ذلك جزئيا بصلاحيات اللجنة، التي من المفترض أن تكون مصدر المعلومات الأساسي حول كل ما يتصل بالانتخابات. ولكن تكفى زيارة سريعة لموقع اللجنة على الإنترنت، لإدراك مدى بؤس حال اللجنة، بينما لا يوجد مصدر آخر بديل للمعلومات، سوى التصريحات القليلة الصادرة عن المتحدث باسم اللجنة في وسائل الإعلام.
وهى غير منشورة في أغلب الأحيان على موقع اللجنة، وعادة تكون مبتسرة، وأحيانا متناقضة مع تصريحات رئيس اللجنة. ويفاق من الأمر التنازع الجاري في الكواليس بين وزارة الداخلية واللجنة حول الصلاحيات، الأمر الذي حال حتى الآن دون إعلان اللجنة للقائمة النهائية للمرشحين، والتي كان يفترض أن تعلن رسميا يوم 14 نوفمبر. هذا التنازع وثيق الصلة باختلاف الموقف من بعض أحكام القضاء الإداري الصادرة لصالح عدد كبير من المرشحين ينتمون إلى اتجاهات سياسية مختلفة الذين استبعدتهم مديريات الأمن، أو الحزب الوطني من بين أعضائه. غير أن التفاوت بين تصريحات رئيس اللجنة والمتحدث باسمها، ربما تعكس اختلافا في الرأي بين أقلية اللجنة من المعينين بحكم مناصبهم كالرئيس وأغلبية اللجنة (7 من 11) التي عينها الحزب الوطني من خلال أغلبيته الساحقة في مجلسي الشعب والشورى.
من المحتمل في هذا السياق أن يظل إعلان القائمة النهائية للمرشحين مؤجلا حتى اللحظة الأخيرة. وهو أمر له انعكاساته السلبية بشكل كبير على عملية طبع بطاقات الاقتراع التي يجب أن تشمل القائمة النهائية للمرشحين في كل دائرة ومجمل العملية الانتخابية، بما في ذلك دور المراقبين.
ثالث هذه المعضلات يتصل بتدفق المعلومات أيضا، ولكن في علاقته بوسائل الإعلام.
إن هذا الأمر وثيق الصلة بالانقلاب الهادئ الذي قام بت نظام الحكم خلال شهر أكتوبر، وأعاد فيه هيكلة المجال الإعلامي، مما أدى إلى تقييد هائل في تدفق المعلومات، وحرية وسائل الإعلام المرئية والمقروءة (لمزيد من المعلومات راجع مقال الكاتب بتاريخ 17 نوفمبر). إن هذا يعنى أن مهمة مراقبة الانتخابات تسبح وسط الظلام.
رابع هذه المعضلات يتصل بالضغوط المباشرة على منظمات حقوق الإنسان. بعض هذه الضغوط أشرنا إليه في السطور السابقة، في علاقته بإمكانية الحصول على تصاريح تسمح بالمراقبة، والتعرض للاحتجاز والتوقيف. ولكنه يشمل أيضا، ما تتعرض له بيانات وتقارير منظمات حقوق الإنسان خلال الأسابيع السبعة الأخيرة من تعتيم في وسائل الإعلام، كنتيجة للانقلاب الذي جرى في المجال الإعلامي.
المقصود بالتعتيم هو عدم تغطية بعض أنشطة وتقارير هذه المنظمات عن الانتخابات وغيرها، أو النشر عنها بصورة مبتسرة، تحذف النقدي منها، أو تخفف لغة ومضامين الانتقاد، أو تركز على ما يتعلق بنقد الإخوان المسلمين. أو إضافة بعض مسئولي هذه المنظمات لقائمة الممنوعين من الظهور تليفزيونيا، أو على الهواء. كما يشمل أيضا شن حملات التشهير على هذه المنظمات، والطعن مقدما في مصداقية التقارير التي ستصدر عنها بخصوص الانتخابات، باعتبار أنها ستتبنى مصالح الأجنبي/ الممول.
في إطار هذه المعضلات الأربع، يمكن تصور طبيعة التحديات اليومية التي تواجهها المنظمات التي أخذت على عاتقها مهمات مراقبة الانتخابات، مثلما يمكن تصور انعكاس ذلك على معنويات المراقبين الميدانيين، الذين عليهم أن يواجهوا أيضا احتمالات العنف الأمني، وعنف أنصار بعض المرشحين، خاصة أنه في ضوء ترشيح الحزب الوطني لأكثر من مرشح في 60% من الدوائر، فإنه من المتوقع أن تشهد بعض هذه الدوائر مستويات من العنف ربما لم تشهدها أي انتخابات سابقة في مصر. ولذلك فإنه في بعض هذه الدوائر، عجزت بعض المنظمات أن تجد مراقبا/شهيدا يقوم بمهام المراقبة.
http://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=25112010&id=dee9bc90-6e9d-40a6-9735-3825147e09c5
Share this Post