عقد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بالتعاون مع مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن) مائدة مستديرة خاصة لمناقشة الورقة البحثية الصادرة عن مؤسسة كارنيجي حول البرنامج الحزبي المعلن من جماعة الإخوان المسلمين، والتي أعدها كبيرا الباحثين بالمؤسسة الدكتور عمرو حمزاوي والدكتور ناثان براون. وقد عقدت فعاليات المائدة بمقر مركز القاهرة في 18 يونيو 2008.
تولى كلا من الباحثين عمرو حمزاوي وناثان براون عرض الأفكار والأطروحات الرئيسية التي قدماها في ورقتهما، بينما قام بالتعقيب عليهما الدكتور عمرو الشوبكي الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، وقام بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة بإدارة الحوار، وذلك بحضور ومشاركة عدد من الخبراء والأكاديميين ورجال السياسة والكُتّاب الصحفيين.
استهل بهي الدين حسن كلمته بملاحظة حول الورقة البحثية محل النقاش، وهي أن الباحثين لم يركزا على برنامج الإخوان المسلمين، بل انطلقا من البرنامج بمضامينه وإشكالياته ليقوما بتحليل طبيعة الجدل والخلافات داخل جماعة الإخوان، وليلقيا الضوء على ما يمكن اعتباره بمثابة صراع داخل الجماعة. وفي هذا السياق أشار حسن إلى أن انتخابات مكتب الإرشاد الأخيرة تفصح بقدر كبير عن طبيعة الصراعات وعلاقات القوى داخل الجماعة، كما تعلن عن حجم الهيمنة التي يتمتع بها ما يوصف بجناح المحافظين داخل الجماعة.
وقد اهتم حسن بالتأكيد على أنه منذ اللحظات الأولى لتنظيم فعاليات المائدة المستديرة، كانت هناك اتصالات ومخاطبات رسمية مع عدد من قيادات جماعة الإخوان المسلمين ممن لديهم مواقف معلنة ومتباينة حول البرنامج بالتأييد أو بالنقد، وذلك للمشاركة في فعاليات المائدة، ورغم استمرار المراسلات لنحو شهر كامل إلا أنهم اختاروا في النهاية الاعتذار عن الحضور.
واعتبر حسن أن من النقاط الإيجابية في مسودة برنامج حزب الإخوان، الإعلان عن الالتزام بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وأضاف أن البرنامج لم يستند إلى أي من الإعلانات الإسلامية لحقوق الإنسان. وفي ذات الوقت حرص حسن أن يؤكد على أن البرنامج بكامله يؤسس لدولة دينية رغم ما تصريحات الإخوان حول أنهم يسعون لدولة مدنية.
تحدث ناثان براون عن ما اعتبرهما قضيتين رئيسيتين وهما أهداف الجماعة من إصدار البرنامج وقضية تطبيق الشريعة الإسلامية في البرنامج. يرى براون أن حرص الجماعة على إصدار برنامجها لحزب سياسي في الوقت الذي لا تسمح فيه الحكومة لها بإنشاء هذا الحزب، بالإضافة إلى حرمان الجماعة من الوجود القانوني، يعود إلى أن الجماعة اعتبرت أن البرنامج سيغدو خطوة بالغة الأهمية في توضيح مواقفها، وفرصتها للدفاع عن خطابها السياسي أمام الانتقادات التي توجهها أطراف مختلفة، فالشعار التاريخي للجماعة “الإسلام هو الحل” لم يشرح موقف الجماعة من القضايا السياسية المطروحة في مصر اليوم، وفي حين تتشكك قوى سياسية عدة في نوايا الجماعة، تستمر حملات الحكومة المصرية لتشويه صورتها واتهامها المتواصل بالتطرف، فضلا عن استمرار الحكومات الغربية في وضع الجماعة مع التنظيمات الإرهابية في سلة واحدة. كما حاولت الجماعة من خلال برنامجها الإجابة على الأسئلة التي توجه إليها باستمرار حول مواقفها من اللجوء إلى العنف وحقوق المرأة والخصخصة وحرية الفكر والإبداع والكثير من القضايا الأخرى.
أكد براون على أن محاولة الجماعة للإجابة على كل هذه الأسئلة والمخاوف، في مسودة برنامجهم التي تجاوزت الـ 100 صفحة، قد باءت بالفشل؛ حيث لم تجب الجماعة بالفعل على كل التساؤلات، كما عمَّق البرنامج الخلافات داخلها.
في قضية تطبيق الشريعة يقول براون أن الحركات الإسلامية حاليًّا، بعكس ما كان سائدًا خلال السبعينيات والثمانينيات، تركز على المبادئ أكثر من التفاصيل، على مقاصد الشريعة بدلاً من أحكامها، وعلى المرجعية الإسلامية أكثر من الدولة الإسلامية. ويعتبر براون أن الجماعة تدرك حاليًا أن الحياة الدستورية والأدوات الديمقراطية هما أفضل السبل لتحقيق المجتمع الذي تصبو إليه. وليس سرًا أن بعض رموز الإخوان كعبد المنعم أبو الفتوح وجمال حشمت يرون أن هذا التحول في تفكير الجماعة شيء إيجابي.
وفيما يخص هيئة كبار العلماء قال براون أن البعض اعتبرها خطوة في اتجاه ولاية الفقيه في إيران، بينما توضح ردود الإخوان على هذه الجزئية، والتعقيبات المتباينة، أن هذا المقترح لم يأخذ حقه في الدراسة بشكل عميق.
ويعتقد براون أن الدرس الذي تعلمته الجماعة من هذه التجربة هو أن أفضل السبل للرد على الانتقادات التي توجه إليها، هو التراجع النسبي إلى المناطق الرمادية، أي التراجع من السياسة بشكل عام، ويرى براون أن قضية الانسحاب من السياسة تشكل واحدة من أكثر القضايا التي يدور النقاش حولها داخل الحركات الإسلامية. واعتبر براون أن انسحاب حركات الإسلام السياسي من العملية السياسية، حتى لو كان انسحابًا جزئيًّا، يشكل تهديدًا للتحول الديمقراطي في المنطقة العربية، بما يعني أن التراجع السياسي للإخوان خطرًا على الحياة السياسية في مصر.
بدأ عمرو حمزاوي مداخلته بالتأكيد على أن الأصل في الحركات السياسية هو الاختلاف، وقال أنه تحدث أحيانًا مبالغات في تقييم الخلافات داخل جماعة الإخوان المسلمين، وكأن المفترض في الحركات السياسية التوافق دومًا على كل المواقف وعدم وجود تنازع. وهي المشكلة التي عانت منها كثير من التعليقات المنشورة حول مسودة البرنامج والجدل الدائر حولها داخل الجماعة، وكأن تنوع الآراء داخلها بعيدًا عن الروح الديمقراطية.
ويسجل حمزاوي تراجعًا جزئيًا في موقف الجماعة من المشاركة السياسية للمرأة والأقباط، وذلك مقارنة بمواقفها في عامي 2004 و2005 اللذان شهدا حراكًا سياسيًا ألقى بظلاله على الجماعة، فبدت أكثر حسمًا تجاه قضايا جوهرية كعلاقة الشريعة الإسلامية والنظام القانوني المصري، بالميل تجاه مركزية أحكام المحكمة الدستورية العليا. ونوّه إلى أنه بمراجعة الموقف من المرأة والأقباط في البرنامج الانتخابي للجماعة، سيلاحظ اختلافًا نسبيًّا عن الوضوح الحاسم الموجود بمسودة برنامج الحزب التي يظهر من خلالها رفض منح الحقوق السياسية الكاملة للأقباط وللمرأة.
وانتقل حمزاوي إلى محاولة تفسير الرابط بين الجدل الدائر داخل الجماعة وبين البيئة السياسية المحيطة بالجماعة. إذ يرى حمزاوي أن البيئة السياسية التي تعمل خلال الجماعة منذ نهاية الانتخابات البرلمانية عام 2005 هي بيئة ضاغطة، تحاول النخبة الحاكمة أن تستخدمها في إقصاء الجماعة، أو أن تعيد مساحة المشاركة السياسية للجماعة إلى سابق عهدها قبل القفزة النوعية التي شهدتها الجماعة خلال عامي الحراك السياسي. فيرى حمزاوي أن البرنامج يعبر عن هذه البيئة الضاغطة، وهو ما يفسر تراجع الجماعة من المواقف الوسطية إلى المواقف التي تتوافق مع رغبات القواعد الشعبية الرئيسية للإخوان المسلمين، التي تتساءل عن الجدوى من الاستمرار في المشاركة السياسية في ظل محدودية النتائج التي تحصدها الجماعة، إذ لم تحميها المشاركة من القمع والإقصاء أو ساعدتها في تحقيق خطوات تجاه الإصلاح. وهي الأسباب التي تدفع الجماعة إلى التخلي عن مواقفها الداعمة للمشاركة وللإصلاح السياسيين، لصالح مواقف أكثر حذرًا، وفي هذا السياق يفسر حمزاوي التراجع عن مركزية المحكمة الدستورية العليا وابتكار البرنامج لهيئة كبار العلماء، والتراجع في مستوى النظر إلى الحقوق السياسية للمرأة والأقباط.
كما أشار حمزاوي إلى الاتجاه الذي يمكن وصفه داخل الجماعة بالجناح المحافظ، خشي من تفاقم قمع النظام وتفكك القواعد الشعبية، ويتحكم هذا الجناح في علاقات القوى داخل الجماعة، أي أن له اليد العليا داخلها، وهو ما عبرت عنه الانتخابات الأخيرة لمكتب الإرشاد التي تم فيها استبعاد العناصر التي تنضوي تحت ما يطلق عليه جناح الإصلاحيين داخل الجماعة، ويؤكد حمزاوي أنه كلما تأزمت المشاركة السياسية لأي حركة من حركات الإسلام السياسي كلما ازدادت قوة ونفوذ الجناح الأكثر محافظة، والتي لا تريد أن تندفع في مشاركة سياسية حصادها محدود للغاية.
من جانبه انتقد عمرو الشوبكي، في تعقيبه على الورقة البحثية، اهتمامها الفائق بالكثير من التفصيلات الداخلية للجماعة على حساب قراءة الواقع السياسي العام، حيث لم يهتم الباحثين بتناول النقاش العام الذي دار في مصر حول البرنامج الحزبي الذي أصدرته جماعة الإخوان المسلمين. كما أخذ على الورقة عدم التطرق إلى طبيعة النظام السياسي في مصر، وموقفه من بقية القوى السياسية بجانب الإخوان المسلمين.
وفي سياق تأكيده على ثقل وزن الجناح المحافظ داخل الجماعة، اعتبر الشوبكي أن الورقة أعطت للجناح الإصلاحي حجمًا أكبر مما هو عليه في واقع الأمر. حيث يرى الشوبكي أن الجناح المحافظ هو من يمثل الغالبية داخل الجماعة، وبالتالي من يسيطر على مفاصل الجماعة وعلى اختياراتها الفكرية والعقائدية.
وفي إطار استحسانه لكيفية تناول الورقة لقضيتين رئيسيتين وهما “هيئة كبار العلماء” و”الولاية العامة”، أكد الشوبكي أنه في القضية الأولى يظهر أن الحد الأدنى للحس السياسي باللحظة التاريخية التي نمر بها كان مفتقدًا لدى أصحاب المقترح، حيث استنكر أن يتم الطلب من المؤسسة الدينية، وهي في أسوأ مرحلة تمر بها، أن يكون لها دور مهيمن على النظام السياسي في مصر، وذلك في ظل حالة الاستهجان التي يشعر بها الكثيرون من الفتاوى العشوائية التي تخرج عن تلك المؤسسة، مثل حادثتي فتوى “بول الرسول” و”إرضاع الكبير”.
كما انتقد الشوبكي الصيغة التي اختار بها البرنامج تناول مسألة الولاية العامة، حيث لم يذكر البرنامج أن مرشح حزب الجماعة لتولي الرئاسة سيكون ذكرًا مسلمًا، بل اختار البرنامج أن يقرر فرض رؤيته بأن رفض أن يكون رئيس الدولة إمرأة أو قبطيًا، أي ما يحرم نحو 60% من الشعب المصري للترشح للمنصب من وجهة نظر الجماعة.
في مداخلته، حاول الأستاذ عصام سلطان المحامي والقيادي بحزب الوسط، التعبير عن دهشته إزاء التحول الجذري في موقف الجماعة، من فكرة تأسيس حزب مدني ذو مرجعية إسلامية؛ حيث كانت تستنكرها تمامًا منذ بضع سنوات، لكنها عادت وتبنتها منذ عام 2005، ومنذ ذلك الحين تصدرت الخطاب السياسي للجماعة.
أشار سلطان إلى أن المرجعية الدينية للبرنامج، تستند إلى اجتهادات قديمة تتجاوز الألف عام، واستنكر في هذا السياق تجاهل واضعو البرنامج لاجتهادات المفكرين الإسلاميين المعاصرين. كما انتقد الرأي القائل بأن رأي هيئة كبار العلماء التي يطالب بها البرنامج ستكون استشارية؛ إذ كيف يطالب بتأسيس هيئة، عن طريق انتخاب أعضائها عبر قطر كامل، دون أن يكون لها سلطة، ويُكتفى بوضعها كهيئة استشارية. وأكد سلطان أن الإخوان غير جادين في مراجعة أفكارهم أو في تأسيسهم لحزب سياسي، وأضاف مستنكرًا أن البرنامج بلغته وصياغته وأفكاره القديمة تؤكد أنهم يتمسكون بالقديم لمجرد أنه قديم.
بينما اهتم الدكتور سيف الدين عبد الفتاح الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، بأن يؤكد على أن المناخ السياسي لا يسمح بأي ممارسات سياسية سوية، وفي إطار الحديث عن الأخطاء التي ارتكبها الإخوان، أشار إلى أن القوى السياسية الأخرى ارتكبت أخطاء أفدح. وقال عبد الفتاح أن الإخوان يحاولون تأسيس شرعيتهم الاجتماعية بدلا من الشرعية القانونية المفتقدة التي يحتكرها النظام السياسي الذي يعاني في الوقت ذاته من تآكل مشروعيته الاجتماعية. ونوّه عبد الفتاح إلى أن السؤال الرئيس الذي ينبغي البحث له عن إجابة هو هل يُسمح لأي قوة سياسية فاعلة في مصر بأن تحظى بكيانها السياسي؟.
Share this Post