جددت تصريحات المسؤولين من ممثلي السلطة التنفيذية، بشأن اللائحة الطلابية الجديدة المزمع إصدارها خلال العام الجامعي الحالي، المخاوف من استعارة القائمين على إعداد اللائحة الطلابية، لذات المنهج الاستبدادي الذي شهدناه في تمرير التعديلات الدستورية في مطلع عام 2007؛ فقد استأثر الحزب الوطني الحاكم دون غيره بحق إبداء الرأي في اللائحة الجديدة وفي مناقشة بنودها قبل عرضها على مجلس الوزراء لإقرارها، في تجاهل تام، ومتعمَّد، لحق المهتمين باللائحة من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس ومنظمات المجتمع المدني في إبداء الرأي بشأنها .
بل إن العمل على تدبيج مواد اللائحة سرًا؛ دفع بعض أعضاء هيئة التدريس إلى الإعلان عن استيائهم البالغ من الحرص على الاتفاق على اللائحة في دوائر الحكم والسلطة وجهات اتخاذ القرار، بعيدًا عن أصحاب المصلحة الحقيقية؛ الأمر الذي سيجعل من النقاش حول بنودها، بعد اتخاذ القرار بشأنها، عديم الجدوى .
إن المعلومات المتداولة صحفيًّا، نقلاً عن مصادر رسمية، وكذلك نص اللائحة الطلابية الجديدة الذي نشرته إحدى الصحف القومية ، يثيران القلق على مصير حقوق الجماعة الطلابية؛ فالقراءة الأولية لنص اللائحة الجديدة ولتصريحات الدكتور هاني هلال وزير التعليم العالي والدولة للبحث العلمي، والمبثوثة في العديد من الصحف، تؤكد أن التصريح الرسمي عن أن اللائحة الجديدة ستحقق 99% من رغبات الطلاب هو محض مناورة والتفاف واضح حول رغبات الطلاب الرئيسية، والمتكررة منذ سنوات.
إذ تبدو اللائحة الجديدة، بمثابة نسخة مشوهة من لائحة 1979 سيئة السمعة، بما يبديه واضعوها من تجاهل واضح للدافع الموضوعي وراء إعداد لائحة جديدة، وهو الاستجابة لمطالب الطلاب وأعضاء هيئة التدريس من المناهضين لمناخ قمع الحريات داخل الجامعة، وكذلك المتضامنين معهم من منظمات المجتمع المدني المهتمة بحرية تنظيم الطلاب في مناخ ديمقراطي، يدعم حرية الرأي والتعبير السياسي والفكري والديني، ويؤكد حق المواطنة، ويرسخ مفاهيم العدالة والتسامح، وتغدو بوساطته الجامعة بمثابة منتج لأجيال من المثقفين المدربين على خوض غمار الحياة بمختلف جوانبها، والانخراط السلمي، الواعي والمنظم، في العمل السياسي، بما يشكل استعادة لتراث الحركة الطلابية الوطنية، التي تمت محاصرتها منذ عدة حقب جامعية مختلفة.
فرغم أن التصريحات تناولت بعض النقاط الجيدة؛ كمنح الطلاب المنتسبين الحق في الترشح والانتخاب، واستفادة طلاب التعليم المفتوح والدراسات العليا من أنشطة الاتحادات الطلابية، بالإضافة إلى ما تناولته التصريحات الصحفية من إدارة الطلاب لأنشطتهم ولشؤونهم المالية دون تدخل من أعضاء هيئة التدريس، وإلغاء منصب رائد الاتحاد، وزيادة عدد اللجان من 5 إلى 7، من أجل تفعيل دور الطلاب في القيادة؛ إلا أن مبررات رفض لائحة 1979 تتجدد مرة أخرى في اللائحة الجديدة، التي تعمل على استمرار حظر النشاط السياسي والحزبي والفئوي داخل أروقة الجامعات، ويرفض واضعوها المقترحات الخاصة بالسماح لمنظمات المجتمع المدني بمراقبة الانتخابات الطلابية، والتشديد على منع التظاهر داخل الجامعة تحت أي ظرف !!.
إن اندماج الشباب في الحياة السياسية، ليس بالضرورة من خلال الأحزاب والتنظيمات السياسية، بخلق مناخ صالح لتكوين وعي سياسي ناضج، هو تشجيع للطلبة على التعبير عن ذواتهم.
فالخواء الفكري والسياسي الذي تحرص الدوائر الحاكمة على حضوره في الجامعة، من خلال نشر رؤية إلزامية للعالم خالية من التعاطي مع السياسة، لا ينتج عنه بالتأكيد فاعلين اجتماعيين وسياسيين، يساهمون في إنجاز تحول ديمقراطي حقيقي، أو أي تطور إيجابي من أي نوع، وإنما يخلق مجتمع من المتفرجين المفعول بهم، وهو المطلوب إنتاجه!
ويتضح في اللائحة الجديدة تمسك القائمين على إعدادها، بتراث القمع المولع بالمحظورات. حيث يتواصل إصرار السلطة، على حظر النشاط السياسي والحزبي والفئوي، وهو إصرار طالما وجّهت له انتقادات بالغة؛ للتعارض الكامن في هذا الحظر المتشدد مع حقوق الطلبة التي منحها لهم الدستور.
إذ يمتلك الطالب الجامعي بموجب القانون والدستور حق الانتخاب، وحق اختيار ممثله التشريعي، وحق انتخاب رئيس الجمهورية، ناهيك عن حق الانتماء للأحزاب السياسية، في حين يحرَّم عليه مجرد التحدث في السياسة داخل الجامعة. ويتعارض الحظر مع قانون تنظيم الجامعات، الداعي لتلاحم الجامعات مع المجتمع في كل مشاكله ومصالحه وتوجهاته، بتوسيع مدارك الطلاب الوطنية والقومية وتهيئتهم للمشاركة الإيجابية في أحوال البلاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية . كما يتعارض مع ما تدعيه اللائحة ذاتها من أن الاتحادات الطلابية تهدف إلى “ترسيخ الوعي الوطني والقومي وإعلاء قيمة الانتماء والولاء وتعميق أسس الديمقراطية وحقوق الإنسان والمواطنة لدى الطلاب والعمل بروح الفريق مع كفالة التعبير عن آرائهم في إطار التقاليد والأعراف الجامعية” !!
وهو ما يقف المتابع عاجزًا عن استيعابه منطقه؛ إذ كيف يتم تحقيق كل هذه الأهداف، دون أن يسمح للطلاب بالانخراط في نشاط سياسي، بل ومجرد إجراء الحوار حول سياسات الأحزاب، وما تتعرض له البلاد من مشكلات. ناهيك بالطبع عن إصرار واضعو اللائحة على وئد اللجنة السياسية، وعلى أن شرعية الأهداف السابق الإشارة لها، تتحقق وفق ما يسمى بـ “التقاليد والأعراف الجامعية”، وقد يوجد ثمة توافق على عدم انتهاك القانون، بغض النظر عن تقييد تلك النصوص القانونية للحريات، لكن التقاليد الجامعية العريقة، هي في ذات الوقت غامضة وغير معلوم ماهيتها على وجه الدقة، بل إن الواقع قد يشهد بعض التعنت من رؤساء الجامعات في تفسير معنى التقاليد الجامعية؛ بسبب عدم وجود معيار محدد ومنضبط لتحديد مفهوم التقاليد الجامعية .
تبلغ ذهنية المنع والتحريم أوج نشاطها في استمرار حظر النشاط الفئوي في الجامعة؛ بما يعني أن اتحادات الطلاب ليس لها الحق في ممارسة أنشطتها باعتبارها ممثلة لفئة الطلاب !. كما تؤكد تصريحات أخرى حرصًا على التمسك بتوسع لائحة 1979 في تقييد حرية التنظيم النقابي للطلاب، بإقامة الاتحادات الطلابية المستقلة ، وكذلك بالتلويح تهديدًا لمن يخالف التقاليد الجامعية العريقة !. بل إن بعض المسؤولين في الجامعات المصرية، يشجعون طلاب الجامعة على استبعاد ما أطلقوا عليه “العناصر الطلابية” ذات الميول والاتجاهات المختلفة مع منظومة قيم المجتمع المصري . كذلك عدم بعث اتحاد طلاب الجمهورية للحياة الجامعية مرة أخرى ؛ رغم أن اللائحة جعلت من اختصاص مجلس اتحاد طلاب الكلية أو المعهد “العمل على توثيق العلاقة مع الاتحادات الطلابية الأخرى بكليات ومعاهد الجامعة”، في حين أن الأسباب الداعية لدعم مثل هذه العلاقة، تزداد قوة في تطوير وتشبيك العلاقات بين الاتحادات الطلابية، بما لا يمنع تأسيس اتحاد لطلاب الجمهورية.
كما تتعرض الأنشطة الطلابية لما يمكن أن يطلق عليه (تأميم سياسي)؛ إذ استمرت الأنشطة في اللائحة الجديدة خاضعة لقرارات وكيل الكلية أو المعهد، أو نائب رئيس لشئون التعليم والطلاب، ويظل الاحتكام في التظلمات خاضعًا لقرار عميد الكلية أو المعهد أو رئيس الجامعة، ويكون قرار أيهما في هذا التظلم نهائيًا. وهو ما نرى فيه استلاب واضح ومتعمَّد لإرادة الطلاب ومحاصرة لتوجهاتهم الفكرية.
ولاستكمال مهمة تضييق الخناق على نشاط الطلبة ؛ تم الإعلان عن تخصيص ساعات محددة لممارسة الأنشطة الطلابية في الجامعات خلال اليوم الدراسي. وهو ما اعتبره البعض مؤامرة حكومية جديدة على الحركة الطلابية .
ويدعم تخفيض وتخصيص ساعات الأنشطة، استمرار نهج السيطرة الكاملة على تطلعات الطلبة الفكرية والثقافية والسياسية في اللائحة التي اشترطت موافقة وكيل الكلية أو المعهد أو نائب رئيس الجامعة المختص، حسب الأحوال، على عقد الندوات، والمحاضرات، والمؤتمرات، أو المعارض، وغيرها من الأنشطة التي قد تعني مجرد عرض مجلة حائط!!
منذ عقود يمارس العبث بمقدرات طلاب الجامعات المصرية، خاصة في ظل مناخ سياسي انتكست فيه دعاوى الإصلاح والتغيير الديمقراطي، وتفاقم عداء الدولة للمطالبين بالإصلاح السياسي، وللمدافعين عن حقوق الإنسان، وللصحافة المستقلة والحزبية.
كذلك؛ فإن انفراد الحزب الوطني الحاكم بإجراء تعديلات اللائحة الطلابية الجديدة، دون مشاركة فعَّالة من القوى السياسية المختلفة، ومن قبل هؤلاء وأولئك، طلاب الجامعات المصرية؛ يعد مؤشر بالغ الوضوح على الكيفية التي سيجري بها إصدار التشريعات المنتظرة، خلال الدورة البرلمانية المرتقبة، وعلى رأسها قانون مكافحة الإرهاب وتعديلات قانون الجمعيات الأهلية.
أخيرًا، ولكل ما سبق؛ فإننا نرى أن العمل بالتوصيات التالية، قد يؤدي إلى إنجاز لائحة طلابية جديدة متميزة، أو على أقل تقدير تخفيف الضرر المتوقع على الحياة الجامعية، وهي توصيات تستفيد من مطالب الحركة الطلابية المتجددة عبر العقود الأخيرة:
لا بد من أن تتمتع الجامعات باستقلال حقيقي، إداريًا وأكاديميًّا وماليًّا. وضرورة أن يتجلى هذا الاستقلال في الاتحادات الطلابية، التي لا بد من تشكيلها تشكيلاً طلابيًا خالصًا، ولا مانع من وجود مستشارين من أعضاء هيئة التدريس، كما يجب أن تكون إدارة الموارد المالية بإشراف الطلاب أنفسهم، مع وجود رقابة من الجهاز المركزي للمحاسبات.
كفالة حق الطلاب وأعضاء هيئة التدريس في التعبير عن آراءهم، السياسية والفكرية، وذلك بتحرير الأنشطة الطلابية من هيمنة الإدارة الجامعية.
تقييد يد الإدارة الجامعية في معاقبة الطلاب، وإعادة هيكلة شروط الترشيح لعضوية لجان مجالس الاتحادات، وذلك بتعديل شرط “لم يسبق أن حكم عليه بعقوبة مقيدة للحرية” إلى تعديل يستثني من تعرض لعقوبة مماثلة لأسباب سياسية.
إلغاء تبعية الحرس الجامعي لوزارة الداخلية، واقتصار دوره على حراسة المنشآت الجامعية فقط، والتوقف عن التدخل في الانتخابات الطلابية، سواء بالتوصية بالشطب أو منع الناخبين من التصويت أو باعتقال الطلاب، وأن يكون تابعًا لإدارة الجامعة فقط.
من المهم أن يتولى نواب البرلمان، أحزاب ومستقلين وجماعات سياسية، مسؤولياتهم بإبداء مزيد من الاهتمام بطلاب الجامعات، وباللائحة الجديدة المنظمة للحياة الجامعية، وبذل كل الإجراءات والوسائل الممكنة في سبيل حماية حقوق الطلبة، ووقف قمع الحريات داخل الجامعات بالقانون، وضمانة أن تشكل اللائحة المقبلة ترجمة فعلية لرغبات الطلاب.
لا بد من أن يعمل القائمون على إعداد اللائحة، على الاستفادة من مشروعات اللوائح الطلابية المتعددة التي أنجزتها مجموعة من منظمات المجتمع المدني، بمشاركة طلاب الجامعة، والتي تقدم نماذج للائحة طلابية جديدة بالفعل، وتترجم تطلعات الطلاب والأساتذة ومنظمات المجتمع المدني إلى حياة جامعية تتمتع بالحرية والديمقراطية.
Share this Post