تعرب منظمات المجتمع المدنى الموقعة على هذا البيان عن تضامنها ، ومؤازرتها لدار الخدمات النقابية والعمالية إزاء ما تتعرض له من هجوم إعلامى مكثف خلال الشهر الأخير.. كما تبدى هذه المنظمات قلقها وأسفها البالغين حيال المنحى الذى تداعى إليه هذا الهجوم فيما تضمنه من العودة إلى الأسلوب الذى كان واقعنا المصرى قد تجاوزه من توجيه الاتهامات بالعمالة والتخريب وغيرها مما حفلت به القائمة القديمة المعهودة.
إن منظمات المجتمع المدنى إذ تبدى أسفها ودهشتها من مسلك مسئولين بالاتحاد العام لنقابات عمال مصر فيما عمد إليه من هجوم على دار الخدمات النقابية والعمالية شاملاً ألواناً مختلفة من التشهير والاتهامات ، ومنطوياً على محاولات مستميتة لاستعداء أجهزة الدولة عليها ..إنما تربأ بالحوار المجتمعى أن يهبط إلى درك البلاغات الأمنية ..مُشددة على أن المجتمع المدنى المصرى ومنظماته فى حاجة إلى توسيع المساحة المتاحة لحركتهم وليس محاولة الانتقاص منها.
إن دفاع الدار عن حق العمال الأصيل فى الإضراب ، ورفضها النظر إليه باعتباره صــــــــورة من صور القلاقل لا يعنى أنها صانعة الإضرابات المتواترة التى شهدتها الساحة العمالية مؤخراً أو أنها المحرض عليها ..بل صنعتها وحرضت عليها المشاكل العمالية المتراكمة والاحتقان الذى تشهده الساحة العمالية والذى زايدت من حدته إحباطات الانتخابات النقابية الأخيرة فيما شهدته من تجاوزات.
إن العمال فى مصر-كما فى كل مكان على وجه الأرض- لم يحتاجوا يوماً إلى من يحرضهم على الإضراب الذى كان وسيظل آلية الضغط التى تفرض نفسها إذا ما تعذرت المفاوضة ..إنه الوجه الآخر لمائدة المفاوضات الذى ربما كان السبيل إليها ، أو إلى تعظيم ثمارها ومكاسبها ، أو إلى تفعيلها واستئنافها إذا ما تعذرت.
إن القراءة الموضوعية لأحداث الشهرين الأخيرين التى شهدتها الساحة العمالية قبل مضى أقل من شهر واحد على انتهاء الانتخابات النقابية للدورة الجديدة إنما تؤكد الحقائق-غير الخافية-بشأن ما انطوت عليه هذه الانتخابات من تجاوزات ، وتشير إلى الإشكالية الكبرى التى ينطوى عليها الواقع العمالى.. حيث يفتقد العمال إلى منظمات نقابية تمثلهم ..تتبنى مطالبهم وتتفاوض بشأنها .. ومن ثم فإنهم يفتقدون إلى الآلية الضرورية لإجراء المفاوضة الجماعية مما يؤدى عملياً إلى استحالة إجراء هذه المفاوضة..حيث يصبح الإضراب هو الوسيلة الوحيدة الممكنة للمطالبة بالحقوق.
إن منظمات المجتمع المدنى وحقوق الإنسان المصرية إذ تعلن موقفها التضامنى مع دار الخدمات النقابية والعمالية فى مواجهة ما تتعرض له من هجوم..إنما تعلن أيضاً التزامها جميعها بالدفاع عن حق الإضراب باعتباره حقٌ من حقوق الإنسان التى تكفلها المواثيق الدولية وعلى الأخص العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية واتفاقية العمل الدولية رقم 87.الموقع عليهما من الحكومة المصرية..مؤكدةً على أن الإضرابات العمالية لم تكن يوماً نوعاً من القلاقل ..إنها حق من حقوق التعبير التى يصونها الدستور المصرى ، كما أنها الحق الأصيل للعمال الذى كفلته المواثيق والاتفاقيات الموقع عليها من الحكومة المصرية ..وهى قبل كل ذلك.. آلية الدفاع الاجتماعى التى ابتدعها العمال أنفسهم-دون حاجة إلى تحريض من أحد- وعرفتها البشرية منذ أكثر من قرنين من الزمان..وأقرت بها المجتمعات الديمقراطية كأداة هامة للتوازن الاجتماعى.
إن المطالب العمالية التى أضرب العمال-على الأخص-فى قطاع الغزل والنسيج من أجلها..هى-وفقاً لما أقرت به كافة الأجهزة التنفيذية- مطالب عادلة لا يمكن لأحد أن ينال منها أو يشكك فى جديتها وإلحاحها فى ضوء الأوضاع المتردية للأجور ومستويات المعيشة التى يحياها هؤلاء العمال..كما أن الإضراب لم يكن خياراً لا مبرر له إزاء تعذر سبل المفاوضة ، وغياب آلياتها مع غياب الممثلين الحقيقيين للعمال.
لقد أثبت العمال المصريون-بكل المقاييس- جدارتهم بالتمتع بحقهم فى الإضراب وسائر حقوقهم الديمقراطية ..حيث قضى الآلاف منهم أيامهم ولياليهم معتصمين فى مصانعهم دون أن يُمس خيط واحد بسوء ..مُقدمين فى ذلك نموذجاً بليغاً ودرساً لا ينسى.. مؤكدين أنهم وغيرهم من أبناء الشعب المصرى ليسوا فاقدى الأهلية أو قُصراً يحتاجون إلى وصى ، وليسوا دون غيرهم من شعوب الأرض التى تتمتع بحقوقها الكاملة فى التعبير.
إن منظمات المجتمع المدنى وحقوق الإنسان إذ توجه التحية لهؤلاء العمال فى ذلك الشأن إنما تُبادر أيضاً إلى الترحيب بالطريقة التى أخذت بها الأجهزة التنفيذية فى التعامل مع الإضرابات العمالية مُتجاوزة المعالجة الأمنية إلى التناول السياسى ، ومُقرة للعمال بمشروعية مطالبهم وجدارتها بالبحث والاستجابة.
غير أنه يجدر بالذكر أن هذه الطريقة الرشيدة فى معالجة الإضرابات العمالية وأسبابها قد صاحبتها أيضاً الطريقة القديمة التى عمد إليها الاتحاد العام لنقابات عمال مصر –مع بعض الأطراف الحكومية الأخرى-فى البحث عن مشجب تُعلق عليه مسئولية ما حدث ، وفى استدعاء قائمة الاتهامات المكرورة والقذف بها فى وجه منظمات المجتمع المدنى.
إن منظمات المجتمع المدنى إذ تدافع عن حق الإضراب ..إنما تطالب أيضاً بتفعيل الحوار المجتمعى ..، والمفاوضة المجتمعية التى تراها الإنقاذ الوحيد من القلاقل التى لا تحمد عقباها ، ومن نزعات العنف والتطرف التى تُطلقها-دون كابح- نقطة اللا توازن التى صار إليها مجتمعنا المصرى فى غيبة الآليات اللازمة للحوار والجدل الاجتماعى بين الفئات والشرائح الاجتماعية المختلفة ..آليات التنظيم والضغط والمفاوضة التى تأتى منظمات المجتمع المدنى فى مقدمتها ، والتى تستطيع من خلالها كافة الجماعات الاجتماعية التعبير عن مصالحها وممارسة نفوذها بصورة منظمة للتأثير فى صنع السياسات.
إن الحوار والجدل الاجتماعى والمساومة والمفاوضة المجتمعية بشأن مصالح الجماعات المختلفة التى تجد من خلال ذلك سبيلاً للمشاركة فى صنع السياسات أو على الأقل التأثير فيها وتعديلها.. وهى الضرورات التى لا غنى عنها لأى مجتمع يطمح إلى التمتع بدرجة من الاستقرار الحقيقى تسمح بتمكينه من التنمية والتطور.. لا تتحقق بغير توافر مختلف آلياتها التى لا يستغرقها مجرد الجلوس إلى مائدة المفاوضات.. بل أنها بالضرورة لا بد أن تتسع لسائر أشكال وصور الضغط والتأثير التى تقودها وتباشرها منظمات المجتمع المدنى.
لقد حان الوقت ..ولم يعد منه متسع.. لنبذ العقلية الشمولية التى لا تعـــــــــــرف الحوار إلا من جانب واحد .. ولا تتصور الاستقرار إلا فى هيمنة أجهزة الدولة على كل صغيرة وكبيرة فى المجتمع..التى تسد الأبواب فى وجه الجدل الاجتماعى والمفاوضة المجتمعية الضروريان كليةً لتوازن المجتمع وتطوره..
إن منظمات المجتمع المدنى إذ تعلن تضامنها مع دار الخدمات النقابية والعمالية إنما تطالب بإفساح الطريق أمام الحوار المجتمعى الخصب ، والمثمر .. بدلاً من العمل على إغلاقه، وتطوير آلياته بدلاً من الخوف منها والعصف بها…فهكذا فقط .. يمكن لمجتمعنا أن يتجنب القلاقل.
إن المنظمات الموقعة على هذا البيان تعلن عن تشكيل لجنة دائمة تتوافر فيها الفعاليات القانونية للتضامن مع دار الخدمات النقابية والعمالية، ومتابعة الموقف معها عن كثب.
الموقعون حسب الترتيب الأبجدى
1- البرنامج العربى لنشطاء حقوق الإنسان
2- الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية
3- الجمعية المصرية لمناهضة التعذيب
4- الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان
5- المبادرة المصرية للحقوق الشخصية
6- المركز العربى لاستقلال القضاء
7- المركز المصرى الديمقراطى الاجتماعى
8- المركز المصرى لحقوق المرأة
9- المنظمة العربية للإصلاح الجنائى
10- المنظمة المصرية لحقوق الإنسان
11- جمعية التنمية الصحية والبيئية
12- جمعية المرصد المدنى لحقوق الإنسان
13- جمعية المساعدة القانونية لحقوق الإنسان
14- جمعية حقوق الإنسان لمساعدة السجناء
15- جمعية شموع لحقوق الإنسان ورعاية الأفراد المعاقين
16- مركز الأرض لحقوق الإنسان
17- مركز البحوث العربية والإفريقية
18- مركز الجنوب لحقوق الإنسان
19- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
20- مركز النديم لعلاج وتأهيل ضحايا العنف
21- مركز دراسات التنمية البديلة
22- مركز سواسية لحقوق الإنسان ومناهضة التمييز
23- مركز هشام مبارك للقانون
24- مؤسسة الشهاب للتطوير والتنمية الشاملة
Share this Post