التعديلات الدستورية استمرار لنهج التضييق علي الأحزاب ومحاولة للخروج من مأزق المادة 76

In صالون بن رشد by CIHRS

في إطار صالون ابن رشد عقد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ندوة بعنوان “التعديلات الدستورية دعم للتعددية الحزبية أم للتضييق عليها؟”،وذلك في يوم الاثنين الموافق 12 فبراير 2007. وقد شارك في فعالياتها كل من الدكتور أسامة الغزالي حرب رئيـس تحرير مجلة السياسة الدولية ووكيل مؤسسي حزب الجبهة الديمقراطية، و الأستاذ صبحي صالح عـضو مجلس الشعب عن الإخوان المسلمين، والأستاذ الأستاذ/ ضياء رشوان الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، وقد تولى إدارة الندوة بهي الدين حسن مدير المركز.

قال بهي الدين حسن مدير المركز أن هناك اتجاها يرى أن الاقتراحات المقدمة ستساعد بشكل مباشر وغير مباشر علي تحقيق انفراجة في مجال التعددية الحزبية، وأن تعديل المادة 76 سيفتح الباب بشكل أكبر لمنافسة الأحزاب على الرئاسة مما سيضيف حيوية للأحزاب السياسية القائمة، مضيفا أن هناك رأي يقول أيضا أن تعديل المادة 62 سيتيح المجال للانتخاب بنظام القائمة وهو ما سيعطي فرصاً أكبر للأحزاب لتحقيق إيجابيات على مستوى التمثيل النيابي و أن هناك من يقول أن التعديل الذي سيطرأ على المادة 5 سيؤدي إلى فرص أوسع للأحزاب السياسية غير الدينية للنشاط السياسي بشكل أكبر.

لكن بهي أشار في المقابل إلي الآراء المتعارضة مع الآراء السابقة والتي تؤكد أن المشكلة الحقيقية ليست في الدستور وإنما في قانون الأحزاب ، و أن النظام الحالي لا يقبل أصلاً بالتعددية السياسية حيث يقوم على هيمنة الحزب الواحد واستبعاد الأحزاب الأخرى ، أو باستخدام أحزاب تلعب دور الكومبارس مما يجعل الحديث صعباً حول أحزاب سياسية حقيقية. وتؤكد هذه الرؤيا أن التعديلات ستساعد على تعميق المظهرية الحزبية وليس جوهر عمل هذه الأحزاب بشكل فعلي حيث لا وجود لهذه الأحزاب خارج نطاق الأوراق.
وقال بهي أن جماعة الإخوان المسلمين هي بمثابة أكبر حزب سياسي غير رسمي بمرجعية دينية وحتى الحزب الوطني الحاكم نفسه له مرجعية دينية بموجب قانون الأحزاب الذي يلزم الأحزاب بالالتزام بمبادئ الدستور التي تؤكد في المادة 2 أن الإسلام هو دين الدولة الرسمي وأن الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع.
وأوضح صبحي صالح عضو الكتلة البرلمانية لجماعة الإخوان المسلمين أن القانون الحالي لا يسمح بوجود أحزاب، وأن لجنة شئون الأحزاب متخصصة فقط في رفْضِ الأحزاب، والدليل على ذلك أن نسبة ما وافقت عليه من أحزاب منذ تشكيلها وحتى الآن هي 2% من إجمالي ما قدِّم من طلبات لتشكيل أحزاب، فضلاً عن أنها رفضت 12 حزبًا في جلسة واحدة من مجموع 12 حزبًا، أي أن نسبة الرفض كانت 100%..
أضاف صالح أن فلسفة النظام الحاكم وطريقة تفكيره وأسلوبه قائمةٌ على معاقبة الأحزاب السياسية، وعدم السماح من الأصل بإنشاء أحزاب، وليس مجرد تحجيم نشاطها فقط، مشيرًا إلى أن النظام جعل من الأحزاب الحالية كياناتٍ وهميةً، بدليل أن ربع الأحزاب المصرية فجَّرها النظام من داخلها كما حدث مع أحزاب العمل والأحرار والغد والوفد وفي طريقه للحدوث مع الحزب الناصري.
أشار صالح إلي إهدار الدولة للأحكام القضائية المتعلقة سواء بنشأة أحزاب أو بإنهاء نزاعات داخل أحزاب أخري ووصف التعديلات الدستورية المقترحة بأنها تمثل ” كفرا بالديمقراطية ” وأنها تستهدف التضييق وليس لها علاقة بالانفتاح السياسي..

وتعليقًا على بعض المواد التي سيتمُّ تعديلُها قال صالح إن المادة (5) تهدف إلى الاتجاه نحو حظْر الأحزاب وليس إباحتها، والمادة 76 تعني ” السماح ” للأحزاب في هذه المرة بالترشيح للانتخابات وعدم معاقبتها، وذلك بتكرار كلمة يسمح أكثر من مرة فضلاً عن استخدام اسم الإشارة للقريب “هذه”، متسائلا عن أسباب الاتجاه لتعديل المادة 62 والتي تقول بأن للمواطن حقّ الانتخاب والترشيح وإبداء الرأي في الاستفتاء والمشاركة في الحياة العامة واجب وطني، وبأي شكل سيتم تعديلها غير الذي عليه الآن!!

وأشار صالح إلى أن المقصود من هذه التعديلات هو خروج الحزب الوطني من المأزق الذي وضع نفسه فيه بتعديل المادة 76، والتي لو استمرَّت على حالها فلن يجد الحزب الوطني أيَّ منافس ولو كان ديكورًا في الانتخابات القادمة، وبالتالي سيجد نفسه في حرجٍ شديدٍ أمام الرأي العام.

وأكد أن الحزب الوطني لو كان يريد حياة حزبية حقيقية صحيحة فإن عليه أن يبدأ بتغيير قانون الأحزاب وإلغاء لجنة شئون الأحزاب وجعل تكوين الأحزاب بالإخطار.

وكشف ضياء رشوان الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام عن وجود تناقض بين الرسالتين اللتين وجههما الرئيس مبارك لمجلسي الشعب والشورى بشأن التعديلات الدستورية وكأنهما تمت صياغتهما في أوقات مختلفة، حيث الأولي تتحدث عن الاعتبارات التي دفعت الرئيس مبارك للتعديل، ذكر فيها 9 أسباب، من بينها سبب واحد يقول بدعم دور وأنشطة الأحزاب؛ باعتبارها عصب الحياة السياسية وجوهرها، بينما أشارت الرسالة الثانية إلى نفس الأسباب، إلا أنها خلت من وجود ولو كلمة واحدة تشير إلى الأحزاب.

وأوضح رشوان أن هذا الأمر يشير بشكل واضح إلى أن الأحزاب لم تكُن في تفكير الحزب الحاكم على الإطلاق أثناء التعديل، مؤكدًا أن الأحزاب المصرية اتخذها النظام الحاكم كمطية أو وسيلة يمتطيها الحزب الوطني لتحقيق أهداف معينة، أهمها إقصاء الإخوان عن الحياة السياسية.
وقال إن النظريات لدى الحزب الوطني لا تستدعى إلا عند الضرورة حيث يرى الوطني الآن أن ضعف الأحزاب تسبب في قوة الإخوان المسلمين وبالتالي عاد للحديث عن الأحزاب كحجة لبعض التعديلات لزيادة الحظر على الإخوان. وقال إنه ليس هناك تعديلا يمس الأحزاب سوى المادة 5 التي أتى فيها التعديل للحظر وليس للإباحة، و أن التعديلات تخدم بالأساس الانتخابات القادمة وعلى رأسها انتخابات الرئاسة والتي يحتاج النظام فيها لمشاركة رمزية للأحزاب لتحسين الصورة وإظهارها بشكل ديمقراطي.
وقال رشوان إن التعديلات تأتي لدعم الموقف الحالي وتكريس استمراره وليس لتطويره وتحسينه على الإطلاق، وقال إن الحكومة إما أن لديها خوف دائم على المصريين وإما خوف دائم منهم وكأنها جعلت من نفسها وصية على المصريين حيث تضع قيوداً عليهم في اختيار من يمثلهم حتى لا ينحرفوا – من وجهة نظرها – في اختيار من يسئ لمصر في صورة استبدادية واضحة.
وقال إن النظام في عهد الرئيس مبارك استلم أحزاباً شبه حقيقية وتكفل بقتل كل هذه الأحزاب، مدللا علي ذلك بأن الأحزاب لم تحصل مجتمعة إلا على 9 مقاعد في انتخابات 2005 – وهي أقل نسبة لتمثيل الأحزاب منذ إنشاء الأحزاب في 1977 – مما يعد مؤشراً على ضعفها على المستوى البرلماني.
ورأى أن التعديلات المطروحة تحظر الإخوان ولكنها تقيد الأحزاب أيضاً، وقال إن نظام الانتخاب بالقائمة سوف يزيد من الديكتاتورية داخل الأحزاب حيث لابد من حصول المرشح في القائمة على موافقة رئيس الحزب وبالتالي لابد من تقديم الولاء له من قبل من يريد الترشيح في الانتخابات البرلمانية.
وحذر من أن هذا الأمر سيؤدي إلي ما هو أخطر من ذلك وهو فتح الباب أمام إفساد الحياة السياسية يخول المال إليها علي أيدي من سيسعون إلي الحصول علي موافقة أحزاب صغيرة علي خوض الانتخابات علي قوائمها.
وقال الدكتور أسامة الغزالي حرب وكيل مؤسسي حزب الجبهة الديمقراطية ورئيس تحرير مجلة ” السياسة الدولية ” أن التعددية الحزبية هي جوهر الديمقراطية في أي نظام في العالم، مؤكدا أن مصر تمر في الوقت الراهن بحالة تدهور كاملة بما يؤكد حاجتها إلى نظام ديمقراطي يضمن لها استقراراً حقيقياً حيث لا تمثل المطالبة بالديمقراطية حاليا رفاهية أو ترفا بل هي مسألة حياة أو موت.
وأشار إلى التراجع الحالي في السياسة الخارجية والصحة والتعليم وحالة القلق لدى الشباب والرغبة في الهجرة وفقدان الأمل في التغيير الحقيقي. وأكد أنه لا يمكن الحديث عن الديمقراطية بدون أحزاب قوية متنافسة لتقديم ما هو أفضل للمجتمع ككل كما يحدث في كل دول العالم الديمقراطي.
رأي حرب أن الثقة بين الشعب والحاكم هي جوهر النظام الحقيقي، لافتا إلي أن الشعب المصري لديه يقين دائم بأن هناك نية مبيتة لتزوير الانتخابات مما أدى إلى مطالبته بالإشراف القضائي رغم صعوبة تحقيق هذا الإشراف الكامل وعدم وجود ه في الدول الديمقراطية.
وقال حرب إن مصر تفتقد روح الديمقراطية وليس فقط تعديلات دستورية وهمية تبقي الوضع على ما هو عليه فعندما تسير الأمور جميعها بشكل ديمقراطي حر ساعتها يكون لبعض التعديلات قيمة حقيقية على أرض الواقع مطالبا بإطلاق حرية تشكيل الأحزاب السياسية وترك الحكم للرأي العام علي مدي جدية هذه الأحزاب.. وأكد أن التعديلات المقترحة لن تؤدي إلى أي تحسن ملحوظ ولابد من تعديل المادة 76 وقانون إنشاء الأحزاب قبل الحديث عن وضع الأحزاب

Share this Post