حقوق الإنسان تحت الحصار مركز القاهرة في تقريره السنوي السابع: الشعوب العربية تحت رحمة أنظمة اﻻستبداد ومليشيات القتل والتطرف الديني وسط تواطؤ المجتمع الدولي
“إن تدهور اﻷوضاع السياسية واﻻجتماعية واﻻقتصادية التي تعيشها قطاعات واسعة من الشعوب العربية، واستمرار التهميش السياسي والنزاعات المسلحة عظم من قدرة التنظيمات العنيفة والمتطرفة على تجنيد أعضاء جدد في صفوفها، خاصة من فئة الشباب، وأدي لخلق وضع كارثي غير مسبوق في المنطقة علي صعيد المعاناة الإنسانية وحقوق الإنسان.”
على هذا النحو حذر التقرير السنوي السابع لمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، والصادر مؤخرا، حول حالة حقوق الإنسان في 11 دولة عربية، من تصاعد العنف في المنطقة وانتشار الأيديولوجيات المتطرفة، في ظل استمرار الفشل في مواجهة الخطاب الديني العنيف واﻹقصائي الذي تتبناه العديد من حكومات، والمتغلغل في المؤسسات الدينية والتعليمية الرسمية، فضلا عن التأثير النوعى للتوتر السنى/الشيعى وللصراع السعودي الإيراني وانهيار النظم القضائية الوطنية وتزايد عجز النظام الدولي لحقوق الإنسان عن مواجهة تدهور وضعية حقوق الإنسان في المنطقة.
فحسبما يشير بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة في مقدمة التقرير، الذي حمل عنوان ” حقوق الإنسان تحت الحصار“: فإن حكام دول المنطقة يزعمون أنهم مضطرون لتقييد الحقوق والحريات لأن مكافحة الإرهاب لها الأولوية، باعتباره الخطر الأعظم على الشعوب العربية والعالم، ولكن الحقيقة أن شعار التصدي للإرهاب لا يشكل إلا ثمن لشراء صمت المجتمع الدولي على جرائم الحرب وضد الانسانية وحقوق الإنسان التي ترتكبها الحكومات العربية يوميا بحق مواطنيها وشعوب أخرى.” ويضيف حسن: “فمقارعة “التمدد الإيراني في المنطقة خاصة في سوريا ولبنان والعراق واليمن والتصدي للمذهب الشيعي والتأكد من دفن الربيع العربي، هي أولويات المملكة العربية السعودية وبعض إمارات منطقة الخليج، وليس القاعدة أو داعش، بينما أولويات سوريا تصفية المعارضة المعتدلة، لا المتطرفة. أما أولويات العراق فهي استمرار تأمين هيمنة الطائفة الشيعية على السلطة والثروة على حساب السنة والأكراد. وأولويات الحكومة المصرية قطع الطريق أمام احتمالات اندلاع موجة ليبرالية جديدة للربيع العربي وليس داعش. لقد صار استمرار وجود “داعش” عامل تهديدى مؤثر هو ضرورة حيوية لإضفاء مشروعية زائفة على حكومات بعض الدول العربية، وتقليل ضغوط شعوب المنطقة والمجتمع الدولي عليها من أجل الإصلاح السياسي والاقتصادي واحترام التزامات حقوق الإنسان”.
يرصد التقرير السنوي السابع للمركز في ثلاثة فصول حالة حقوق الإنسان في العالم العربي خلال عامي 2015 و 2016، إذ يركز الفصل الأول على اتجاهات تطور وضعية حقوق الإنسان في كلاً من السعودية والبحرين وسوريا والعراق وليبيا واﻷراض الفلسطينية المحتلة، ومصر والسودان واليمن وتونس والمغرب. بينما يقدم الفصل الثاني تحليلاً لكيفية تناول مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة ﻷزمات حقوق الإنسان في منطقة الشرق اﻷوسط وشمال أفريقيا، واﻷدوار التي لعبتها الحكومات العربية داخل المجلس. إذ يرصد تصاعد قدرة الدول اﻷكثر انتهاكاً لحقوق الإنسان في العالم ( منهم السعودية ومصر) علي إضعاف المجلس، وحماية أنفسهم وحلفائهم من الدول التسلطية داخل وخارج العالم العربي من المساءلة داخل المجلس. أما فصله الثالث فيتناول جذور وأسباب تفشي ظاهرة العنف، واﻹرهاب في المنطقة العربية، وفهم هذه الظاهرة في سياقاتها الإقليمية والدولية. وبشكل عام يؤكد التقرير أن التحولات السياسية في المنطقة العربية منذ اندلاع الثورات واﻻنتفاضات الشعبية في بعض بلدان المنطقة في2011 تسير في اتجاهات متناقضة ودامية.
ففي مصر يسعى نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى دعم منظومة حكم سلطوية عسكرية وإقصائية مستخدماً في ذلك كافة اﻷدوات اﻷمنية والتشريعية والقضائية، ومستغلاً حالة القلق من الفوضى والعنف التي تسود قطاعات واسعة من الرأي العام، لكن المؤشرات الحالية في مصر تشير أيضاً إلى تصاعد الغضب وعدم الرضا عن أداء النخبة الحاكمة واﻷجهزة اﻷمنية، مع تزايد تخوفات العديد من السياسيين والمثقفين من أن غلق المجال العام ، والتوسع في انتهاكات حقوق الإنسان بهذا الشكل المتلاحق والمنهجي ينتج عنه مخاطر على كيان الدولة المصرية، ويفاقم من التطرف واﻹرهاب في المجتمع.
أما في سوريا فمازال نظام بشار اﻷسد يستخدم جيش وسلاح الدولة في مواجهه شعبه، بينما يستمر إخفاق النخب المحلية في إدارة التحول السياسي في كلاً من اليمن وليبيا والعراق، فضلا عن أن التدخلات الإقليمية والدولية العسكرية والسياسية في هذه البلدان جميعاً أدى إلى تأجيج اﻻستقطابات الطائفية والسياسية، وتصاعد نفوذ الجماعات الدينية المتطرفة، وعسكرة متزايدة في مكونات هذه المجتمعات. ويعتبر التقرير أن ما آلت إليه أوضاع هذه البلدان في السنوات الـخمس اﻷخيرة كشف عن التدمير المنهجي الذي مارسته اﻷنظمة السلطوية على مدار عقود في بنيان الدول الوطنية ومؤسساتها، وتماسك نسيج مجتمعاتها.
وعن المملكة العربية السعودية يشير التقرير إلى اتخاذ المملكة كافة التدابير اﻷمنية لمواجهة أي حراك شعبي، بينما على الصعيد اﻹقليمي وظفت المملكة أدواتها السياسية والمالية لضمان تأثيرها على مخرجات التحول السياسي في مصر وسوريا، ولجات إلى آلتها العسكرية لمساندة حلفائها في الخليج، وضمان استمرار هيمنتها على التطورات السياسية في اليمن،الدولة الفقيرة التي يعاني شعبها حالياً من كارثة إنسانية عميقة.
ولم ينفصل تدهور حالة حقوق الإنسان في البحرين والسودان عن الحالة السياسية العامة التي تسود بلدان المنطقة. فقد عمدت السلطات الحاكمة في كلتا الدولتين إلى المواجهة الحازمة مع المعارضين، والقوى المتطلعة للإصلاح السياسي. إذ تجاهلت البحرين توصيات تقرير لجنة تقصي الحقائق حول جرائم وانتهاكات حقوق الإنسان خلال المواجهات الدامية بين الدولة والمطالبين باﻹصلاح السياسي في 2011، والتي استدعت فيها السلطات البحرينية قوة عسكرية سعودية تولت مساندة القمع الدموي للمتظاهرين والمحتجين.
يأتي هذا في الوقت الذي تسود فيه أيضاً حالة من الإحباط المتزايد في اﻷرض الفلسطينية المحتلة نتيجة استمرار حالة الحصار التي تفرضه سلطات اﻻحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، واستمرار جرائم الأله العسكرية للاحتلال، واستمرار اﻻنقسام واﻻستقطاب السياسي بين الحركات والفصائل الفلسطينية.
عبر التقرير أيضا عن أسفه أن المغرب لم ينأي بنفسه عن موجة القمع السائدة في معظم بلدان المنطقة، فعلى الرغم من حيوية النقاشات العامة حول قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، وخاصة حقوق المرأة، إلا أن التضييق على المجتمع المدني المستقل، واﻹعلام النقدي في تزايد مقلق خلال السنوات اﻷخيرة الثلاث. كما تستمر السلطات المغربية في اﻻضطهاد المنهجي للمطالبين بالحق في تقرير المصير في إقليم الصحراء الغربية، وتضع العراقيل أمام تسوية هذا النزاع بشكل عادل. بينما تواجه تجربة التحول الديمقراطي في تونس العديد من التحديات أبرزها ارتفاع نشاط جماعات العنف الديني، وتدني اﻷوضاع الاقتصادية والاجتماعية، والبطء في تبني إصلاحات تشريعية ومؤسسية تضمن استمرار المسار الديمقراطي.
القاسم المشترك في جميع هذه البلدان أن مرتكبي جرائم وانتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة يفلتون بأفعالهم من المحاسبة والعقاب. والمؤسسات القضائية في هذه البلدان إما غير قادرة، نتيجة الصراعات المسلحة وانهيار مؤسسات الدولة، أو تفتقد للنزاهة واﻻستقلالية المطلوبة لمحاسبة أفراد اﻷجهزة اﻷمنية والعسكرية. ومن ناحية أخرى لا يضع المجتمع الدولي المحاسبة والعدالة في أولوياته في التعامل مع قضايا هذه المنطقة، بل أن كثير من اﻷسلحة التي تستخدم من جانب منتهكي حقوق الإنسان مثل السعودية ومصر والبحرين تستورد من الدول الغربية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا.
Share this Post