"استمرار تدهور الأوضاع الإنسانية وحالة حقوق الإنسان في معظم بلدان المنطقة العربية هو نتيجة طبيعية لتوسع عسكرة السياسة، والفشل في إيجاد حلول سلمية وجذرية لنزاعات المنطقة الداخلية والدولية، وتجدد مشروعات الحكم السلطوي منذ تأزم ثورات الربيع العربي." كان هذا أبرز ما خلص إليه التقرير السنوي الثامن لمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، والذي صدر اليوم 7 يوليو 2018، حول حالة حقوق الإنسان في 11 بلد عربي.
يرصد ويحلل التقرير تطورات حقوق الإنسان في كل من مصر، والسعودية، والبحرين، واليمن، وسوريا، والجزائر، والسودان، والمغرب، وتونس، وليبيا. كما يضم قسمًا حول سياسات الاتحاد الأوروبي إزاء حقوق الإنسان في مصر، والأولويات الجديدة لسياسة الجوار الأوروبي بين مصر والاتحاد الأوروبي، والمبرمة في يوليو2017.
أن العالم العربي تجتاحه دوامات سياسية عميقة نتيجة وصول كل من النظام الإقليمي العربي ككل والعقد الاجتماعي في عدد من الدول الرئيسية في العالم العربي إلي نهاية عمرها الافتراضي دون أن تبلور نظامًا بديلاً علي النطاق الإقليمي أو عقدًا اجتماعيًا بديلًا في الدول المتداعية، أو تتوافر آليات لحوار حول البدائل المحتملة بين أهم الفاعلين على الصعيدين الوطني والاقليمي
طبقًا للتقرير، فشل النظام الدولي لحقوق الإنسان في مواجهة النزاعات المسلحة في المنطقة، بداية من التدخل المبكر لمنع تصاعدها وتعقدها، أو مواجهة تداعياتها الإنسانية الخطيرة، أو إيجاد حلول سلمية لها وتنفيذها. وفي هذا الصدد يؤكد المركز أن الاجتياح الخارجي السياسي العنيف والمسلح الذي جرى في المنطقة خلال السنوات السبع الماضية بشكل واسع النطاق لم تعرفه المنطقة منذ حصول دولها علي الاستقلال، الأمر الذي فاقم من عمق هذه الأزمات. هذا الاجتياح- بحسب التقرير- تم سياسيًا علي أيدي دول من المنطقة كالمملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة، وعسكريًا بالتدخل العسكري المباشر أو من خلال وكلاء في سوريا واليمن وليبيا. ومن خارج العالم العربي مارست بالتوازي دولتي الجوار ايران وتركيا أعمال التدخل السياسي الكثيف والعسكري المباشر وغير المباشر في دول اليمن والعراق وسوريا ولبنان وليبيا.
يشير التقرير أيضًا إلى أن العالم العربي كنظام اقليمي ودول ونظم حكم، ونخب سياسية حاكمة ومعارضة، علمانية واسلامية، وأغلبيات وأقليات دينية وعرقية، يعاني أزمة أكثر حدة وعمقا بما لا يقاس بما كان عليه الحال عند بدء انتفاضات الربيع العربي منذ سبع سنوات. إذ أكد التقرير على تصاعد السلطوية في المنطقة العربية، لكن هذا لم يمنع تصاعد المطالب الاحتجاجية ذات البعدين الاقتصادي والاجتماعي، أو منعها من التعبير العلني عن نفسها.
فخلال عام 2017، استمرت هذه الاحتجاجات في مناطق الريف والحسيمة وجرادة في المغرب، وبعض المناطق في الجزائر خاصة المأهولة بالجماعات الأمازيغية، والسودان، والعراق، والأردن، والمناطق الشرقية في السعودية، وفي شبه جزيرة سيناء شرق مصر والنوبة جنوب مصر، مفرزة قيادات مدنية وحقوقية وسياسية جديدة استخدمت تقنيات التكنولوجيا الحديثة في الحشد والحملات. وواجهت حكومات هذه الدول قيادات وأفراد هذه الاحتجاجات، خاصة الشباب، بالعنف والاعتقال والاتهامات المفبركة والمحاكمات ذات الطابع السياسي.
تعكس هذه الاحتجاجات فشل بنيوي في إدارة اقتصاديات هذه الدول، وفي تلبية نخبها الحاكمة للاحتياجات الرئيسية للشعوب، واختلال توزيع وإدارة الثروات، فضلاً عن تهميش مناطق وأقاليم بأكملها في كثير من البلدان العربية، علي الرغم من توافر ثروات طبيعية في بعض هذه الأقاليم، لكن يحرم أهلها من عائداتها.
Share this Post