مرت خمسة وعشرون عامًا منذ التصديق على منهج عمل بيجين، وسنة واحدة على مشاركة النساء حول العالم في حملة إضراب النساء العالمي. ومع ذلك، لم تتحقق بعد العدالة بين الجنسين على أرض الواقع بالنسبة لأغلب النساء. وذلك بالرغم من التعبئة الشعبية على الصعيد العالمي، التي تصدّرتها النساء والعديد من الحملات، وإجراءات التدخل في مجال السياسة العامة التي نظمتها قيادات المجتمع المدني النسائية وناشطات ومحاميات، يناضلن النساء في جميع أنحاء العالم لتحقيق المساواة الكاملة.
تتناول الدورة الـ 65 للجنة المعنية بوضع المرأة بالأمم المتحدة لهذا العام، والتي تمتد من 15 إلى 26 آذار/مارس 2021، موضوع “النساء في الحياة العامة: المشاركة المتساوية في اتخاذ القرار”. ويتطلب تحقيق الهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة (المتعلق بالمساواة بين الجنسين) بصورةٍ مجديةٍ التأكدَ من أن المؤسسات متعددة الأطراف والحكومات في جميع أنحاء العالم تحمي حريات النساء المدنية في المجتمع المدني، وتعترف وتحتفي بها وتدعمها. ولا يمكن تحقيق ذلك سوى بالاعتراف بأن الهدف الـ (16) من أهداف التنمية المستدامة سبيلٌ مهمٌّ لضمان الحريات المدنية للناشطات حول العالم اللواتي أحرزن تقدما في مجال حقوق الإنسان للجميع رغم العقبات الكبيرة. ولتحقيق هذه الغاية، تدعو الأطرافُ الموقعة أدناه منظومةَ الأمم المتحدة والحكومات حول العالم لضمان حماية عمل النساء في المجتمع المدني، وتزويدِهن بالموارد، ودعمِهن في جميع المجالات.
وعوضًا عن الجلوس مكتوفات الأيدي، تحشد النساء والفتيات في أرجاء العالم بروح من التضامن احتجاجًا على تكريس الليبرالية الجديدة، وعدم المساواة، والتحيز الجنساني، والنزعة العسكرية، والعنصرية، والنظام الذكوري على الصُّعد المحلية والوطنية والدولية. وتخرج النساء من كل الأعمار حول العالم إلى الشوارع ويشغَلن الفضاءات الافتراضية للدفاع عن حقوق الإنسان الواجبة للجميع والمطالبة بالتغيير المنهجي. وتحدّت مجموعة من الحركات الأنظمة الذكورية مثل Ni una Menos (ولا امرأة واحدة أقل) في أمريكا اللاتينية، أو Czarny Protests (الاحتجاجات السوداء) في بولندا، أو الاحتجاجات التي تقودها الحركة النسوية في لبنان والجزائر والعراق، لتُظهر بذلك أن النساء قوةٌ لا ينبغي أن يُستهان بها. كما قادت منظمات مثل رابطة النساء المهنيات في أوكرانيا برامج تعزز قدرة النساء على تولي الأدوار القيادية، والانخراط عمليًا في القوى العاملة، وتحديد احتياجات التعلّم لدى النساء. ودأبت منظمات أخرى مثل شبكة النساء الأفريقيات للتنمية والتواصل على تجهيز الناشطات ودعمهن للانخراط في سياسات الاقتصاد الكلي والتعامل مع أوجه عدم المساواة.
ومع ظهور جائحة كوفيد-19، أضحى من المهم الآن، وأكثر من أي وقت مضى، وضعُ تصورٍ جديدٍ لطرق دعم الناشطات وحمايتهن خلال عملهن بهدف تحسين الحياة العامة. إذ أدت التعبئة الشعبية للمتظاهرين، التي تُظهر النساء في الطليعة، إلى إصلاح النُّظم السياسية، واستعراض الشروط التقييدية للقروض لدى المؤسسات المالية الدولية، وحماية الحقوق المتعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية. ورغم هذه المكاسب المدهشة، ما زالت منظمات حقوق النساء تفتقر للموارد بصورة مزمنة. وتتعرض النساء للخطر بسبب ثلاثة عوامل؛ القيود التي تضعها الدولة والعنف الناتج عن عملهن في المجتمع المدني، وردود الفعل العنيفة المعادية للنساء بسبب ابتعادهن عن المعايير الذكورية، ونقص الموارد والرعاية المجتمعية للتعامل مع الضغوط النفسية والاجتماعية والضرر الناتج عن هذا العمل. وقد واجهت الصحفيات أيضا خلال عملهن ظروفًا متدهورة شملت القيودَ المشددةَ أثناء تغطية كوفيد-19، في خضم الاعتداءات الجسدية المتفاقمة أصلاً والتحرش الإلكتروني.[1]
واعترافا من المقرر الخاص للأمم المتحدة كليمون فولي بنقاط التلاقي بين المساواة بين الجنسين والحريات المدنية، أشار إلى أنه “على الرغم مما لفرص تعبير النساء ومساهماتهن كناشطات وفي المجتمع المدني من أهمية حيوية، ما زالت تُبخس قيمتهن، وتنقصهن الموارد ويجري إضعافهن. ورغم التقدم الكبير المحرز في كفالة مشاركة المرأة في الحياة العامة، تواصل الجهات الفاعلة سواء من الدول أو من غير الدول انتهاك حقوق النساء في حرية التجمع السلمي وفي حرية تكوين الجمعيات – على شبكة الإنترنت وخارجها على حد سواء”.
ويستحيل تحقيق أهداف التنمية المستدامة عمليًّا دون التصدي للوسائل المختلفة التي تستهدف بها كلٌّ من الدول والجهات غير الحكومية بطريقةٍ منهجيةٍ إسهام النساء في التغيير. وبالتالي، تحثّ المنظماتُ الموقعة أدناه، خلال دورة لجنة وضع المرأة لهذا العام، الحكوماتِ والهيئاتِ المتعددة الأطراف على تخصيص الموارد الكافية والتنفيذ على نحو يتوافق مع الأطر السياساتية القائمة لتحقيق المساواة بين الجنسين، وتقديم الدعم المجدي للنساء في الحياة العامة. كما ندعو، بوجهٍ خاصٍّ، الجهات التالية إلى:
- ندعو الحكوماتِ إلى تهيئة بيئات مواتية على مستوى التشريع والسياسة العامة والممارسة لمشاركة النساء في الحياة العامة، بالتركيز على إزالة كافة العقبات التي تحول دون تمتع النساء والفتيات بحرية التجمع وحرية تكوين الجمعيات وحرية التعبير؛
- إقامة مؤسسات وطنية مستقلة مزودة بكافة الموارد لضمان مشاركة النساء في الحياة المدنية وتعزيزها وحمايتها؛
- ضمان إعطاء الأولوية لحرية الصحافة وحمايتها، وتعطيل أي تشريعٍ يجرّم دون مبرر عمل الصحفيين، وضمان إمكانية لجوء الصحفيات للقضاء، وحصولهن على الحماية وظروف عمل آمنة خلال عملهن.
- ندعو الحكومات إلى ضمان إجراء تحقيقات كاملة في حالات الاعتداء على المدافعات عن حقوق الإنسان والمحاميات والصحفيات، وتدريب جهات إنفاذ القوانين وتوجيهها لدعم حقوق النساء واحترامها خلال مشاركتهن في الحياة العامة؛
- ندعو الحكومات إلى بلورة خطط مراعية للاعتبارات الجنسانية وتنفيذها، لإبطال القواعد التنظيمية المتعلقة بكوفيد-19 التي تضع القيود دون مبرر على المجال العام، وخاصة بالنسبة للنساء في المجتمع المدني؛
- ندعو الحكومات إلى إدخالِ تعديلات على التشريعات القائمة المتعلقة بالتجمع السلمي، تماشيًا مع التعليق العام للأمم المتحدة بشأن المادة 21 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واعترافِها بالحق في التجمع على شبكة الإنترنت وبالحضور الشخصي وحمايته، مع إيلاء اهتمامٍ خاصٍّ بالأبعاد الجنسانية للحق في التجمع؛
- ندعو الحكومات إلى تنفيذ توصيات اتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن العنف والتحرش لعام 2019 (رقم 190) والتي تقر بأن عمل الناشطات والصحفيات والمتظاهرات وقيادات المجتمع المدني النسائية ينبغي أن يُنجز عن حقٍّ بعيدًا عن العنف والتحرش.
- ندعو الحكومات إلى الالتزام بالاستثمارات الهيكلية والطويلة الأجل، مثل تطوير البنية التحتية لتعزيز جهود المجتمع المدني وتمكين النساء من استحداث بدائل مستدامة، من أجل السماح بمرونة المجتمع المدني وملائمته واستدامته، ولا سيما إعطاء الأولوية للنساء في المجتمع المدني؛
- ندعو الحكومات وأصحاب السلطة للتصدي لحالات الظلم الجنساني وأشكال التحيز التي تؤدي إلى عدم توفير الموارد الكافية لمنظمات حقوق المرأة؛
- ندعو ممثلي الحكومات إلى تفادي تشويه سمعة النساء ومضايقتهن على كافة المستويات، واستحداث آليات المساءلة لمحاسبة الأشخاص الذين يهددون النساء ويهاجمونهن ويعتدين عليهن، وأيضا أولئك الذين يعرّضون النساء لحملات التشهير، ليكون الجناة عبرةً لغيرهم ونماذج رادعة؛
- ندعو الأمم المتحدة إلى تشجيع مشاركة النساء في محافلها تشجيعًا فعالاً، وإدانة الأعمال الانتقامية التي تستهدف النساء، وضمان تذليل العقبات التي تحول دون مشاركتهن تماشيًا مع دعوات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش والمذكرة التوجيهية للأمم المتحدة بشأن حماية الفضاء المدني وتعزيزه.
للاطلاع على الموقعين هنا
[1]لمزيد من الأمثلة بخصوص التهديدات والقيود التي تواجهها النساء خلال مشاركتهن في الحياة العامة، يُرجى الاطلاع على التذييل في آخر هذه الرسالة.
التذييل: الحالات المثيرة للقلق
- التجمع على شبكة الإنترنت وخارجها:
منذ بداية جائحة كوفيد-19 وما ترتب عنها من فرض تدابير الإغلاق في جميع أنحاء العالم، وضعت الحكومات قيودًا على الحق في الاحتجاج. وأظهرت العديد من الحركات وجود قيادةٍ نسائيةٍ قويةٍ على غرار الآتي:
- واجهت حركة الاحتجاج المعروفة باسم الحراك في الجزائر أو Ni Una Menos (ولا امرأة واحدة أقل) في أمريكا اللاتينية، عقباتٍ حالت دون تجمعها منذ مطلع عام 2020، مع تجريم الكثيرين بموجب إجراءات الإغلاق المُستخدَمة لكبح حرية التجمع، وهو تصعيد مستمر للقيود في بيئة مقيّدة أصلاً للمتظاهرين.
- في قيرغيزستان، تعرضت النساء للاعتداء والاحتجاز وسوء المعاملة خلال احتجاجات 8 آذار/مارس احتفاءً باليوم العالمي للمرأة في عام 2020. وعلاوةً على ذلك، كانت النساء الأكثر تأثرًا بفقدان الوظائف نتيجة كوفيد-19.
- في السلفادور، خاض أكثر من 100 عاملاً، بقيادة نسائية، احتجاجًا وإضرابًا عن الطعام في شباط/فبراير 2021 بعد طردهم في حزيران/يونيو 2020 دون الحصول على تعويض.
- وبالمثل، عرقلت إجراءات القمع المتواصلة إمكانية الوصول لخدمات الإجهاض مما أدى لاندلاع احتجاجات سلمية في بولندا في كانون الثاني/يناير 2021، وجوبهت بتهديد الشرطة وأُجبر المتظاهرون على إظهار هويتهم وبالتالي وُجّهت إليهم الاتهامات.
- في ميانمار، شكلت النساء نسبة 60 في المئة من مجموع المتظاهرين السلميين واضطلعن بأدوار قيادية حيوية في ثورة الربيع 22222 عقب الانقلاب العسكري في شباط/فبراير 2021.
وعلى إثر العنف والمضايقة وما تعرضن له النساء والفتيات على نحو كبير بسبب الجائحة، اندلعت أيضا احتجاجات سلمية في بنغلادش والهند وكولومبيا وملاوي ونيجيريا والجزائر وجنوب أفريقيا وكوستاريكا، على سبيل المثال لا الحصر. وفي الكثير من هذه الحالات، تعرضت النساء للمضايقة أو الاحتجاز أو التخويف بسبب أنشطتهن السلمية.
- المضايقات والتهديدات الإلكترونية:
تعرضت النساء أيضا خلال السنة الماضية لتهديدات ومضايقات على نحو متزايد في ظل انتقال المناصرة إلى شبكة الإنترنت. واستُهدف الصحفيين بسبب عملهم، واستُخدمت في كثير من الأحيان منصات التواصل الاجتماعي لاستهداف النساء. واستُهدفت صحفيات كثيرات مثل منيرة تشودري ويوفجينيا كارل وفدوى شطورو لمجرد ممارستهن عملهن. وبالمثل، كانت صحفيات من باكستان عرضةً لهجماتٍ إلكترونيةٍ مستمرةٍ ومضايقاتٍ وتهديداتٍ عبر الإنترنت، منهن غريدة فاروقي، التي تعرض حسابها على تويتر لمحاولة قرصنة.
وخلصت دراسة لعام 2020 أنجزها المركز الدولي للصحفيين واليونسكو إلى أن 70 في المئة من النساء اللواتي شملتهن الدراسة طالتهن سواءٌ المضايقات أو التهديدات أو الاعتداءات في العام الماضي. وعلاوةً على ذلك، وجد “الائتلاف من أجل المرأة في الصحافة” أن 48 صحفية على الأقل حول العالم يقبعن في السجون بسبب تغطيتهن الإعلامية في عام 2021.
وبالنسبة للنشطاء العاملين في أماكن قمعية أو مغلقة، يظل الفضاء الإلكتروني أحد الأماكن القليلة المتاحة للتجمع والمناصرة بشكلٍ فعالٍ من أجل إحداث تغييرٍ. ونُقلت الصحفية الجزائرية عبير بن رابح إلى المستشفى في تشرين الثاني/نوفمبر 2020 عقب تعرضها لمضايقات عبر الإنترنت بعد فضحها الابتزاز الذي تعرضت له النساء والأطفال على الإنترنت. وعرضت حركة “أنا أيضا” (#MeToo) في مصر حالات التحرش والعنف والاغتصاب على نحوٍ مفصلٍ، مما دفع إلى سنّ قانونٍ جديدٍ لحماية هوية الضحايا. ورغم هذه المكاسب، احتُجزت نساء مصريات نتيجةً لذلك بتهم أخلاقية في أيلول/سبتمبر 2020 بعد استجابتهن لاستدعاء السلطات المصرية من أجل تقديم الشكوى. وتعرضت سولافة مجدي، الصحفية المصرية والمدافعة عن حقوق الإنسان، للتحرش الجنسي والعنف خلال احتجازها.
- القيود المفروضة على تكوين الجمعيات:
في خضم هذه الظروف الصعبة التي يشهدها المجتمع المدني، باتت الحاجة الآن أكثر من أي وقت مضى إلى عمل النساء الفاعلات في المجتمع المدني حول العالم. ففي العديد من الحالات، ظل المجتمع المدني في الخطوط الأمامية المستجيبة لجائحة كوفيد-19 والأزمات المرتبطة بها.
ففي أفريقيا، وثّقت كوفيد واتش أفريقيا التأثير الإيجابي للمجتمع المدني على الخطوط الأمامية في القارة، وقدمت في الوقت نفسه بالتفصيل طرق استهداف الجهات الفاعلة في المجتمع المدني. وبدل أن تستجيب السلطات بإيجابية لتوصيات المجتمع المدني المتعلقة بالمناصرة والبحث والسياسة العامة، زادت استخدام تقنيات المراقبة والتجسس المعقدة وإغلاق منظمات المجتمع المدني وتجريم قادتها.
- أُوقفت الناشطة في مجال المناخ، ديشا رافي، في شباط/فبراير 2021 بسبب تحرير مجموعة من أدوات الاحتجاج المتداولة عبر الإنترنت دعمًا لاحتجاجات المزارعين التي اجتاحت أنحاء الهند.
- وفي سلسلة من الاعتداءات المستمرة، استُهدفت قيادة المنظمة التونسية غير الحكومية “دمج” في كانون الأول/ديسمبر 2020 من خلال الاعتقالات التعسفية، واعتداءات ضباطٍ بملابس مدنية، وحالات الاختطاف عقب اعتصام نُظّم لإدانة تعليقات تنم عن الكراهية أدلى بها النائب البرلماني محمد العفاس ضد مجتمع الميم والحركات النسوية.
- وفي باكستان، قُتلت أربع مدافعات عن حقوق الإنسان في شمال وزيرستان عندما كنّ يجرين تدريبًا على المهارات المهنية في شباط/فبراير 2021. وأُطلق النار على هؤلاء النسوة في قرية مهجورة قرب مدينة ميرالي شمال وزيرستان.
- وتواصل المدافعات المصريات عن حقوق الإنسان ومنظماتهن مواجهة أعمال انتقامية قاسية. وتلا أيضا مقتلَ المحامية والناشطة السياسية حنان البرعصي في وضح النهار في بنغازي يوم 10 تشرين الثاني/نوفمبر 2020 نمطٌ مثيرٌ للقلق من الاعتداءات العنيفة ضد ناشطات بارزات في ليبيا، بما في ذلك العنف الإلكتروني دون أيّ رادع.
Share this Post