في إطار الإعلان عن تأسيس وتشكيل المجلس القومي لحقوق الإنسان الذي يبدأ اجتماعاته هذا الأسبوع، ورغبة في تفعيل دور المجلس في تعزيز تطلعات المجتمع المدني للإصلاح الديمقراطي ودعم حقوق الإنسان، نظم مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان لقاء فكريا ضم 20 من نشطاء المجتمع المدني (وخاصة من منظمات حقوق الإنسان وحقوق المرأة) بينهم سبعة من أعضاء المجلس القومي لحقوق الإنسان. وأدار الحوار د. محمد السيد سعيد نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية والمستشار الأكاديمي للمركز. كما شارك فيه خبيرين في موضوع الحلقة النقاشية من فلسطين والمغرب.
أبرزت حصيلة المناقشات التي دارت على مدار ثلاث ساعات ما يلي:
أولا: الأولويات: أظهرت المناقشات حول أولويات عمل المجلس حجم المسئوليات الملقاة على عاتقه، فقد دعا عدد كبير من المتحدثين إلى إعطاء الأولوية إلى تصفية ملفات الاعتقال غير القانوني والتصدي لظواهر التعذيب والتفتيش على السجون ومراكز الاحتجاز وإغلاق مقار الاحتجاز غير القانونية، وإحالة المدنيين للمحاكمة أمام المحاكم العسكرية. وطرحت بعض الآراء أهمية التصدي للقوانين الاستثنائية، ومراجعة القوانين المتعلقة بالمشاركة السياسية وبخاصة قوانين الأحزاب والقوانين المنظمة للانتخابات المقبلة وتدارس السبل المناسبة لقطع الطريق على تزييف إرادة الناخبين من خلال دراسة الانتهاكات المتكررة في الانتخابات السابقة.
وطرحت بعض الآراء إعطاء أولوية خاصة لانتهاكات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والصحية باعتبارها تمس الحقوق الجماعية لملايين المواطنين. في حين أعرب أحد المتحدثين عن توقعه بأن المجلس ليس لديه فرصة كبيرة في الاشتباك الإيجابي مع مجمل تلك القضايا. وربما يكون الأكثر جدوى في عمل المجلس السعي لتوسيع الهامش المتاح للمجتمع المدني داخل وسائل الإعلام، والعمل بالتنسيق مع وزارة التعليم على مراجعة المناهج التعليمية.
كما شددت بعض المداخلات على أن المجلس ينبغي أن يولي اهتماما خاصا بقضايا المرأة ولا يعتبر وجود مجلس قومي للمرأة مبررا للتحلل من الاشتباك مع تلك القضايا.
ثانيا معايير التقييم: وأشارت مداخلات بعض المتحدثين إلى ضرورة التعامل على أسس أكثر واقعية أخذا في الاعتبار التركة الثقيلة لانتهاكات حقوق الإنسان وأن المجلس بحكم طبيعته كمؤسسة وسيطة لا تملك صلاحيات تنفيذية، ولا يملك إلا سلطة معنوية، وليس له سند دستوري ولا يوجد في قانونه ما يلزم الأجهزة الحكومية أو البرلمان للتجاوب مع توصياته. واقترحت هذه المداخلات ضرورة وضع تصور أو خطط عمل للمجلس مربوطة بمدى زمني محدد يمكن في إطارها تقييم أداء المجلس ومحاسبته على أسس صحيحة، وأشارت بعض الآراء إلى ضرورة وضع مؤشرات على أساسها يمكن تقييم مدى نجاح أو فشل المجلس في أداء مهامه، مشيرة إلى أن وضع هذه المؤشرات يقع على عاتق منظمات المجتمع المدني مثلما يقع على عاتق المجلس ذاته.
وركزت بعض الآراء على أنه رغم أن القانون يتيح للمجلس تلقي الشكاوى، إلا أنه الأهم من متابعة الشكاوى هو ما يمكن أن يستخلصه المجلس منها فيما يتعلق بالأنماط المتكررة لانتهاك حقوق الإنسان وسبل وضع حد لها، وأكدت على أهمية أن يضع المجلس على عاتقه مهمة وضع خطة وطنية للمستقبل يمكن أن تشكل مدخلا لإرساء أسس البنية التحتية لحقوق الإنسان على صعيد التشريع والثقافة والتعليم والبناء المؤسسي.
وأشارت هذه الآراء إلى أن مؤشرات فشل أو نجاح المجلس ستكون على صلة وثيقة بتوصله لتشخيص موضوعي لوضعية حقوق الإنسان في مصر ومدى قدرته على الاشتباك بصورة فعالة مع الوقائع اليومية الفجة لانتهاك حقوق الإنسان، ومدى قدرته على التفاعل مع قضايا الإصلاح الدستوري والتشريعي المطروحة منذ سنوات، مؤكدة على أنه ينبغي النظر لتدشين المجلس القومي لحقوق الإنسان باعتباره منطلقا لمرحلة جديدة من الصراع بين القوى المتطلعة للإصلاح الديمقراطي والتيارات المناوئة لهذا الإصلاح. وأضافت لهذه المؤشرات كذلك قدرة المجلس على التواصل الإعلامي مع الرأي العام ومدى نجاحه في إنشاء علاقة مؤسسية مع المنظمات المصرية والدولية المعنية بحقوق الإنسان، وكذا النقابات والأحزاب ونادي القضاة والأجهزة الحكومية ذات الصلة.
ثالثا: حول العلاقة بين المجلس القومي لحقوق الإنسان ومنظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني: أكدت المناقشات على أهمية أن يتكامل أداء المجلس مع أداء منظمات حقوق الإنسان، بل إن فرص نجاح المجلس في تلبية التطلعات المتوقعة يلقي بأعباء إضافية على منظمات حقوق الإنسان.
وأشارت بعض الآراء إلى أنه إذا كانت الحكومة تسعى لأن يكون المجلس جزءا من آلياتها، فلماذا لا تسعى منظمات حقوق الإنسان كطرف مؤثر لأن يكون المجلس بدوره جزءا من آلياتها. وأشارت بعض الآراء إلى أنه رغم أية تحفظات على طريقة وطبيعة تشكيل المجلس، فإن الفرصة قائمة لتشكيل لوبي ضاغط من داخل المجلس باتجاه الإصلاح الديمقراطي، وأنه من المرجح أن يكون المجلس ساحة للصراع حول استقلالية المجلس، بين دعاة الإصلاح والمناوئين له، وأن مؤسسات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان ينبغي أن تقدم الدعم في هذا الصراع للتيار الإصلاحي، وهو ما يقتضي أن يخضع عمل المجلس لتقييم موضوعي من قبل هذه المنظمات يسمح بتقدير ما هو إيجابي ويرصد ما هو سلبي.
وأضافت المداخلات أن المجلس لن يبدأ عمله من الصفر فهناك تراكم عمل وخبرات منظمات حقوق الإنسان في مصر على مدى أكثر من 15 عاما وهى مدعوة بالتالي لأن تضع مجمل ملفاتها وتقاريرها ومعلوماتها وخبراتها لدى أعضاء المجلس، وأن تقيم خطوطا للاتصال اليومي بالأعضاء ومدهم بالمعلومات والمقترحات والمطالب والتوقعات وأن تنسق مع المجلس فيما يتعلق بالتعامل مع الشكاوى.
واقترحت بعض الآراء ضرورة تنظيم آليات للمتابعة ودعت إلى عقد لقاء دوري بين أعضاء المجلس القومي لحقوق الإنسان ومنظمات حقوق الإنسان، علاوة على تفعيل الاقتراح الخاص بأن تتولى منظمات حقوق الإنسان تأسيس مرصد لمتابعة أداء المجلس القومي لحقوق الإنسان.
وأعرب أغلبية المشاركين عن تفهمهم للجدل المثار حول تأسيس المجلس والشكوك التي تحيط بمدى جدية الحكومة في الاستجابة للمطالبات الرامية إلى الإصلاح الدستوري والتشريعي وحماية حقوق الإنسان والتخوفات من أن يصبح المجلس مجرد واجهة لتجميل الحكومة والالتفاف على الضغوط الداخلية أو الخارجية بشأن ملف حقوق الإنسان. وأكدت المناقشات أن هذا التنوع في الآراء يعكس قدرا عاليا من المسئولية والحرص على المصداقية، ويمكن أن يدعم اتجاه التيار الإصلاحي داخل المجلس. كما أعرب بعض الحضور عن أسفهم لأن تتخذ بعض منظمات حقوق الإنسان قرارا بمقاطعة المجلس من قبل أن يبدأ عمله وتختبر نوايا أعضائه ومواقفهم ودعوا إلى ضرورة النظر إلى خطوة إنشاء المجلس وتشكيله باعتبارها خطوة إيجابية تعكس اعترافا بمنظمات حقوق الإنسان وتأكيدا لمصداقيتها التي كانت محلا للتشكيك ولحملات الافتراء والتشويه، وأن هذه الخطوة تعني تبني الدولة رسميا أو ضمنيا فكرة حقوق الإنسان والمعايير الدولية، وأن الوزن السياسي والأدبي لهذا المجلس ينبغي استثماره من قبل هذه المنظمات في إحداث نقلة نوعية في مجال حقوق الإنسان.
رابعا الشفافية والإعلام: شددت بعض المداخلات في هذا الإطار على ضرورة أن يتحلى المجلس القومي لحقوق الإنسان بالشفافية في إحاطة الرأي العام بنتائج أعماله أولا بأول، بما في ذلك أن يتيح نظامه الداخلي الحق للأقلية داخله في إعلان مواقفها لدى الرأي العام، محذرة من أن غياب الشفافية قد يقود عمليا إلى تحجيم دور المدافعين عن حقوق الإنسان داخل المجلس وعزلهم عن المجتمع.
وأخيرا: أكدت المناقشات على أن فرص نجاح المجلس ترتهن كذلك بالاستفادة من خبرات وتجارب إنشاء المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان في بلدان أخرى وبخاصة التجربة المغربية التي واجهت ذات التحديات، وأوضحت بعض الآراء الحاجة إلى التعلم والتفاعل مع فرص التطور المتدرج من دون تقديم أية تنازلات مبدئية. وأن الاشتباك البناء يتطلب الجمع بين المناورة الميدانية والتمسك بالمواقف المبدئي
Share this Post