بعث مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في 14 يونيو 2021، برسالة للرئيس الأمريكي جو بايدن، يطلب فيها مناقشة مسألة ضلوع روسيا في الصراع الدائر في ليبيا خلال الاجتماع المقرر بين الرئيس الأمريكي ونظيره الروسي في جينيف في 16 يونيو الجاري.
في الرسالة، طالب المركز الرئيس الأمريكي بالامتثال للأولويات الأمريكية المعلنة بشأن ليبيا «الوحدة والشفافية وانتخابات حرة ونزيهة». ومن ثم الضغط على روسيا لوقف حشدها العسكري في ليبيا، وسحب الجنود المرتزقة، ودعم إصلاح القطاع الأمني. كما أكدت الرسالة على ضرورة إدانة الولايات المتحدة للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ترتكبها مجموعة فاغنر الروسية في ليبيا، ومطالبة روسيا بالتعاون في تحديد الجناة وتقديمهم للمساءلة.
تأتي هذه الرسالة بينما تستعد ليبيا لإجراء الانتخابات في ديسمبر القادم، وقد يؤدي إفلات الجماعات المسلحة من العقاب وترسيخ القوات الأجنبية في ليبيا بما في ذلك القوات الروسية، إلى منع إجراء هذه الانتخابات، أو قد يؤدي لمزيد من الصراع أو تقسيم أكثر للبلاد، حسب نص الرسالة.
على الولايات المتحدة إعادة التأكيد على التزامها بالسلام المستدام وسيادة القانون في ليبيا
الرئيس الأمريكي جوزيف روبينيت بايدن الأبن
رئيس الولايات المتحدة الأمريكية
نكتب إليكم هذه الرسالة لنحثّكم على مناقشة مسألة ضلوع روسيا في الصراع الدائر في ليبيا، وذلك خلال اجتماعكم مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في جنيف في 16 يونيو الجاري.
خلال العام الماضي، وخاصة منذ تنصيبكم في يناير 2021، بدا أنّ الولايات المتحدة تضطلع بدور أكثر نشاطًا في ليبيا، وقد برز هذا الدور بدرجة أكبر منذ تشكيل الحكومة الانتقالية في مارس الماضي. إذ حدّدت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد الأولويات الأميركية في ليبيا بأنّها؛ “الوحدة والشفافية والانتخابات الحرة والنزيهة.” ونحن نكتب إليكم اليوم مشاطرًة لهذه الأهداف.
لا يزال تفشي إفلات الجماعات المسلحة التابعة للدولة من العقاب وتخندق القوّات الأجنبية لا سيما القوات الروسية، حجر عثرة في طريق الوحدة والشفافية وإجراء انتخابات ليبية حرّة ونزيهة في ديسمبر 2021. ومن ثم، فإن بناء قطاع أمن وطني مسئول وسحب القوات الأجنبية أمران حاسمان للتقدمّ إزاء السلام المستدام والدفع بعملية الانتقال الديمقراطي.
فبعد مرور أكثر من 7 أشهر على وقف إطلاق النار، لا تزال الحالة الأمنية في ليبيا هشّة، ولم تُتخذ أي خطوات عملية بشأن إصلاح قطاع الأمن، باستثناء تدابير محدودة لبناء الثقة. وذلك رغم إدراج بند خاص في اتفاق وقف إطلاق النار بشأن تفكيك الجماعات المسلحة وإعادة إدماجها. فطالما بقيت الجهات العسكرية الأجنبية محتفظة بنفوذ كبير، تبقى مساعي الجهات الليبية الفاعلة في معالجة القضايا الهيكلية بلا جدوى.
وكما ذكرنا في التوصيات السابقة المرفوعة لإدارتكم بشأن حماية المصالح الأمنية والاقتصادية للولايات المتحدة، يجب على الولايات المتحدة الضغط على روسيا لوقف حشدها العسكري في ليبيا، وسحب الجنود المرتزقة، ودعم إصلاح القطاع الأمني. كما ينبغي على الولايات المتحدة إدانة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ترتكبها مجموعة فاغنر في ليبيا، ومطالبة روسيا بالتعاون في تحديد الجناة وتقديمهم للمساءلة.
لقد بات من المستحيل تجاهل الأعمال العدوانية لروسيا في ليبيا بمساعدة مصر. إذ تشير التقديرات إلى تبعية ما لا يقل عن 2000 عميل و2000 مقاتل سوري مجنّد لمجموعة فاغنر الروسية شبه العسكرية- المدعومة على الأرجح من الإمارات العربية المتحدة. سعت روسيا لتعزيز نفوذها الجيو-سياسي ومصالحها الاقتصادية من خلال الشركات شبه العسكرية التي تعمل كجيوش ظل. وضمن التواجد العسكري لمجموعة فاغنر حول حقول النفط الرئيسية والقواعد الجوية أن يكون لروسيا رأي وتأثير واضح في التطورات السياسية. إذ يقوض هذا التواجد من سيادة القانون الدولي ويضعف الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي. هذا بالإضافة إلى حملات التضليل وطباعة الأوراق النقدية المزورة، التي اضطلعت بها روسيا تعزيزًا لنفوذها في ليبيا.
وبحسب الأخبار المتداولة، تورّطت مجموعة فاغنر الروسية أيضًا بشكل كبير في أنشطة غير مشروعة ومزعزعة للاستقرار في عدد من البلدان. وثمة شبهات قوية بارتكابها انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في ليبيا وغيرها من البلدان. في الوقت نفسه، عرقلت روسيا معاقبة مرتكبي هذه الانتهاكات، ودعمت، مثل مصر، إعادة إنشاء شبكات نظام القذافي.
تعدّ روسيا لاعبًا مؤثرًا وانتهازيًا في ليبيا، كما اتضح منذ تشككها في نجاح هجوم أبريل 2019. وتعتبر موسكو تركيا “شريكًا وثيقا للغاية” بناء على المصالح الاقتصادية والسياسية المشتركة. وكما هو الحال بالنسبة لتركيا ومصر، لا تسعى روسيا إلى نزاع مسلح طويل ومكلف في ليبيا. هذه المصالح الروسية يمكن أن تمهّد الطريق لسحب قواتها والقوات والأجنبية الأخرى من ليبيا. إذ أن إن المشاكل الهيكلية في ليبيا، بما في ذلك انتشار الجماعات المسلحة والنشاط الإجرامي والمؤسسات المتشرذمة، لا تشجّع الأعمال التجارية. وبالتّالي، فدعم إعادة بناء المؤسسات الليبية وإصلاح قطاع الأمن بشكل هادف يمكن أن يعود بالنفع على المواطنين الروس والليبيين على حد سواء.
بالتوازي مع ذلك، يجب أن تستمر الولايات المتحدة في شجب النشاط الروسي في ليبيا، من خلال القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا، والتأثير على العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية مع الإمارات، وإجبارها على وقف دعم المقاتلين الروس والجنود المرتزقة الآخرين في ليبيا.
لقد أكد الصراع المتطور في ليبيا على تآكل سيادة القانون الدولي. وسمح انتشار مجموعات المرتزقة الأجنبية عالميًا بالحفاظ على إنكار تدخل الجيوش النظامية في النزاعات، وتسيير العمل العسكري بأقل قدر من المخاطر والتكاليف. هذا التطور المزعج تفاقم أثره بسبب عدم الالتزام بالسلام وغياب المساءلة، مما أسفر عن تداعيات خطيرة على المصالح الأمنية الأمريكية والاستقرار في المنطقة وخارجها.
السيد الرئيس، نطلب من الولايات المتحدة دعم المعايير الدولية وسيادة القانون في ليبيا كأولوية خلال التعامل مع روسيا، وذلك من أجل ضمان إجراء الانتخابات الليبية في ديسمبر 2021، وتجنب أن تؤدي هذه الانتخابات لمزيد من الصراع أو تقسيم أكثر حدّة للبلاد.
نشكر اهتمامكم،
لكم منا كامل الاحترام والتقدير.
Share this Post