في مارس وأبريل 2014؛ أصدرت محكمة جنايات المنيا قرارًا بإحالة أوراق 529 متهمًا للمفتي لاستطلاع رأيه الشرعي؛ تمهيدًا لإصدار حكم بإعدامهم. وقد تكرر الأمر نفسه في قضية أحداث مركز العدوة؛ بحق 683 متهمًا. هذان القراران كانا بمثابة نقطة البداية لسلسلة مستمرة من قرارات الإعدام الجماعي الصادرة عن محاكم مصرية؛ مدنية وعسكرية ودوائر إرهاب، على مدى 7 أعوام. ومن المؤسف أن العديد من هذه الأحكام قد وقع تنفيذه بعد استيفائه مراحل التقاضي، الأمر الذي دفع بمصر إلى المرتبة الثالثة عالميًا في إصدار أحكام الإعدام وتنفيذها.
ففي خلال النصف الأول من العام الجاري، نفذت السلطات المصرية أحكام إعدام بحق 80 شخصًا، بينهم 17 شخصًا في قضية واحدة، سياسية الطابع، تعود أحداثها لعام 2013، و63 شخصًا في 25 قضية جنائية أخرى. وفي العام الماضي 2020، رصدت منظمات حقوقية تنفيذ السلطات المصرية أحكام إعدام بحق 48 شخصًا على الأقل في 13 قضية، بين يناير وسبتمبر 2020. وفي شهر أكتوبر الماضي وحده، نفذت السلطات المصرية أحكام إعدام بحق ما لا يقل عن 57 رجلًا وامرأة، وهو ما يقارب ضعف عدد الأشخاص المسجل إعدامهم خلال عام 2019.وبحسب منظمة العفو الدولية، ربما يكون هذا العدد أقل من العدد الفعلي؛ إذ أن السلطات المصرية لا تنشر إحصاءات عن عمليات الإعدام؛ ولا تبلغ العائلات أو المحامين قبل تنفيذ الإعدام.
في الوقت نفسه، ينتظر آخرون تنفيذ أحكام الإعدام بحقهم بعد تأييد محكمة النقض واستنفاد كافة درجات التقاضي. فقبل أشهر قليلة أيدت المحكمة حكم الإعدام بحق 12 شخصًا في القضية رقم 2985 لسنة 2015 كلي شرق القاهرة، والمعروفة إعلامـيًا بـأحداث فض اعتصام رابعة العدوية، والتي ترجع أحداثها للفض الدامي لاعتصام رابعة العدوية في أغسطس 2013.
صدرت معظم هذه الأحكام استنادًا إلى تحريات الأمن الوطني والاستخبارات، ولم تختلف المحاكمة الجنائية ودوائر الإرهاب عن المحاكم العسكرية من حيث توسعها في إصدار أحكام الإعدام الجماعية في محاكمات افتقرت للحدود الدنيا من ضمانات المحاكمات العادلة. إذ توسعت المحاكم العسكرية بدورها في إصدار وتنفيذ أحكام الإعدام بحق المدنيين، خلال الفترة من 2014 وحتى الآن. فمنذ 2015 وحتى منتصف 2020 نُفذت أحكامًا بالإعدام بحق 43 متهمًا أدانتهم المحكمة العسكرية بارتكاب أعمال إرهابية. وبحسب تقرير حقوقي مشترك تناول بالرصد والتحليل 8 قضايا عسكرية نُفذ فيها أحكام الإعدام؛ شابت تلك المحاكمات العديد من الخروقات القانونية، وتعرض المتهمون فيها لانتهاكات قبل وأثناء المحاكمة، من أبرزها؛ انتهاك الحق في المحاكمة أمام محكمة محايدة ومستقلة، وذلك من خلال التعدي على اختصاص المحاكم بنظر هذه القضايا، والإخلال بحقوق الدفاع وحق المتهم في الاستعانة بمحام. كما تجاهلت المحاكم العسكرية طلبات الدفاع، وانتهكت الحق في استبعاد الأدلة المنتزعة تحت وطأة التعذيب والإخفاء القسري.
لقد أحكمت الحكومة المصرية سيطرتها على النظام القضائي من خلال تعديلات على القوانين السارية، فضلًا عن إصدار قوانين جديدة؛ الأمر الذي أدي لوجود أكثر من 80 مادة قانونية تعاقب بالإعدام، يسمح بعضها بإصدار أحكام جماعية بالإعدام، فضلًا عن التعريف الغامض والفضفاض للإرهاب، والنص على أن الانضمام لجماعة إرهابية في حد ذاته جريمة تصل عقوبتها للإعدام دونما يرتكب الشخص جريمة قتل أو يمارس عنف.
في نوفمبر 2019، وأثناء جلسة الاستعراض الدوري الشامل للملف الحقوقي المصري أمام الأمم المتحدة، تلقت مصر 32 توصية من 29 دولة (في مقابل 5 توصيات في 2014) تتعلق بالوقف الاختياري لعقوبة الإعدام بهدف إلغائها، ووقف تنفيذ كافة عمليات الإعدام وتخفيف أحكام الإعدام، والانضمام للبروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بشأن إلغاء عقوبة الإعدام. ومنذ مطلع العام 2018 تواترت، دون استجابة، توصيات وقرارات الأمم المتحدة والبرلمان الأوربي التي طالبت الحكومة المصرية بوقف تنفيذ أحكام الإعدام.
جدير بالذكر أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي سبق وأدلى بتصريحات داعمة لإصدار أحكام الإعدام في أكثر من مناسبة؛ ففي جنازة النائب العام السابق هشام بركات، يونيه 2015 وجه الرئيس كلمته للقضاة بوجوب تنفيذ أحكام الإعدام على وجه السرعة. وخلال القمة الأوروبية العربية الأولى في 2019، دافع الرئيس عن تنفيذ عقوبة الإعدام بحق 15 شخصًا خلال شهر واحد، بأن الإعدام جزء من ثقافة وقيم المنطقة العربية!
Share this Post