في الخامس من مايو الماضي توصلت حكومة الخرطوم مع الفصيل الأكبر من حركة تحرير السودان إلى اتفاق سلام لوقف النزاع في دارفور. اختلفت الرؤى حول هذا الاتفاق، ومدى قدرته على إحقاق السلام والعدالة إلى أهالي دارفور. الاتفاق جاء في أجواء اتسمت بممارسة ضغوط على الحكومة والمعارضة المسلحة للتوصل إليه، رغبةً من المجتمع الدولي في وقف نزيف الحرب وتداعياتها الإنسانية في الإقليم. التوصل إلى هذا الاتفاق لم ينهي حالة التوتر في دارفور، بل واجه معارضة من جانب أهالي دارفور، والمعارضة السياسية في السودان، باعتباره اتفاق هش غير قادر على حل جذور الصراع في الإقليم، ويتسم بالغموض والضعف في آليات مراقبة تنفيذه، كما أن الوضع الإنساني في الإقليم لازال متردياً من حيث تواصل الاعتداءات من حين لآخر على المدنيين من جانب الميليشيات المسلحة المدعومة من الحكومة، وبقاء أكثر من مليون ونصف سوداني في وضع اللجوء أو النزوح الداخلي، وفي أوضاع إنسانية مقلقة للغاية وبالغة السوء.
ثم جاء قرار مجلس الأمن رقم 1706 الذي يقضي بنشر قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في دارفور بعد موافقة الحكومة السودانية، ليفتح بابًا واسعًا للنقاش حول دوافع إصدار القرار، وموقف الحكومة الرافض بشدة لتنفيذ القرار. هل جاء القرار – الذي حظي بتأييد واسع من المجتمع الدولي – لتهديد سيادة السودان أم لإنهاء الكارثة الإنسانية المتفاقمة في دارفور؟ ما مصلحة الحكومة السودانية في رفض تنفيذ القرار؟ ما هو دور جامعة الدول العربية والحكومات العربية في حل الأزمة؟ وما هي البدائل المتاحة لإنهاء الكارثة الإنسانية في دارفور وأخيرًا: ما موقف أهالي دارفور من نشر القوات الأممية؟ في هذا السياق، وبمناسبة الاحتفال باليوم العالمي لدارفور، عقد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ندوته حول: “أزمة حقوق الإنسان في إقليم دارفور وتداعيات قرار مجلس الأمن 1706”.
وقد شارك في فعاليات الندوة كل من أحمد ضحية الباحث السوداني وأحد أبناء إقليم دارفور، الدكتورة إجلال رأفت أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، الدكتور جمال عبد الجواد الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، وقد أدار الندوة معتز الفجيري مدير البرامج بمركز القاهرة.
بدأ الحديث الباحث أحمد ضحية، حيث قال إن الحكومة السودانية تتخذ من عدم وضوح الصلاحيات الموكلة إلى القوات الدولية التي ترغب الأمم المتحدة في نشرها في دارفور، بموجب القرار 1706 تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، حجة في تبرير رفضها للقرار.
وأضاف أن الحكومة الآن تتعامل مع خيارات سيئة، وأفضل هذه الخيارات أن تقبل تنفيذ القرار 1706، ونشر القوات الدولية في دارفور. مؤكدًا في ذات الوقت أن هذا هو الحل الوحيد المتاح للحفاظ على حق الحياة لأبناء دارفور، الذي هو أهم بكل المقاييس من الحق في السيادة الوطنية، وأن هذا لا يعني الترحيب بالقوات الدولية، لكن هذه هي الوسيلة المتعارف عليها في حل الأزمات في جميع أنحاء العالم. وأضاف أن الأزمة ستغدو أسوأ إن تم تبني خيار المواجهة العسكرية مع القوات الدولية.
وأشار إلى أن النظام السوداني يحاول محاكاة أسلوب إيران في التعامل مع المجتمع الدولي، متغافلاً عن أنه لا يملك في واقع الأمر أية ورقة ضغط تسمح لها بالمناورات مع المجتمع الدولي.
ثم قامت الدكتورة إجلال رأفت بتحليل مواقف القوى السياسية المختلفة داخل السودان، من قرار مجلس الأمن، مشيرة إلى أن المواقف تختلف ما بين الرفض والقبول بالإضافة إلى الموقف الوسطي الذي يتخذه البعض محاولين التوفيق بين الرافضون والمرحبون.
وأضافت أن حزب المؤتمر الحاكم فقط من الحكومة هو الذي يرفض تنفيذ القرار، في حين يرحب سلفا كير رئيس حكومة الجنوب ونائب الرئيس بالقرار ويوافق عليه.
وفي إشارة خطيرة لتفسير دوافع الحكومة السودانية في رفضها للقرار، قالت إجلال أن قائمة الـ 51 متهمًا بارتكاب جرائم حرب، والتي تتردد أقاويل عن أنها تضم عدد من أعضاء الحكومة السودانية، ربما تكون هي السبب الحقيقي من الخوف من نشر القوات الدولية تحت البند السابع المسموح لأفرادها باستخدام القوة، والتي قد تتلقى الأوامر بإلقاء القبض على عدد من هؤلاء؛ لتسليمهم للمحكمة الجنائية الدولية.
كما أشارت إجلال إلى أن خليل إبراهيم رئيس العدل والمساواة، لا يوافق على دخول القوات الدولية لأنه يرى أن سيكون من دور هذه القوات العمل على تنفيذ اتفاقية أبوجا التي لا توافق عليها العدل والمساواة. كما تعود أسباب رفض القبائل العربية في دارفور للتدخل الدولي لأسباب اجتماعية ثقافية؛ لأنها تعتقد أن دخول القوات سيكون في صالح القبائل الإفريقية على حساب القبائل العربية.
وأضافت أن رئيس جيش حركة تحرير السودان لا يرفض القرار، وإنما له ملاحظات أرسلها للأمين العام للأمم المتحدة، فحواها أن الأمم المتحدة تتعامل مع أزمة دارفور على أنها مشكلة أمنية في حين أنها مشكلة سياسية بالأساس. كما أن لديه اعتراض على نزع السلاح من جيش تحرير السودان، حيث يرفض معاملته مثل ميليشيات الجنجاويد الذين ارتكبوا جرائم حرب في دارفور. وعلى صعيد آخر صرَّح ميناوي مساعد الرئيس بأنه يوافق على القرار، معتبرًا أن صدوره يعد بمثابة نجاح لشعب دارفور في نضاله.
ورصدت إجلال تغيّر في موقف الحكومة المصرية من الأزمة، حيث كانت في البداية تتبنى دومًا مواقف الحكومة السودانية، بينما ترى أنه كان ينبغي لمصر أن تتخذ موقفًا إقليميًّا خاص بها، كأن تلعب دور الوساطة بين الحكومة السودانية والمجتمع الدولي؛ كي تنسق بشكل حكيم مع الحكومة السودانية لدخول القوات الدولية بلا صدام.
وأضافت أنه إذا كان البند السابع يعطي الحق للقوات الدولية لدخول البلد المعني دون الحصول على موافقته؛ فإن أسلوب المجتمع الدولي في معالجة الأزمة يعود لإدراكه لخطورة التدخل رغمًا عن الحكومة السودانية، التي تحشد الأفراد والجنود، بما يعني أن الصدام معها سيؤدي إلى مجازر دموية. بينما الحل هو في تنفيذ قرار مجلس الأمن حقنًا للدماء في دارفور.
ثم انتقل الحديث إلى الدكتور جمال عبد الجواد، الذي بدأ كلامه بالتأكيد على أن ما نشهده الآن في السودان هو لحظة دفع الفواتير المتأخرة؛ فالحكومة قد أخفقت في علاج مشكلات وملفات عديدة، ومنها مشكلة الأقليات، وما كان يمكن علاجه سابقًا بتكلفة قليلة أضحت تكلفته الآن عالية. كما أن طريقة وأسلوب حل مشكلة الجنوب، كان بمثابة رسالة تلقتها المعارضة في دارفور، مؤداها أنها لن تحصل على حقوقها المهدورة في السلطة والثروة إلا إذا حملت السلاح.
وإذا كان العنف في الماضي وسيلة لبناء الدولة، فإن الوضع حاليًا مختلف، فهناك مفاهيم جديدة أكثر إنسانية، لم تستطع الحكومة السودانية استيعابها وتطويرها آخذة في حسبانها ما يحدث في العالم من حولها، مما أدى إلى فشلها في بناءها للدولة.
وقد ألزمت الحكومة السودانية نفسها بخيارات يصعب التراجع عنها، بعد الحشد الكبير الذي قامت به للمجتمع السوداني واستنفارها له، مما ينذر بتكلفة عالية تنتظر أهل دارفور.
وأشار عبد الجواد إلى أن الحكومة لم تنجح في تنفيذ اتفاقية أبوجا، وليس لديها الموارد اللازمة لذلك، بالإضافة إلى سوء تفسيرها لبنود الاتفاقية. لكن لا تزال لديها فرصة للارتكاز على هذه الاتفاقية كمسألة قابلة للتحقيق، ووسيلة فعَّالة لتهدئة الأوضاع.
وبصدد الخطر الذي تردد أن مصر قد تتعرض له إن تم تنفيذ القرار 1706، أضاف إلى أن التطورات في السنوات الماضية تشير إلى أن الخطر على الدولة المصرية يأتي من الدول الفاشلة المجاورة لها، والتي قد تصدر لها هذا الفشل، وليس من التعاون مع المجتمع الدولي. وفي هذا السياق أكد على ضرورة إسقاط المخاوف الموروثة من الحقب الراديكالية السابقة من المجتمع الدولي، ووضعها في حجمها الصحيح.
Share this Post