أجمع حقوقيون وسياسيون علي أن ردود الأفعال المصرية إزاء تقرير البرلمان الأوروبي الصادر مؤخرا، والذي تضمن إدانة صريحة لأوضاع حقوق الإنسان في البلاد، كانت انفعالية وعصبية وخلت من العقلانية والموضوعية، فضلا عن أنها تجاهلت الرد علي ما تضمنه التقرير من حقائق بشأن أوضاع حقوق الإنسان في مصر.
جاء ذلك في ندوة نظمها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان يوم الثلاثاء 5 فبراير 2008، في إطار صالون بن رشد بمناسبة صدور قرار البرلمان الأوروبي وذلك تحت عنوان: “حقوق الإنسان بين التدخل الدولي والسيادة الوطنية”. أدارها بهي الدين حسن، مدير المركز، والذي تناول بداية ما تضمنه القرار الأوروبي من انتقادات تتعلق بأوضاع حرية الصحافة والإعلام في مصر، وإغلاق منظمتين لحقوق الإنسان هما: دار الخدمات النقابية والعمالية، وجمعية المساعدة القانونية لحقوق الإنسان. إضافة إلي انتقادات لممارسات التعذيب في السجون ومراكز الاحتجاز، والمطالبة بوضع حد لمثل هذه الممارسات.
وأضاف بهي إن التقرير تناول أيضا وضعية حرية المعتقد الديني في مصر وقضية حبس رئيس حزب الغد الدكتور/ أيمن نور، إلي جانب قانون المحاكمات العسكرية وفرض حالة الطوارىء، مطالبا الحكومة المصرية بأن يكون قانونها المرتقب لمكافحة الإرهاب متسقا مع المعايير الدولية، ومؤكدا علي أهمية تعزيز استقلال القضاء.
أشار بهي كذلك إلي أن الساعات السابقة لصدور القرار الأوروبي شهدت تطورات دراماتيكية من الجانب المصري، حيث تم استدعاء سفراء الاتحاد الأوروبي بالقاهرة، مؤكدا أن هذا التصرف المصري حمل مغزىً أساسياً بأن الحكومة المصرية تعتقد أن البرلمانات الأوروبية تدار بواسطة حكوماتها، كما هو الحال في المنطقة العربية. وأن رد الفعل المصري اعتبر أيضا أن القرار الأوروبي يمثل “تدخلا سافرا في شئون البلاد”، و”استعلاءً”، و”يمس السيادة الوطنية” و”أنه يعبر عن الجهل بوضعية حقوق الإنسان في مصر”!.
ولفت الانتباه في هذا السياق إلى أن الرد الرسمي المصري تجاهل أيضا مناقشة أي من المعلومات التي وردت بالقرار! كما جرت الإشارة إلى أن القرار صدر لخدمة إسرائيل، وأن الدافع لصدوره شخصية موالية لها بالبرلمان! كما تجاهل الرد الرسمي إبلاغ الرأي العام الداخلي بالتزامات مصر وفقا لاتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وما إذا كان هذا القرار له صلة بهذه الالتزامات أم لا ؟!.
وأشار إلى أن اتفاقية الشراكة تنص، في مادتها الثانية، على احترام مبادىء الديمقراطية وحقوق الإنسان والحوار السياسي بين الطرفين في كافة الموضوعات ذات الاهتمام المشترك، وخاصة السلام والديمقراطية والتنمية الإقليمية وقضايا حقوق الإنسان. موضحا أن الاتفاقيات التالية لإتفاقية الشراكة – وهي خطة العمل- تضمنت أولويات تتمثل في الالتزام بتعزيز وحماية حقوق الإنسان في كل المجالات، وتعزيز دور المجتمع المدني وإشراكه في العملية السياسية والديمقراطية، وإدارة حوار دائم حول قضايا حقوق الإنسان واستقلال القضاء، والأوضاع في السجون والتشريعات القائمة ومدى مطابقتها للمعايير الدولية.
وأضاف أيضا إلى أن التحفظات المصرية على طريقة التصويت داخل البرلمان الأوروبي على القرار الخاص بمصر في غير محلها، مشيرا إلى أن الكتل الرئيسة في البرلمان لم تبد اعتراضا علي القرار، ملاحظا أن ردود الأفعال المصرية تفاوتت بين مختلف الأطراف بين فريق رفض القرار ولم يعترف بتدهور حقوق الإنسان واعتبره تدخلا (الحكومة، البرلمان، المجلس القومي لحقوق الإنسان وحزبي المعارضة الوفد والتجمع)، وآخر رأى أن الانتقادات التي حملها ليست بجديدة، وثالث رأى أن الانتهاكات الواردة به حقيقية، وأن الاتفاقيات الثنائية تمنح المشروعية للقرار، ولكن مسئولية انتقادها تقع بالأساس على الأطراف المصرية، مثل القضاة الإصلاحيين ومنظمات حقوق الإنسان .
وأوضح بهي أن القرار الأوروبي جرى التداول حوله لعدة شهور، وكان ذلك بعلم ومتابعة – وتدخل أحيانا- من الخارجية المصرية، لافتا إلى أن البرلمان الأوروبي ليس سريا ولا يعقد اجتماعات سرية، وأن معلوماته متاحة لجميع المنظمات الحقوقية الدولية والمعنية، وقال إن التلميح بوجود دوافع إسرائيلية وراء القرار يعطي رسالة غير دقيقة، كما لفت إلى أن الهستيريا التي قوبل بها القرار الأوروبي لم تحدث إزاء قرار الكونجرس الأكثر أهمية لأنه يتضمن أيضا تعليق جزء من المعونة لمصر، وبالعكس مر هذا الأمر بهدوء مقارنة برد الفعل الهستيري على قرار البرلمان الأوربي.
تطور ملحوظ
اعترف حلمي أن مبدأ السيادة المطلقة ضد عدم التدخل الخارجي بدأ يذوب، مشيرا إلي أهمية أن تعي الحكومة المصرية هذا الأمر وأن تتعامل معه بشكل حضاري يتناسب مع المبادىء الأساسية للمجتمع الدولي، مرجعا تحفظات لديه على قرار البرلمان الأوروبي إلي توقيت صدور القرار بعد قرار الكونجرس الخاص باقتطاع جزء من المعونة الأمريكية السنوية لمصر، معتبرا أن الجانب الأمريكي يكيل بمكيالين في النظر إلي كل من مصر وإسرائيل حيث تنتهك الأخيرة حقوق الإنسان بشكل دائم دون أن تتعرض المعونات المقررة لها لأي مساس.
أضاف حلمي أن هناك أيضا ما يسمي بالخصوصية – حسب تعبيره – مدللا علي ذلك بالتعامل المصري مع قضية الأوراق الثبوتية ووضع خانة الديانة بها، محذرا من أن التمييز سواء علي أساس الدين أو الجنس من شأنه تقسيم المجتمع، لكن الدكتور حلمي رأى أن رد الفعل المصري علي القرار الأوروبي اتسم بالعصبية، وقال أنه لم تكن هناك سياسة عاقلة للتعامل معه، مرجعا ذلك إلي أن القرار مس ” أوتارا حساسة ” مثل قضية الطوارىء ووضع قانون جديد لمكافحة الإرهاب واستقلال القضاء وتساءل الدكتور حلمي: إذا كان رئيس مجلس الشعب الدكتور فتحي سرور يرى أن القرار استند إلى معلومات غير صحيحة، فلماذا لم يقدم هو – سرور – المعلومات الصحيحة؟! مشيرا إلي أن هناك قضايا تضر بسمعة مصر كموضوعات البهائية والتمييز.
حساسية تاريخية
اتفق منير مع القول بوجود تأثير كبير للعولمة والتقدم التكنولوجي في تحويل المواطن في أي دولة ليصبح “مواطن العالم”، حيث التضامن العالمي مع أي مواطن يتعرض لانتهاك ، بغض النظر عن جنسيته ولونه ودينه، مشيرا إلي ضرورة التفرقة بين التدخل الخارجي لأسباب وأهداف إنسانية و بين التدخل الذي يستغل الظروف الإنسانية كتكئة للضغط علي بعض الدول، لافتا إلي أن هناك دولا كثيرة أبرمت اتفاقيات فيما بينها تمنح بعضها البعض حق المتابعة المتبادلة لأوضاع حقوق الإنسان، موضحا أن اتفاقية الشراكة المصرية الأوروبية واتفاق برشلونة كانا من بين هذه الاتفاقيات.
وأبدي عبد النور تحفظه علي ما تضمنه القرار الأوروبي بشأن موضوع الأنفاق علي الحدود بين مصر وغزة فيما اعتبره “أمرا خارجا عن السياق تماما”، إضافة إلى توقيت صدوره في أعقاب قرار الكونجرس بتعليق جزء من المعونة لمصر، مستطردا: أن القرار الأوروبي صدر أيضا دون سابق إنذار لمصر. وقال عبد النور أن من تزعم صدور القرار هو شخص يهودي وكان من زعماء حركة الطلبة بفرنسا 1968، لكن عبد النور لفت إلى أن هذا هو القرار السادس للجانب الأوروبي بشأن مصر منذ عام 2001، مشيرا إلى أن ردود الأفعال المصرية في السابق اتسمت بالعقلانية والموضوعية وسعت إلي إدارة حوار برلماني مع الجانب الأوروبي، رغم أن القرارات السابقة تضمنت أيضا انتقادات قاسية لمصر في أوضاع المرآة والأقباط وأيمن نور.
أكد عبد النور أن رد الفعل المصري هذه المرة افتقد للحكمة والانفعالية والخلط ما بين دور الحكومات ودور البرلمانات ، إضافة إلي “الحساسية المفتعلة”، مؤكدا علي ضرورة إعمال العقل والحوار والاعتراف بوجود مشكلات فيما يتعلق بأوضاع حقوق الإنسان في مصر، معتبرا في النهاية أن قرار البرلمان الأوروبي هو إقرار لواقع موجود ويجب الانتباه إليه بدلا من الانفعال الزائد في مواجهته ، والرد عليه بموضوعية وأمانة مع النفس.
ردود أفعال متدنية
حقائق ثابتة
أكد أبوسعدة أن البيان الأوروبي تمت صياغته بلغة “مهذبة للغاية”، وتمت فيها مراعاة العلاقات بين الجانبين، وقال أن البيان بدأ بالتأكيد علي تعزيز السلام والاستقرار الديمقراطي في دول الجوار، مشيرا الى أن الخارجية المصرية لعبت دورا كبيرا في تخفيف لهجة البيان، مدللا علي ذلك بأن القرار لم يتضمن الإشارة لمحاكمات الإخوان، واعتبر أبو سعدة أن هذا الأمر يؤكد أن العلاقات السياسة بين الدول دائما ما تأتي علي حساب قضايا حقوق الإنسان، مشيرا إلي أن الحديث عن التعذيب في القرار جاء بشكل مهذب أيضا، كما طالب القراربــ “الإفراج الصحي” عن أيمن نور. ويتحفظ أبو سعدة على ربط عبد النور بين قرار البرلمان الأوربي والسيادة الوطنية، التي لا يرى التذرع بها إلا عند الحديث عن اتهامات حقوق الإنسان.
أكد أبو سعدة عدم وجود تآمر أوعداء من الإتحاد الأوروبي لمصر، معتبرا أن ما يحسب للنظام المصري هو حفاظه علي علاقات جيدة بالعالم الغربي، ورأي عدم صحة القول بتطور مبدأ التدخل بشأن قضايا حقوق الإنسان بعد انهيار الإتحاد السوفيتي، مشيرا إلي أن اتفاقيات ومعاهدات حقوق الإنسان، ومنذ اليوم الأول لها، تسمح بالتدخل الدولي في قضايا حقوق الإنسان، كما أن العهد الدولي يلزم الدول بتقديم شهادة دورية كل 4 سنوات عن التزاماتها بنصوصه، ويعطي الحق للدول الأخرى في النظر في هذه الشهادة وانتقادها.
وأشار إلي إن النقاط التي تناولها القرار الأوروبي صحيحة وأنها أقل من الحقائق الموجودة في الواقع المصري وأن هناك أحكام قضائية تثبت التعذيب، كما أن المعلومات الخاصة بالانتهاكات متوافرة بالصحف وفي كل مكان، مؤكدا أن التعامل مع القرار يجب أن يبدأ بالاعتراف بصحة ما ورد فيه، والإعلان عن خطة مصرية لمواجهة الانتهاكات وتوافر الإرادة لتحقيق هذه المواجهة بالفعل، مطالبا بـ “مشروع قومي” لتغيير وضعية حقوق الإنسان.
Share this Post