تحت هذا العنوان، عقد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، في 2-3 سبتمبر 2022، المنتدى الإقليمي الـ 26 لحركة حقوق الإنسان، في العاصمة البلجيكية بروكسل، بمشاركة 50 حقوقيًا وأكاديميًا، من٩ دول عربية (الجزائر ومصر ولبنان وليبيا والمغرب وفلسطين وسوريا والسودان وتونس) والولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا.
ناقشت أوراق المنتدى، الُمعدة خصيصًا له من خبراء أكاديميين وغير أكاديميين، الأوضاع في الجزائر والسودان وتونس على وجه التحديد، فضلاً عن تطرٌق النقاش والمداولات لدول أخرى بالمنطقة. بينما سلطت الجلسة الافتتاحية للمنتدى الضوء على أبرز الملامح الحالية للسياقين الدولي والإقليمي وانعكاساتهما على هذه البلدان.
بشكل خاص ركز المنتدى هذا العام على اشكاليات الثقافة السياسية السائدة في العالم العربي، ودورها في توفير دعم أدبي وسياسي لنظم وانقلابات تسلطية في عدة دول عربية. مسلطًا الضوء على مسئولية النخب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية عن مواجهة سلبيات هذه الثقافة.
في هذا الإطار، انخرط المشاركون في عملية تقييم متعمق لحركة حقوق الإنسان والمجتمع المدني والحركات الاجتماعية والسياسية خلال موجتي الربيع العربي، لتبين مواطن الإخفاق والتعثر في أداء دورها، والتحديات الداخلية التي عرقلت وفائها بمسئولياتها، بصرف النظر عن أن الأنظمة الاستبدادية في المنطقة تتحمل المسئولية الرئيسية عن فشل التحول الديموقراطي.
كشفت إخفاقات وانتكاسات الموجتين الأولى والثانية من الربيع العربي عن جسامة التحديات التي تواجه حقوق الإنسان والديمقراطية في المنطقة، وسلطت أحداث العقد الماضي الضوء على حاجة حركة حقوق الإنسان بالمنطقة إلى مزيد من التعمق في عملها الداخلي، والتعلم من أخطاء الماضي، وتطوير مسار مستقبلي جديد، يؤهلها للاستفادة من فرص الانفتاح الديمقراطي المحتملة والبناء عليها.
وفيما يلي أبرز ما خلصت إليه مناقشات المنتدى:
أولًا: أدى تدني مكانة قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان لدي تيارات المعارضة السياسية الرئيسية بالمنطقة – بما في ذلك الإسلاميين والليبراليين واليساريين والقوميين العرب– واستعدادهم للتضحية بهذه القيم لحساب اعتبارات إيديولوجية وسياسية أخرى، دورًا حيويًا في مساعدة النظم التسلطية في عدد من الدول العربية على احتواء وقمع موجتي الربيع العربي، واستعادة زمام الأمور. لم يقتصر ذلك على الحركات السياسية فحسب، بل امتد بدوره لبعض منظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية، كتلك التي قدمت دعمًا أخلاقيًا وسياسيًا لمجرم حرب مثل بشار الأسد المسئول عن استخدام الأسلحة الكيماوية ضد الشعب السوري، وتعذيب وقتل واخفاء مئات الألاف وتشريد ملايين. أو تلك التي تسبب موقفها الإيديولوجي الذي لا يستند لاعتبارات حقوقية، من جماعات الإسلام السياسي و/ أو من الغرب إلى تقديم دعم أدبي وسياسي لنظم وانقلابات تسلطية في عدد من الدول العربية، وتوفير غطاء لانتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان فيها.
ثانيا: هذه التنحية للأولوية الحاسمة لقيم ومبادئ حقوق الإنسان في نشاط وتوجهات بعض منظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية لصالح اعتبارات ايديولوجية و/أو حسابات سياسية، تستوجب من المنظمات الحقوقية بالمنطقة – وخاصة المعني منها بالتدريب على حقوق الإنسان وتعليم مبادئها ونشر ثقافتها – الانخراط في مراجعة جادة لمناهج عملها وبرامجها التدريبية، وإيلاء عناية خاصة لبرامج التدريب التي تشتبك بشكل ملموس وخلاق مع سلبيات الثقافة السياسية والدينية السائدة في المنطقة. فمواصلة برامج التلقين لمبادئ لحقوق الانسان والتدريب التقني الصرف عليها بمعزل عن التحدياتالتي يشكلها السياق السياسي والثقافي الملموس في المنطقة هو اهدار لموارد بشرية ومادية ثمينة وللأهداف المتوخاة من تعليم حقوق الانسان.
ثالثًا: رغم تأثر فرص التحول الديمقراطي الهشة في سياق الربيع العربي بعوامل ومتغيرات تنفرد بها كل حالة، فإن عدد من الدول واجهت تحديات وانتكاسات متشابهة، نذكر منها؛
- في بعض الدول العربية، بالغت حركات الاحتجاج السياسي والاجتماعي في تقدير حجم قوتها مقابل التقليل من قوة الخصوم (الدولة العميقة، و/أو المؤسسة العسكرية، و/أو حركة المعارضة السياسة للتحول الديموقراطي).
- عجزت غالبية حركات الاحتجاج السياسي والاجتماعي في عدد من الدول العربية عن تطوير هيكل سياسي منظم له قيادة وبرنامج سياسي معلن، قادر على التنسيق مع أحزاب المعارضة القريبة في أهدافها، أو فتح حوار جاد مع العناصر الإصلاحية في النظام الحاكم، الأمر الذي ساهم في تحجيم واضعاف الكتلة المعنية بالتغيير وفي انتكاسات لأفق التحول الديمقراطي في هذه الدول.
- في حالات أخرى، عجزت المعارضة السياسية عن تحويل شعاراتها ومطالبها السياسية والاجتماعية المشروعة إلى برامج سياسية مدروسة وقابلة للتنفيذ بشكل مقنع لعامة الشعب والنخب السياسية والمهنية المتخصصة
- افتقرت حركات الاحتجاج السياسي والاجتماعي في بعض الدول العربية للخيال السياسي، مما أدى إلى افتقارها القدرة على توقع ردود الفعل السياسية والأمنية المحتملة في لحظات انعطاف حرجة وحاسمة.
- أدي الإصرار المتزمت، من أطراف في حركة حقوق الإنسان في بعض الدول العربية، على اختزال مهمتها في جوانب تقنية وفنية حصرًا، إلى تخليها عن مسئوليتها السياسية في الدفع بقضايا حقوق الإنسان إلى الصدارة، في سياق الحوارات والمفاوضات بين الأطراف السياسية الرئيسية.
رابعًا: من الضروري أن تنخرط الهيئات الإدارية لمنظمات حقوق الإنسان في مراجعة دورية للقرارات والتوجهات الكبرى التي تصدرها، للتأكد من أن اعتبارات حقوق الإنسان هي العامل الحاسم الكامن خلف كل قراراتها وتوجهاتها، وليس أي مبررات أخري سياسية أو أيديولوجية أو اجتماعية أو ثقافية أو دينية.
خامسًا: يعتبر الربيع العربي محطة تاريخية في تطور الكفاح من أجل الحداثة والديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم العربي، وقد أكدت تجارب بعض الدول خلاله الارتباط الشرطي بين الديموقراطية وبين حقوق الإنسان، إذ أن وجود أحدهما مرهون بالأخر. لذلك من الضروري أن تبادر منظمات حقوق الإنسان (بشكل فردي أو جماعي) في كل دولة عربية بعملية تقيّيم متعمقة لتوجهاتها الكبرى خلال موجتي الربيع العربي على مدار العقد الماضي. وتبحث كيف أثرت هذه التوجهات سلبًا وإيجابًا على تفاعلات مجتمعاتها وعلى تحركات النخب السياسية، وعلى أفق التحول الديمقراطي، وعلى تفاعلات حركة حقوق الإنسان العالمية، وعلى تطور المنظمة/المنظمات التي تباشر عملية التقييم.
Share this Post