يرحب مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ومنظمات ائتلاف المنصة الليبية بنتائج التصويت على قرار البرلمان الأوروبي بشأن ليبيا، والذي تم إقراره اليوم 23 نوفمبر 2022 في الجلسة العامة بأغلبية 454، واعتراض 130 وامتناع 54 نائب عن التصويت. القرار قدم صورة عامة مفصلة للوضع السياسي والعسكري والحقوقي والاقتصادي في ليبيا، متضمنًا مجموعة من التوصيات حول المعايير الواجب مراعاتها في سياق العلاقات الخارجية للاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء مع ليبيا، بما في ذلك بعض المعايير المتعلقة بحقوق الإنسان.
التوصيات التي أعد مسودتها الأولى النائب جيوليانو بيسابيا (Giuliano Pisapia) ثم تبنتها لجنة الشئون الخارجية بالبرلمان الأوروبي، جاءت بعد مناقشات ولقاءات متعمقة امتدت لأشهر، شارك في بعضها ممثلي المنظمات الحقوقية الليبية والإقليمية والدولية (بما في ذلك مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان)، واستندت في بعضها لتقارير منظمات المجتمع المدني. وإضافة لأهميتها في سياق سياسة الاتحاد الأوروبي إزاء ليبيا، إلا أن صدورها في هذا التوقيت جدد النقاش في البرلمان الأوروبي حول الوضع المتدهور في ليبيا، بعدما كان الاهتمام الأوروبي بالشأن الليبي قد تراجع بشكل ملحوظ في خضم الحرب على أوكرانيا وتصاعد الأزمة الاقتصادية في أوروبا، وأنصب فقط على قضايا المهاجرين وتمويل مشاريع الهجرة. لكنه تغافل في الوقت نفسه حقوق المهاجرين واللاجئين الإنسانية والانتهاكات والجرائم الخطيرة المرتكبة بحقهم من سلطات خفر السواحل الليبية أو في مراكز الاحتجاز، على نحو يهدد بإمكانية اتهام الاتحاد الأوروبي ودوله بالتواطؤ في هذه الجرائم.
وفي هذا السياق تطرقت توصيات البرلمان الأوروبي لأهمية تجديد ولاية بعثة تقصي الحقائق الأممية الحالية بشأن ليبيا، والمعنية بتوثيق الجرائم الخطيرة المرتكبة في ليبيا، والتي تصل حد جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، كضمانة للمحاسبة. إلا أنه وفي ضوء عدم إمكانية تجديد ولاية هذه البعثة بعد انتهائها في مارس 2023، يظل مطلب المنظمات الحقوقية بضرورة استحداث آلية أممية جديدة تضمن المحاسبة في ليبيا أمرًا ضروريًا على دول الاتحاد الأوروبي تبنيه لضمان عدم إفلات الجناة من العقاب. هذا بالإضافة لبعض المطالب الأخرى التي ما زالت قائمة، ولم تتطرق لها توصيات البرلمان الأوروبي.
فنحن إذ نقدر الإشارة لاعتبارات حقوق الإنسان، وخاصة حقوق المهاجرين، في النص النهائي لتوصيات القرار، كنا نتطلع بشكل خاص لمزيد من الضغط للحد من تغلغل المجموعات المتطرفة والإجرامية في أجهزة الدولة الأمنية والتنفيذية والقضائية الرسمية في ليبيا. فرغم أن القرار أشار لأهمية إصلاح قطاع الأمن في ليبيا، إلا أنه افتقر لتوصية واضحة ترهن الدعم المالي أو العسكري من الاتحاد الأوروبي للسلطات الليبية بإعادة هيكلة المؤسسات الأمنية، لا سيما في ظل ما تشكله العناصر المتطرفة والإجرامية داخل المؤسسات الأمنية من تهديد كبير لسلامة العملية الانتخابية المرتقبة وامتثال جميع الأطراف لنتائجها. كما لم تتطرق توصيات القرار بشكل واضح لضرورة ضمان محاسبة المجموعات المسلحة الثابت تورطها في انتهاكات جسيمة في أماكن الاحتجاز التي تخضع لسيطرتها الكاملة بمعزل عن أي رقابة. ولم يشر القرار أيضًا لأهمية الضغط على السلطات الليبية من أجل كبح أي ضغوط أو تدخل من المجموعات المسلحة والمتطرفة في عمل القضاء؛ وضمان سلامة المحامين والمدعين العموم والقضاة، ومقار المحاكم والنيابات.
ورغم أن القرار الأوروبي قد تطرق أيضًا لأهمية الإصلاح التشريعي بما يضمن حماية الحق في التنظيم وتكوين الجمعيات وحرية التعبير، إلا أن توصياته لم تتطرق بشكل واضح لضرورة إلغاء أو تعديل قوانين وقرارات محددة تمثل ضمانة أساسية لذلك. بما في ذلك المواد 178، و206 و207 من قانون العقوبات والمستخدمة بشكل أساسي في قمع النشطاء في الداخل والخارج والزج بهم في السجون. والمادة 177 من قانون الإجراءات الجنائية التي تشرعن لتمديد غير محدود للاحتجاز السابق للمحاكمة. والقانون المطعون عليه رقم 20 الصادر عن المؤتمر الوطني العام (GNC) عام 2016 ، والذي تم بموجبه تعديل المادة 291 من قانون العقوبات الليبي، ورفع عقوبة إهانة دين الدولة (الإسلام) من الحبس عامين إلى الإعدام للمرتدين أو غير المسلمين، والسجن 10 سنوات للمسلمين.
جدير بالذكر، أنه خلال جلسة المناقشة العامة للتوصيات مساء أمس الثلاثاء 22 نوفمبر،انتقد العديد من أعضاء البرلمان الأوروبي وكذلك المفوض الأوروبيأوليفر فارهيلي التدخل الأجنبي في ليبيا، مشددين على أهمية دعم المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة، ودعم عملية انتخابات حرة ونزيهة في البلاد. وأشار المقرر الخاص بالجلسة جيوليانو پيساپيا لضرورة أن يعمل الاتحاد الأوروبي على ضمان وقف السلطات الليبية لحملة القمع القاسي بحق المجتمع المدني الليبي، وتحسين الوضع المخزي في مراكز الاحتجاز. وبالمثل أدان العديد من أعضاء البرلمان الأوروبي الإفلات من العقاب عن الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها الجماعات المسلحة في ليبيا.
كما ندد العديد من أعضاء البرلمان الأوروبي خلال جلسة المناقشة بالاحتجاز التعسفي غير القانوني للمهاجرين، داعين الاتحاد الأوروبي والسلطات الليبية لحماية حقوقهم. كما شدد النائبان باري أندروز وبيترو بارتولو على أهمية عمليات البحث والإنقاذ في البحر الأبيض المتوسط، .ودعا أعضاء البرلمان من حزب الخضر الاتحاد الأوروبي إلى وقف التعاون والدعم لخفر السواحل الليبية، نظرًا لتورطهم في انتهاكات جسيمة وجريمة الاتجار بالبشر.
المنظمات الموقعة:
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
- ائتلاف المنصة الليبية
Share this Post