وقّع الاتحاد الأوروبي مؤخرًا واحدة من أكبر صفقاته، حتى الآن، مع نظام قمعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتعهد بتقديم 7.4 مليار يورو من الاتحاد الأوروبي للحكومة المصرية، مقررًا الانضمام للجهود الدولية الرامية لمنح الرئيس السيسي دفعة للحياة، على حساب التزاماته إزاء حقوق الإنسان واستقرار مصر على المدى الطويل. إذ لن يشجع هذا الدعم الاقتصادي والسياسي الرئيس السيسي إلا على المضي قدمًا في سياساته، والتي أدت لتدهور حالة حقوق الإنسان في البلاد، وإلى انهيار اقتصادي محتمل.
والآن ينبغي على دول الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي حشد الجهود لوضع شروط قوية تتعلق بضمان المساءلة وحقوق الإنسان والحوكمة ضمن أي دعم محتمل للميزانية المصرية، أو القروض الأوروبية الميسرة لمصر. كما يجب على الاتحاد الأوروبي ضمان التدقيق البرلماني واتخاذ قرار مشترك بشأن الدعم المالي لمصر، والضغط من أجل ضمانات قوية لحقوق الإنسان بشأن برامج التعاون في مجال الهجرة. وإذا لم يحدث ذلك، فإن أموال دافعي الضرائب في دول الاتحاد الأوروبي الممنوحة للسيسي، ستمكنه أكثر من انتهاك حقوق الإنسان وتحصنه من المساءلة، على نحو يثقل كاهل المواطنين المصريين المنهك بمدفوعات الفائدة، ويعرض الاستقرار المستدام للخطر، كما سيفشل في النهاية في تجنب الهجرة الجماعية.
ينص الإعلان المشترك بشأن الشراكة الاستراتيجية والشاملة بين مصر والاتحاد الأوروبي، والذي وقعته رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لين مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في 17 مارس الجاري، على أن: «تواصل مصر والاتحاد الأوروبي العمل على الوفاء بالتزاماتهما بتعزيز الديمقراطية والحريات الأساسية وحقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين وتكافؤ الفرص، على النحو المتفق عليه في أولويات الشراكة. ويقف الاتحاد الأوروبي على أهبة الاستعداد لمساعدة مصر في تنفيذ استراتيجيتها الوطنية لحقوق الإنسان بما يتماشى مع أحكام اتفاقية الشراكة وأولويات الشراكة 2021-2027». لكن السلطات المصرية بددت تمامًا أي أفق لإصلاح حقوق الإنسان بما في ذلك من خلال البرامج والمبادرات الذي سبق وأعلنت عنها الحكومة المصرية، مثل الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان والحوار الوطني وغيرهما، والتي لم تكن إلا بمثابة حملات دعائية كبرى وتحركات رسمية تهدف إلى تبييض سجل الحكومة، بينما تتدهور حالة حقوق الإنسان في الواقع وبشكل كبير.
فبين بداية الحوار الوطني في مايو 2023 ومارس 2024، أفرجت السلطات المصرية عن 796 سجينًا سياسيًا بينما اعتقلت في المقابل 2,374 آخرين[1]. وكان من بين المحتجزين مؤخرًا أعضاء في الحملة الرئاسية لأحمد الطنطاوي، الذي حاول منافسة الرئيس السيسي في الانتخابات الرئاسية التي جرت في ديسمبر 2023. إذ لم تمنع السلطات المصرية الطنطاوي من الترشح للانتخابات فحسب، بل حُكم عليه بالسجن لمدة عام عقابًا على ترشحه.
أدت سياسية الحكم المنفرد وغير المستدام التي تبناها السيسي إلى تأجيج الأزمات الاقتصادية المتكررة في مصر على مدى العقد الماضي، ليواجه المواطنون المصريون ارتفاع حاد في التضخم، بينما البلاد على شفا التخلف عن سداد الديون في عام 2023. ومع الإقرار بأثر الصدمات الخارجية على البلاد، لكن مشاكل مصر الهيكلية متجذرة داخليًا بسبب غياب المساءلة وأزمة حقوق الإنسان. كما أن السيطرة المطلقة التي للرئيس والجيش على المشاريع الضخمة الباهظة والمبهمة، والاقتراض المفرط، سمحت باستمرار الإثراء والسيطرة وكرست لبقاء النظام، بدلاً من الاستقرار والتنمية.
وطوال هذه الأزمة المستمرة، كرر السيسي تصريحاته أمام الجمهور المصري بأنه يعتزم الاستمرار في نفس المسار، مع خنق النقاش السياسي المفتوح وإسكات المعارضة السلمية بوحشية. ومؤخرا، أقر البرلمان المصري قانونًا يوسع اختصاص المحاكم العسكرية على المدنيين، ليشمل أي جرائم يعتبرها الرئيس تتعلق بـ «الأمن القومي»، بما في ذلك الجرائم الاقتصادية.
لذلك، يجب على الاتحاد الأوروبي أن يضع شروطًا قوية تضمن المساءلة والشفافية وحقوق الإنسان في سياق مساعدته المالية لمصر، وإلا فإنه سيسمح للسلطات المصرية بتعزيز عدم الاستقرار واستمرار الأزمة، وتجنب الإصلاح الحقيقي والجوهري، وبالتالي زيادة تدفقات اللاجئين والهجرة حيث يبحث الناس عن أماكن أخرى توفر لهم العيش الآمن والكريم. كما يجب على الدول الأعضاء والبرلمان الأوروبي المطالبة بإخضاع جميع المساعدات المالية المقدمة من الاتحاد الأوروبي إلى مصر لإجراءات الموافقة المنتظمة بقرار مشترك من المجلس والبرلمان الأوروبي، مع إجراء مناقشة وتدقيق جاد للشروط المختلفة للمساعدات.[2]
فرغم أن جزءً صغيرًا فقط من إجمالي المبلغ المقدم لمصر مخصص رسميًا للهجرة، إلا أن هذا الموضوع كان حاضرًا بقوة أثناء زيارة القادة الأوروبيين الـ 6 إلى القاهرة في 17 مارس. وفي هذا السياق، نؤكد على ضرورة أن تتضمن برامج التعاون الأوروبي مع مصر في مجال الهجرة ومراقبة الحدود آليات قوية للعناية الواجبة بحقوق الإنسان، لتجنب المساهمة في انتهاكات الحقوق، والمساعدة بشكل جاد في تلبية احتياجات الأعداد المتزايدة الفارة إلى مصر. كما يجب أن تضمن برامج التعاون الأوروبي عدم إمداد الكيانات المتورطة في العديد من انتهاكات حقوق الإنسان الموثقة والمسجلة، بأي أموال أو معدات أو أصول من الاتحاد الأوروبي، ولا سيما وزارتي الداخلية والدفاع.
لقد حان الوقت لاتخاذ إجراءات جادة من جانب البرلمان الأوروبي والدول الأعضاء، من أجل دفع قادة الاتحاد الأوروبي إلى التخلي عن تعزيز الاستبداد الذي يؤدي إلى نتائج عكسية، وتبديد المليارات وزيادة عبء الديون الذي يهدد مستقبل المواطنين المصريين. ومنع السيسي من مواصلة إثراء النظام وتعزيز بقاءه على حساب استقرار مصر وقدرتها على الصمود على المدى الطويل. الأمر الذي قد يجلب بعض الأمل للعديد من المصريين وغيرهم ممن يتطلعون إلى مستقبل أفضل. إذ لا بديل عن الاستفادة من دعم الاتحاد الأوروبي ومساعدته لاستعادة المساءلة والحقوق والديمقراطية والحكم الرشيد في مصر.
[1] بحسب أرقام وثقتها حملة «حتى آخر سجين» للمفوضية المصرية للحقوق والحريات
[2] اقترحت المفوضية الأوروبية تسريع الموافقة على مليار يورو من أصل 5 مليار يورو من المساعدات المالية الكلية المقترحة لمصر كإجراء عاجل (بموجب المادة 213 من معاهدة الاتحاد الأوروبي) والذي يتطلب موافقة مجلس الاتحاد الأوروبي فقط، وليس البرلمان الأوروبي. نظرًا لأن مصر تلقت مؤخرًا 57 مليار دولار أمريكي ضمن تعهدات مختلفة بالدعم المالي، فإن هذا غير مبرر.
Share this Post