يحتفل مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان هذا العام بمسيرة 30 عامًا من الدفاع عن حقوق الإنسان، في العالم العربي معتزًا برحلته التي انطلقت من القاهرة في 14أبريل 1994، مانحًا التكريم والتحية لمستشاره الأكاديمي وواضع لبنته الفكرية الأولى؛ المفكر الراحل محمد السيد سعيد، الغائب الحاضر بفكره وإرثه المعرفي في أنشطة المركز وفعالياته حتى اليوم.
وبهذه المناسبة، نظم المركز حفل استقبال بمدينة بروكسل (بلجيكا) في 13 أبريل الجاري، بالتوازي مع أعمال المنتدى الفكري السابع والعشرين للمركز، مستضيفًا مجموعة من أبرز المدافعين عن حقوق الإنسان من 10 بلدان عربية على الأقل، وعدد من الأكاديميين والخبراء الحقوقيين العرب وآخرين من دول أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. هذا بالإضافة إلى أعضاء هيئة تحرير دوريته المُحكَمة رواق عربي، وأعضاء مجلس إدارة المركز ومعهم رئيس مجلس الإدارة الحقوقي التونسي كمال جندوبي، ومدير المركز الحقوقي المصري بهي الدين حسن. وقد تبادل جندوبي وحسن كلمات الترحيب بالحضور والامتنان لمشاركتهم هذه المناسبة، واستعراضا تاريخ المركز ورحلته على مدى 3 عقود من العمل في منطقة تشتعل بالصراعات، ويجابه فيها العمل الحقوقي كثير من التضييق والتحديات.
بدأ كمال جندوبي كلمته بأن مركز القاهرة هو (فكرة) قائمة بالأساس على نشر ثقافة حقوق الإنسان. وقد تطورت ونمت الفكرة على مدى سنوات في شكل برامج تدريبية ومؤتمرات ومنتديات ومطبوعات، والتحمت عبر الزمن مع فكرة المناصرة والدفاع عن هذه الثقافة والقيم في المحافل الإقليمية والدولية. مضيفًا أن (30 سنة) هو عمر الشباب، وما زال أمام المركز رحلة يستأنفها و30 سنة أخرى من العمل وفق آليات وأدوات جديدة، وبقيادات حقوقية جديدة.
أما حسن فقد أهدى هذه الاحتفالية والمسيرة إلى الزملاء والزميلات العاملين في المركز، من 13 جنسية مختلفة، يقيمون في 10 دول حول العالم، ويديرون عملهم من خلال ٤ مكاتب في ٤ دول؛ مبديًا امتنانه وتقديره لعملهم النضالي. كما أعرب حسن على امتنانه لتمسك المركز على مدى 30 عام بقيمتين أساسيتين، صنعتا له مكانة خاصة تميز عمله الممتد هما؛ الإيمان العميق من اللحظة الأولى بأهمية التكامل بين العمل الحقوقي والأكاديمي. والذي انعكس منذ لحظة التـأسيس بالعمل المشترك بينه وبين الأكاديمي الدكتور محمد السيد سعيد، وما زال يتجلى في كل أنشطة المركز حتى اليوم، وفي إصداراته ودورياته، التي لا تخلو من بصمة أكاديمية وحضور أكاديمي واضح. أما القيمة الثانية فهي الإيمان الممتد من البداية بأهمية وجدوى العمل الجماعي والتكاملي مع المنظمات الحقوقية الأخرى، والتشاور الدائم معها، وتوسيع دائرة الشركاء والحلفاء والمؤثرين، وبناء الشبكات والتحالفات ومجموعات العمل، وهو ما اتبعه المركز وما زال يتبعه في عمله بشكل أكبر في مصر، ليبيا، اليمن، فلسطين.
مؤسسة فكرية تستهدف تشجيع الفكر الذي يأخذ على عاتقه الولوج إلى حضارة إنسانية جديدة أو حقبة جديدة تمامًا للحضارة الإنسانية، حيث يعود الإنسان لاحتلال موقعه المركزي في الحضارة، وتُحترم قيم المساواة والحرية والعدالة، وتؤمن بكرامة الإنسان عبر تكريس وحماية حرية الضمير والاعتقاد، وقدسية الجسد والعقل والوجدان، وعدم جواز تعذيب أي كائن حي أو حبسه تعسفيًا، وتعزيز حرية التعبير والتجمع والحق في الصحة والتعليم والغذاء والعمل، وحيث يتم التأكيد على أن الحقوق المدنية والسياسية تدعم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعكس.
وعن رحلة المركز من القاهرة إلى تونس و لـ 3 دول أوروبية (سويسرا وبلجيكا وفرنسا) قال جندوبي، إجبار المركز على العمل من الخارج لا يعني أن اهتمامه بالمنطقة قد تراجع، بل لهذا التواجد الجغرافي الأوروبي أثره الإيجابي على عمل المركز على المنطقة؛ وفق آليات وأدوات جديدة، كما يمنحه فرص جديدة للحوار والعمل والأنشطة، للنهوض بقضايا حقوق الإنسان في المنطقة التي هي محور عمله ورسالته.
حفل الاستقبال، لم يتزامن فقط مع ذكرى مرور 30 عامًا على انطلاق عمل المركز، وإنما تزامن أيضا مع مرور 25 عامًا على عقد أول منتدى إقليمي نظمه مركز القاهرة في أبريل 1999 في الدار البيضاء بالمغرب، وقد شارك فيه بعض أعضاء مجلس الإدارة الحالي، وافتتحه رئيس وزراء المغرب وقتها الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي، الذي وجه لروحه بهي الدين حسن التحية، وكذلك لروح "صديق ورفيق العمر" محمد السيد سعيد.
وتكريمًا لمحمد السيد سعيد، يعتز مركز القاهرة باطلاق مشروعه لجمع إرثه الفكري والصحفي وتحويله رقميًا وإتاحته على موقع المركز، اعتزازًا بهذه المسيرة النضالية الملهمة، وتقديرًا لدوره ليس فقط في تأسيس مركز القاهرة ولكن في الحركة الحقوقية في العالم العربي ككل.
معلومات خلفية عن المركز
على مدى ثلاثة عقود أثرى مركز القاهرة المكتبة الحقوقية بأكثر من 400 إصدار، و70 عدد مطبوع لمجلة رواق عربي البحثية، و17 مجلد إلكتروني، وما يقرب من 100 عدد من مجلة سواسية، فضلاً عن 12 تقرير سنوي حول رصد وتقييم حالة حقوق الإنسان في المنطقة، وعشرات التقارير الإلكترونية النوعية المتخصصة. كما عقد المركز 22 مدرسة صيفية لطلاب الجامعات لتعليم مبادئ حقوق الإنسان (حوالي ألف متدرب)، و10 دورات إقليمية متخصصة حول الآليات الدولية للدفاع عن حقوق الإنسان (أكثر من 200 متدرب)، و3 دورات للقيادات الشبابية الجديدة للمجتمع المدني، فضلاً عن عشرات الدورات النوعية والبرامج المتخصصة للمحاميين والصحفيين والمعلمين والفنانين والباحثين، ودورات أخرى معنية بحركة حقوق الإنسان في بلدان محددة مثل ليبيا، سوريا، العراق، والسودان.
هذا بالإضافة إلى الحلقات النقاشية التي ينظمها المركز على مدى سنوات من خلال صالون بن رشد، حول أبرز القضايا الحقوقية المحلية والإقليمية. فضلاً عن عشرات اللقاءات والمؤتمرات الدولية والمنتديات الإقليمية (27 منتدى) حول قضايا حقوقية مختلفة تهم المنطقة ككل. كما يواصل المركز تشجيع وتدريب المبادرات الحقوقية العربية الناشئة وتشكيل التحالفات والشبكات والائتلافات للعمل المشترك بينهم في عدة دول عربية. وبالتوازي يحرص المركز على التشبيك المستمر مع الآليات الإقليميةوالأممية والأوروبية المعنية بحقوق الإنسان، إذ يمتع مركز القاهرة بوضع استشاري خاص في المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالأمم المتحدة، وصفة المراقب في اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب. وحاصل على جائزة الجمهورية الفرنسية لحقوق الإنسان لعام 2007 وجائزة مارتن إينالز الممنوحة لمدير مكتبه بالقاهرة في 2017.
Share this Post