يندد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بتكثيف إسرائيل هجماتها على قطاع غزة، وتنفيذ عملية برية في رفح، ووقف إمدادات المساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها، مؤكدًا أن استمرار صمت حلفاء إسرائيل والدول العربية عن جرائم الحرب الإسرائيلية المستمرة يعد تواطئ على تلك الجرائم المرتكبة. ويدعو المركز بشكل عاجل لوقف فوري ودائم لإطلاق النار في غزة، ويذّكر حلفاء إسرائيل ودول الجوار بمسئوليتهم المشتركة، وتورطهم في جريمة الإبادة الجماعية التي تتكشف في غزة سواء بصمتهم، أو بمساعداتهم المالية لإسرائيل وإمدادها بالأسلحة.
تقول آمنة القلالي، مديرة البحوث في مركز القاهرة: «على المجتمع الدولي التدخل فورًا، ليس فقط للضغط من أجل وقف فوري ودائم لإطلاق النار، وإنما اضطلاعًا بمسئوليته عما أقرته محكمة العدل الدولية والعديد من الخبراء بشأن إمكانية توصيف الجرائم المرتكبة بغزه بالإبادة الجماعية. وعلى حلفاء إسرائيل، على أقل تقدير، التوقف فورًا عن تمويل جرائم الحرب الإسرائيلية، وحجب المساعدات المالية وإمدادات الأسلحة عن إسرائيل، وإلا فهم يخاطرون بمسئوليتهم عن جريمة الإبادة الجماعية بالتواطؤ».
رغم العديد من المقترحات والمفاوضات؛ لم تنجح محاولات التوصل لاتفاق بوقف إطلاق النار. فبعد ساعات من إعلان حماس في 7 مايو قبول شروط اتفاق وقف إطلاق النار، شنت إسرائيل هجومًا عسكريًا على رفح. وفي 6 مايو، وبعد أشهر من تحذيرات منظمات حقوق الإنسان والخبراء، بما في ذلك مركز القاهرة ، من العواقب الإنسانية الوخيمة لعملية برية في رفح، أرسلت إسرائيل تحذيرات للفلسطينيين في شرق رفح بضرورة «الإخلاء» والتحرك نحو منطقة إنسانية موسعة في (المواصي)، تمهيدًا للاجتياح البري. وفي اليوم نفسه، كثفت إسرائيل هجماتها على المنطقة، مما أسفر عن مقتل 23 شخصًا على الأقل، بينهم طفل.
وبين عشية وضحاها، سيطرت إسرائيل على معبر رفح الحدودي، وأوقفت دخول المساعدات الإنسانية من المعبر، دون طرح بديل. ذلك المعبر الحدودي (بين مصر وغزة) الذي كان منذ أكتوبر 2023، نقطة دخول حيوية وضرورية للمساعدات الإنسانية لغزة، ومنفذ الخروج الوحيد للفلسطينيين المرضى والجرحى. وقبل يومين من هذا الاجتياح، أوقفت إسرائيل أيضًا دخول المساعدات الإنسانية من معبر كرم أبو سالم (نقطة الدخول الرئيسية الأخرى) على الحدود بين غزة وإسرائيل ومصر.
تضم رفح، المنطقة الواقعة في أقصى جنوب غزة، ما يقرب من 1.5 مليون فلسطيني نازح، أجبروا على الفرار لها بعدما أعلنتها إسرائيل «منطقة آمنة»، وأمرت ما يقرب من 1.1 مليون فلسطيني في شمال غزة بالانتقال نحوها جنوبًا في غضون 24 ساعة. ثم هاجمت إسرائيل بعض المدنيين الذين استجابوا لنداء الإخلاء وهم ما زالوا على الطريق أثناء فرارهم. وبين 7 أكتوبر 2023 و6 مايو 2024، قتلت إسرائيل أكثر من 34,735 فلسطينيًا في غزة، منهم 14,500 طفل على الأقل و9,500 امرأة، وأصيب 78,108 فلسطينيًا.
تقول آمنة القلالي: «قُتل ما يقرب من 35,000 شخصًا بوحشية في 7 أشهر، في حين أن مليوني شخص معرضون لخطر المجاعة ورهن ظروف إنسانية مروعة. كم من الدماء تكفي حلفاء إسرائيل لإنهاء تواطؤهم السلبي؟».
لم تفشل إسرائيل فقط في منح الناس الوقت الكافي والطريق الآمن للمغادرة في 6 مايو، بل فشلت في توفير مكان آمن يذهبون إليه. فبينما صنفت إسرائيل منطقة المواصي كمنطقة آمنة، إلا أن الواقع يؤكد أنه لا يوجد مكان آمن في غزة. ولا تزال تتوالى التقارير حول القصف الإسرائيلي جوًا وبرًا وبحرًا على معظم أنحاء قطاع غزة، وسقوط المزيد من الضحايا بين صفوف المدنيين، ونزوح آخرين، وتدمير المنازل والبنية التحتية المدنية. فضلاً عن أن المواصي منطقة مكتظة بالفعل، تفتقر للبنية التحتية والظروف اللازمة لإيواء مئات الآلاف من الأشخاص الإضافيين.
سيؤدي الاجتياح البري لرفح إلى إراقة المزيد من الدماء على نحو مخيف ومروع، ولن يسفر فقط عن زيادة التهجير القسري للفلسطينيين، بل سيضاعف من تعطيل الوصول للمساعدات الإنسانية الحيوية والرعاية الصحية والاحتياجات الأساسية، الشحيحة.
في 24 أبريل، حذر برنامج الأغذية العالمي في مؤتمر صحفي من أن ثمة أدلة معقولة على أن معايير المجاعة الثلاث؛ انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية والوفيات، سيتم بلوغها وتجاوزها في الأسابيع الـ 6 المقبلة في غزة، إذ أن بعض الناس يموتون بالفعل من الجوع. ومن المتوقع بحلول يوليو 2024 أن يصل 1.1 مليون شخص إلى مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي في غزة. هذا بالإضافة إلى تنامي صعوبة الوصول للرعاية الصحية، علمًا بأنه حاليًا تعمل جزئيًا 7 مستشفيات فقط في جنوب غزة، ثلاثة منها في رفح، سيصبح الوصول إليها غير آمن. الأمر الذي سيضاعف الضغط على المستشفيات الأربعة الأخرى التي تعمل جزئيًا في خان يونس ودير البلح. هذه المستشفيات تتأثر بالفعل بشكل خطير بالظروف الأمنية والبنية التحتية والطرق المدمرة ومحدودية المعدات والأدوية المتاحة.
لقد وصلت الظروف الإنسانية في غزة بالفعل إلى أزمة غير مسبوقة، هذه الأزمة ستتفاقم بعد العملية البرية الحالية في رفح. فمنذ الهجمات الإسرائيلية المكثفة على رفح، فر الفلسطينيون لمناطق أخرى في جنوب ووسط غزة، بما في ذلك خان يونس ودير البلح. هذه المناطق مكتظة بالفعل وتعاني من محدودية وصول المساعدات الإنسانية والخدمات الأساسية.
تواصل مركز القاهرة مع 13 فلسطينيًا من سكان غزة متواجدين في هذه المناطق، بين أبريل ومايو 2024، وقد أكد بعضهم أنهم لم يتلقوا أي مساعدات إنسانية منذ ثلاثة أشهر، بينما أقر آخرون إنهم تلقوا فقط مساعدات غذائية أساسية بشكل متقطع. وجميعهم يعيشون في ملاجئ مكتظة، لا يتواجد بها مع مياه صالحة للشرب، فضلاً عن محدودية الوصول للغذاء. كما أكد جميعهم أنهم قضوا أياما يقتاتون بوجبة واحدة، وأن مصدر طعامهم الرئيسي هو الأطعمة المعلبة.
إن إغلاق حدود رفح وتدفق مئات الآلاف من الفلسطينيين النازحين قسرًا لن يؤدي سوى لتفاقم هذا الوضع المزري. وبحسب الأشخاص الذين تواصل معهم المركز؛ الأطعمة الطازجة ومياه الشرب متاحة للشراء، لكنها باهظة الثمن ولا يستطيع معظم الناس شرائها. ومع الاعتداء على رفح، وإغلاق الحدود أمام المساعدات، سيتفاقم هذا الوضع بشكل مؤكد، لا سيما بعدما يتزايد الطلب على هذه المنتجات الغذائية الشحيحة وتتضاعف أسعارها.
يتطلب الوضع في غزة التبني العاجل لوقف إطلاق نار فوري ودائم في غزة، والتوسع السريع في تقديم المساعدات الإنسانية لضمان تلبية الاحتياجات الأساسية للفلسطينيين في غزة. علمًا بأن الفشل في حماية الفلسطينيين في غزة من المزيد من العنف لا يقع على عاتق إسرائيل فحسب، بل يقع أيضًا على عاتق الدول التي تواصل تزويدها بالدعم السياسي أو المالي، الأمر الذي مكنها من تنفيذ هذه الانتهاكات التي تصل حد جريمة الإبادة الجماعية.
Share this Post