نظم مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان مساء أمس الثلاثاء 9 سبتمبر، بالتعاون مع مركز الخليج لدراسات حقوق الإنسان، اللجنة الوطنية لرصد الانتهاكات – الكويت(NCV)، والتحالف الدولي من أجل مشاركة المواطنين (CIVICUS)، جمعية الحقوق السياسية والمدنية (حسم)، وحملة تمكين المرأة السعودية من القيادة، ندوة حول حالة حقوق الإنسان في دول الخليج العربي بالتركيز على دولتي الكويت والمملكة العربية السعودية. اللقاء الذي جاء على هامش فعاليات الجلسة السابعة والعشرين لجلسات مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، والمنعقدة حاليًا في جنيف، حضره عدد من النشطاء الحقوقيين وعدد من ممثلي الاتحاد الأوروبي وأعضاء من وفود سويسرا وهولندا وكذا ممثلي مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالشرق الأوسط، فضلًا عن وسائل الإعلام.
شارك في الندوة كل من: خالد إبراهيم المدير المشارك لمركز الخليج لحقوق الإنسان، والحقوقية السعودية هالة الدوسري من حملة حق المرأة السعودية في القيادة، ونواف الهندال من اللجنة الوطنية لرصد الانتهاكات بالكويت. وأدار النقاش جيرمي سميث من مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان. جدير بالذكر أن الحقوقية مريم الخواجة كانت إحدى المتحدثات في هذا اللقاء، إلا أن السلطات البحرينية كانت قد اعتقلتها قبل أيام.
افتتح جيرمي سميث اللقاء بالإشارة لما يتعرض له المدافعون عن حقوق الإنسان في منطقة الخليج من عمليات تهديد وانتقام مستمرة، جراء عملهم وبسبب تعاونهم ومشاركتهم في فعاليات الأمم المتحدة، مقدمًا التحية للمشاركين، ومطالبًا الجميع بتوخي الحذر.
استهل خالد إبراهيم كلمته بالإشارة إلى ضعف تعاطي آليات الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان مع تدهور حالة الحقوق والحريات في دول الخليج، والانتقام المستمر من المدافعين عن حقوق الإنسان، معلنًا أنه سينوب عن المدافعة الحقوقية مريم الخواجة، والتي كان يُفترض أن تشارك في هذا اللقاء، لاستعراض حالة حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية، ولكنها رهن الاعتقال من قبل السلطات البحرينية.
استعرض إبراهيم خلال اللقاء أحدث تقارير مركز الخليج: “مفوضية حقوق الإنسان، مجلس حقوق الإنسان ودول الخليج: تحليل الإجراءات المتخذة منذ عام 2011“، والذي صدر تزامنًا مع هذا اللقاء. يقدم التقرير تحليلًا لأهم الإجراءات المتخذة من قبل الأمم المتحدة وآلياتها المختلفة منذ عام 2011 فيما يتعلق بالوضع في الإمارات العربية المتحدة، البحرين، الكويت، عمان، المملكة العربية السعودية وقطر. ويعتبر التقرير أن إجراءات قوية قد اتُخذت فيما يتعلق بالبحرين إلا أن غيرها من دول الخليج، خاصةً سلطنة عمان، وقطر، والكويت، لم تحصل على الكثير من الاهتمام كما يقتضيه الوضع الخطير لحقوق الإنسان في هذه البلدان، إذ يستعرض التقرير سجلًا بأهم الاتصالات بين الحكومات، وتقارير الزيارات القطرية، وأهم مستخلصات تقارير هيئات المعاهدات، وكذا أبرز الإجراءات والقرارات التي اتخذها مجلس حقوق الإنسان أو التي تم اتخذها بناءً على جهوده في تلك الدول.
يشير التقرير أيضًا إلى مجموعة من التحديات التي تعيق عمل منظمات المجتمع المدني في تلك البلدان، وكذا بعض التوصيات لمواجهتها، مشيرًا لما تضعه الحكومات من عراقيل تحول دون قيام هذه المنظمات بدورها في جمع المعلومات وتوثيق الوقائع، وخاصةً في البحرين والمملكة السعودية، مدللًا أنه على سبيل المثال في عمان تم اعتقال جميع القائمين على صفحة مجلس حقوق الإنسان على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك.
أوصى التقرير بأهمية تعزيز التواصل والتشبيك من خلال تعيين مجيدي اللغة العربية في مكتب المفوضية، وتعزيز التعاون بين مجلس الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني في تلك البلدان، ودعوة مدافعين حقوقيين للتحدث عن بلدان محددة، والاعتماد عليهم في تقديم المعلومات إلى مفوضية حقوق الإنسان.
حول حالة حقوق الإنسان في المملكة السعودية ذكر “إبراهيم” أن انتهاكات واسعة النطاق واستهداف ممنهج يعاني منه المدافعين عن حقوق الإنسان في المملكة السعودية، مشيرًا إلى أن المجرمين في السعودية يتمتعون بحقوقهم بينما يتم حرمان الحقوقيين منها، وأن هناك تهم “جاهزة” دائمًا في انتظار العاملين في مجال حقوق الإنسان، بالإضافة إلى قوانين الإرهاب المعدة فقط لمهاجمة المدافعين عن حقوق الإنسان، على حد قوله.
أما عن حرية الرأي والتعبير في السعودية فقد شدد إبراهيم على أن جميع وسائل الإعلام في السعودية مملوكة للدولة، كما تخضع مواقع التواصل الاجتماعي فيس بوك وتويتر وغيرها للمراقبة المشددة، إذ تُحكم الدولة سيطرتها على كافة أشكال التعبير على الإنترنت.
قدمت هالة الدوسري عرضًا مفصلًا لمشكلة قيادة النساء للسيارات في السعودية وتعريفًا لحملة تمكين النساء من حقهم في القيادة. وفي هذا السياق أكدت الدوسري على استمرار السلطات السعودية في التمييز ضد المرأة، وأن رسائل مختلطة ومتناقضة تطرحها الحكومة بشأن التزامها بمعاهدات حقوق الإنسان وحقوق النساء. كما تواصل السلطات فرض السياسات والإجراءات التي تنتهك القانون الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية، والتي تنص على المساواة بين جميع المواطنين.
وأضافت الدوسري أنه لم يكن هناك حظر على قيادة المرأة للسيارة في السعودية، إلا أنه في 1990 صدر حظر رسمي على قيادة النساء للسيارات من قبل وزارة الداخلية بعد قيام مجموعة من 47 امرأة سعودية بقيادة السيارات في قافلة بالرياض، تعبيرًا عن رفضهن للحظر غير القانوني المفروض على قيادة النساء للسيارات، وبعدها صدرت فتوى دينية بأن قيادة المرأة عمل شرير، يعزز من الاختلاط بين الجنسين و يزيد من التهديدات المحتملة للانحلال الأخلاقي، كما تم اعتقال النساء المشاركات في القافلة واستجوابهن لساعات، وطُلب منهن التوقيع على تعهدات مع أولياء أمورهن بعدم قيامهن بالفعل نفسه مرة أخرى، وفصلهن من العمل، ومنعهن من السفر لمدة عامين، هذا بالإضافة للهجوم الإعلامي الشرس عليهن.
وحسب الدوسري أنه في 2001 اعتقلت السلطات منال الشريف، بعدما نشرت فيديو على شبكة الإنترنت يشجع النساء السعوديات على الحصول على رخصة قيادة دولية سارية المفعول، ولم يتم الإفراج عنها إلا بعد تقديم والدها للملك عريضة موقعة من أعضاء قبيلته تطالب بالإفراج عن ابنته. وبعد ذلك بوقت قصير، أوقفت الشرطة امرأتين أثناء قيادتهن لسيارة من جدة لمكة المكرمة، ويُشار إلى أن المحكمة حكمت عليهما بالجلد، ولكن تم تعليق الحكم في وقت لاحق.
وتضيف الدوسري أنه في العام الماضي خططت مجموعة من النساء الناشطات في عدة مدن للقيام بحملة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي لجمع التوقيعات من النساء للمطالبة بحقهن في القيادة وبدء القيادة في 26 أكتوبر 2013. وفي خلال 3 أيام جمعت الحملة أكثر من 17 ألف توقيع، قبل أن تحظر الحكومة الوصول إلى الموقع الإلكتروني للحملة داخل المملكة. هذا بالإضافة إلى توقيف الشرطة وهيئة الأمر بالمعروف للمشاركات في الحملة وترحيلهن لمراكز الشرطة واحتجازهن لساعات في بعض الأحيان، كما تم استدعاء أولياء أمورهن والتعهد بعدم محاولة القيادة مرة أخرى، هذا بالإضافة إلى تلقى بعض الناشطات مكالمات هاتفية من قبل ممثل وزير الداخلية تطالبهن بوقف الحملة، وتهددهن في الوقت ذاته بعقاب كل من يتحدى الحظر، ومن ثم أعلنت الناشطات عن تحذير وزارة الداخلية ونصحن النساء بتجنب القيادة في 26 أكتوبر، مع استمرار المحاولة في وقت لاحق.
وأخيرًا تشير الدوسري إلى اقتراح قدمته ثلاث نساء أعضاء في مجلس الشورى بإزالة الحظر المفروض على قيادة المرأة، ورغم ضلوع المجلس في مراجعة قانون المرور، إلا أنهن تعرضن لحملة تشهير من قبل اللوبي التقليدي داخل المجلس. وتشدد على أن معظم النشطاء الذين شاركوا في الأنشطة السلمية لإزالة الحظر غير القانوني على قيادة النساء للسيارات تم اعتقالهم أو استجوابهم وتمت مصادرة سياراتهم، إلا أن جهودًا محمودة من مجلس حقوق الإنسان وأعضاءه للضغط من أجل حل هذه القضية عبر الامتثال للاتفاقيات والمعاهدات الدولية وذلك قبيل الاستعراض الدوري الشامل للملكة السعودية، الذي شكل آلية ضغط قوية على الحكومة، و”لكننا مازلنا نتطلع لاستمرار عمليات الضغط لضمان الفعالية”.
من جانبه ركز نواف الهندال على حالة حرية التعبير والتجمع وقضايا البدون في الكويت، وذلك في ضوء استعداد الكويت للخضوع لآلية الاستعراض الدوري الشامل لملفها الحقوقي أمام الأمم المتحدة. وفي هذا السياق أشار الهندال إلى أن أكثر من 100 ألف شخص يعيشون بلا أوراق جنسية في الكويت، الأمر الذي يترتب عليه حرمانهم من استخراج أية أوراق رسمية (شهادات الميلاد وشهادات الزواج،..الخ) ويحرمهم من جميع حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية (العمل، التعليم، العلاج..الخ) كما يحظر عليهم المطالبة بحقوقهم من خلال الوسائل السلمية بما في ذلك وسائل الإعلام ومواقع التوصل الاجتماعي والمظاهرات السلمية، وإلا واجهوا عقوبات بالسجن تتراوح بين 5 – 10 سنوات تحت دعاوى “قوانين الأمن الوطني”.
كما تطرق الهندال إلى وجود أكثر من 200 حالة تواجه تهمة الإساءة للأمير، ناهيك عن زيادة وتيرة الاتهامات بازدراء الدين الإسلامي، والاتجاه الجديد نحو الإدانة بتهمة إهانة القضاة والنظام القضائي، مشيرًا إلى توظيف تلك الاتهامات للانتقام من المدافعين عن حقوق الإنسان، مدللًا أنه تم اتهام محمد العجمي عضو اللجنة الوطنية لرصد الانتهاكات بازدراء الدين الإسلامي من خلال تغريدة له عبر موقع تويتر!
وأشار الهندال إلى سحب الجنسية كوسيلة للعقاب في الكويت، لاسيما من الحقوقيين والنشطاء السياسيين، حيث تم مؤخرًا إسقاط الجنسية عن 15 شخص وأسرهم وحرمانهم من كافة حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية.
وأخيرًا انتقد الهندال الاتفاقية الأمنية الخليجية، والتي تعطي الحكومات الخليجية الحق في تبادل المعلومات الخاصة عن جميع المواطنين والمقيمين، كما تسمح بالاعتقال في جميع دول مجلس التعاون الخليجي وكذلك المنع من السفر في جميع أنحاء دول المجلس.
Share this Post