قبيل جلسة الاستئناف في قضيتها أمام القضاء الإداري، 29 يناير الجاري؛ يطالب مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان السلطات الجزائرية بإلغاء قرار حل الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، إحدى أقدم وأبرز منظمات حقوق الإنسان في الجزائر.
يقول زياد عبد التواب نائب مدير مركز القاهرة: “قرار حل الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان يشكل ضربة قاضية للمجتمع المدني المستقل في الجزائر. فبينما تحظى السلطات الجزائرية بإفلات تام من العقاب؛ تواصل حملتها القمعية للقضاء بشكل منهجي على أي صوت مستقل وناقد، ومصادرة كل مساحة للمعارضة. فضلًا عن أن قرار حل الرابطة، في جزء منه هو إجراء انتقامي، عقابًا على تعاون الرابطة مع الأمم المتحدة. الأمر الذي يستلزم إدانة قوية من المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة والمسئولين الأمميين الآخرين”.
في 20 كانون الثاني/يناير 2023، علمت الرابطة بقرار حلها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، إذ لم يتم إخطار الرابطة بتقديم وزارة الداخلية طلبًا تمهيديًا للمحكمة الإدارية في الجزائر في 4 مايو 2022 بحلها. وفي سبتمبر/أيلول 2022، تم الإعلان عن حكم المحكمة الصادر بتاريخ 29 يونيو/حزيران 2022 والذي يقضي بحل الرابطة الجزائرية، دون أي إخطار أو تواصل مسبق مع الطرف المتضرر، في انتهاك واضح للمبادئ الأساسية للشفافية والإنصاف.
من جانبه دفع محامي الرابطة في طلب الاستئناف ببطلان قرار الحل مشيرًا لمواطن الخلل الواضحة فيه، وأبرزها توصيف المحكمة لتعاون الرابطة المشروع مع المنظمات الدولية باعتباره تدخلًا، فضلًا عن عدم إخطار الرابطة رسميًا بالقرار، بالمخالفة لنص المادة 408 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجزائري، والتي تقضي بأن القرارات القانونية السارية على أي شخص أو كيان قانوني يجب أن تسلم شخصيًا إلى ذلك الشخص أو ممثل عنه.
تأتي جلسة الاستئناف، المقرر عقدها بعد يومين، وسط حملة قمع متصاعدة، شهدت حل منظمات رئيسية في المجتمع المدني الجزائري (مثل جمعية راج، التي لعبت دورًا بارزًا في احتجاجات الحراك، وتم حلها بقرار تعسفي في مايو/أيار 2021)، وتعليق عدد من الأحزاب السياسية المعارضة، وإغلاق وسائل إعلامية مستقلة. بالإضافة إلى توظيف تشريعات تقييدية لمقاضاة المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين والمحامين.
تأسست الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان في عام 1985 وتم تسجيلها رسميًا عام 1989، وهي أقدم منظمة حقوقية مستقلة في الجزائر. وطوال تاريخها، حظيت بمكانة بارزة في الدفاع عن حقوق الإنسان وتعزيز المبادئ الديمقراطية. ومنذ عام 2019، انخرطت بنشاط في مواجهة القمع المستمر لحركة الحراك الاحتجاجية، ممتثلة لالتزامها بالدفاع عن العدالة والحريات المدنية.
يقيد الإطار القانوني المنظم لعمل الجمعيات والأحزاب السياسية في الجزائر عملها بشكل مفرط، ولا يتسق مع المعايير الدولية لحرية تكوين الجمعيات. إذ يمنح القانون 12-06 الخاص بالجمعيات سلطات تقديرية واسعة للجهات التنفيذية، ويسمح لها بسحب ترخيص الجمعيات، وإلزامها بالحصول على التسجيل والترخيص لمزاولة نشاطها. كما يحظر هذا القانون على الجمعيات تلقي تمويل أجنبي أو التعاون مع منظمات أجنبية دون موافقة الحكومة. ويبيح تعليق عمل الجمعيات وسحب ترخيصها، بحجة تدخلها في “الشئون الداخلية للدولة” أو انتهاك “السيادة الوطنية”.
ورد في حكم المحكمة الإدارية في الجزائر العاصمة، والصادر بناء على التماس وزارة الداخلية، أن وجود “عدة فروع تحمل اسم [الرابطة] يتعارض مع المادة 48 من القانون 31 لسنة 1990 المنظم لعمل الجمعيات ولوائحها الداخلية. كما استند قرار المحكمة بحل الرابطة إلى انتهاكات مزعومة للقانون 6 لسنة 2012 والمتعلق بالجمعيات، تحديدًا المواد 18 و19 و23. إذ تلزم المادتان 18 و19 الجمعيات بإخطار السلطات بالتغييرات الداخلية داخل الجمعية وتقديم تقارير سنوية، بينما تنص المادة 23 على الموافقة المسبقة على التعاون الدولي والالتزام بالثوابت والقيم الوطنية. وتشمل الاتهامات الموجهة ضد الرابطة؛ التعاون مع “جماعات معادية للجزائر”، ويشمل ذلك كيانات في ليبيا وتونس، وإصدار تقارير تتضمن معلومات غير دقيقة أمام كيانات الأمم المتحدة، وعقد اجتماعات مع الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، والأورو-متوسطية للحقوق، والتنسيقية المغاربية لمنظمات حقوق الإنسان.
هذه الحجج المستخدمة لحل الرابطة تتعارض مع المعايير الدولية لحرية تكوين الجمعيات، التي تحمي حق المنظمات في التعاون مع الهيئات والمؤسسات الدولية، وتحظر على الدول التدخل في عملها من خلال متطلبات إدارية مرهقة.
مركز القاهرة يطالب السلطات الجزائرية بتمكين الرابطة من مزاولة عملها، ووقف القرار بحلها، ومراجعة وتعديل القانون رقم 6 لسنة 2012، الخاص بتنظيم عمل الجمعيات، بما يتوافق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان بشأن حرية التنظيم والتعبير والتجمع السلمي.
Share this Post