في 11 نوفمبر الجاري استعرض الوفد الجزائري أمام الأمم المتحدة أبرز التطورات في ملف حقوق الإنسان في الجزائر خلال السنوات الأربعة الماضية، وذلك ضمن فعاليات الدورة الرابعة للاستعراض الدوري الشامل للملف الحقوقي الجزائري أمام الأمم المتحدة في جنيف. وفيما قدم الوفد الجزائري العديد من المعلومات غير الدقيقة، والادعاءات المنافية لما يحدث على أرض الواقع، نظم مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في اليوم نفسه، بالتعاون مع منظمة العفو الدولية، والأورو متوسطية للحقوق لقاء موازي على هامش فعاليات الدورة في جنيف، استضاف فيه ثلاثة حقوقيين جزائريين هم؛ الخبير القانوني مولود بومغار، ورؤوف ملال رئيس الكونفدرالية النقابية للقوى المنتجة COSYFOP، والباحثة أسمهان آيت مسعود، عضوة جمعية ثروة فاطمة نسومر، وذلك للرد على ما جاء في التقرير الرسمي للجزائر بشأن حالة حقوق الإنسان في البلاد، وعرض أبرز التطورات والممارسات على أرض الواقع.
المشاركون في اللقاء أجمعوا على استمرار القيود المفروضة على حرية تكوين الجمعيات وحرية التعبير وحرية العمل النقابي، وتصاعد ممارسات التمييز بحق النساء والعنف القائم على النوع الاجتماعي، على عكس ما ورد في ادعاءات الوفد الجزائري أمام الأمم المتحدة. كما تطرق المشاركون إلى مسألة تعديل المادة 87 مكرر من قانون العقوبات الجزائري، والتي سمحت باعتقال ومحاكمة أكثر من 267 شخصًا على الأقل بسبب ممارستهم السلمية لحرية التعبير وتكوين الجمعيات؛ بينهم المحامي عبد الرؤوف أرسلان، والمدون والمدافع عن حقوق الإنسان زكي حناش، والناشط في المجتمع المدني الهادي لعسولي، والصحفي إحسان القاضي، والناشطة جميلة لوكيل، وعضو الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان قدور شويشة.
في كلمته ركز الخبير القانوني مولود بومغار، على أن توسيع تعريف الإرهاب بموجب المرسوم الرئاسي المؤرخ في 8 يونيو 2021 هو بمثابة سيف مسلط على رقبة أي مواطن يتطلع للتعبير عن وجهة نظر ناقدة نوعًا ما للنظام. وأضاف: “تبين لنا من عدة مصادر موثوقة أنه قد تمت محاكمة عشرات الأشخاص بتهمة الانتماء لمنظمة إرهابية بالمعنى المقصود في المادة 87 مكرر 13 من قانون العقوبات منذ ربيع عام 2021، ويقبع عدد كبير منهم رهن الحبس السابق للمحاكمة.”
وبينما برر الوفد الجزائري أمام الأمم المتحدة موقفه بأنه لا تعريف جامع مانع للإرهاب، أشار بومغر إلى أن تعمد استخدام تعريفات فضفاضة وغامضة للإرهاب في القانون يمثل أهم المشاكل القانونية المتعلقة بالوضع الجنائي للأشخاص الذين يمكن إدراجهم على قوائم الإرهابيين. مضيفًا أن المادة 87 مكرر 13 من قانون العقوبات لا تقتصر على إمكانية الإدراج في القائمة للأشخاص الذين ثبتت إدانتهم قضائيًا وبصفة نهائية، وإنما تتوسع لتشمل الأشخاص الذين يخضعون لتحقيق أولي أو ملاحقات قضائية، هؤلاء ما زالوا مشمولين بقرينة البراءة لحين ثبوت اتهامهم، حسب بومغر.
من جانبه ركز رؤوف ملال، رئيس الكونفدرالية النقابية للقوى المنتجة، وهي نقابة جزائرية مسجلة عام 1991 ولم تعترف بها الحكومة الجزائرية بعد، على قمع السلطات الجزائرية للعمل النقابي المستقل باسم مكافحة الإرهاب، مشيرًا إلى وقائع القبض على رمزي دردر، القيادي في الكونفدرالية، في 30 يونيو 2021، بتهم تتعلق بالإرهاب واحتجازه 17 شهرًا لحين أقرت المحكمة براءته.
وأضاف ملال: “تعرض دردر لمعاملة سيئة من قوات الدرك أثناء التحقيق، ووُضع في الحبس الانفرادي، وفي طابور الإعدام مع الإرهابيين لأكثر من 4 أشهر، وتكرر الأمر نفسه مع النقابي قدور شويشة رئيس نقابة أساتذة التعليم العالي المتضامنين، والذي تم اتهامه وزوجته جميلة لوكيل وسعيد بودور في 28 أبريل 2020، بالانتماء لمنظمة إرهابية أو تخريبية.”
وبحسب ملال، تم اعتقال وسجن أربعة من قيادات النقابة الوطنية المستقلة لعمال الشركة الوطنية للكهرباء والغاز والكونفدرالية النقابية، بين 2 و11 يناير 2022، هم؛ هشام خياط، ونصر الدين حميطوش، ونصر الدين رربو، ومحمد مسيلتي. وتم الإفراج عنهم بعد أسبوعين ووضعهم تحت الرقابة القضائية. هؤلاء جميعًا تمت ملاحقتهم بموجب المادة 87 مكرر، المتعلقة بالانتماء لمنظمة إرهابية أو تشكيل منظمة إجرامية تقوض الوحدة الوطنية.»
جدير بالذكر أنه في 27 ديسمبر 2021، حذرت الإجراءات الخاصة للأمم المتحدة (المراسلات OL DZ 12/2021) من أن تشريعات مكافحة الإرهاب تنتهك الحقوق الأساسية وتفرض عقوبات غير متناسبة على الأعمال التي لا ينبغي أن تتناولها تشريعات مكافحة الإرهاب. وأكدت الإجراءات الخاصة أن إجراءات الإدراج في القائمة الوطنية للإرهاب لا تتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وصرح الخبراء إنهم “قلقون من أن هذا الإطار التشريعي يمكن أن يؤدي إلى الانتهاكات ويسمح اتخاذ قرارات تعسفية.”
الباحثة أسمهان آيت مسعود، عضوة جمعية ثروة فاطمة نسومر، ركزت في مداخلتها على ممارسات التمييز بحق النساء والعنف القائم على النوع الاجتماعي، وقمع المنظمات النسوية وأفراد مجتمع الميم عين. وقالت آيت: “النساء كن في الصفوف الأمامية خلال احتجاجات الحراك، وقد نال قمع السلطات الجزائرية من العديد من الناشطات النسويات اللاتي تعرضن لانتهاكات إضافية لأنهن نساء، وبعضهن يعاني حتى يومنا هذا من ملاحقات قضائية وحملات تشهير.” كما حذرت آيت مسعود من تصاعد اضطهاد مجتمع الميم عين ++، فضلاً عن الفراغ القانوني الكامل الضامن لحمايته. هذا الفراغ القانوني يعزز إفلات الجناة من العقاب على جرائم العنف والممارسات التميزية المرتكبة بحق أعضاء مجتمع الميم عين.
وأضافت آيت: “يشكل قانون الأسرة الذي تم إقراره في 9 يونيو 1984 أول عنف مؤسسي نتج عنه أشكال عنف أخرى ضد النساء، إذ تتعارض أحكام هذا القانون مع الدستور الذي يضمن المساواة أمام القانون دون تمييز على أساس الجنس. كما يفرض لقانون في مجمله على النساء، ظروف معيشية تعوق المساواة، ويقنن التمييز من خلال إدامة نظام ولاية الرجل على المرأة في عدة مجالات مثل الحياة الأسرية والزواج والميراث.”
وعن استقلال القضاء والحق في المحاكمات العادلة، والذي أدعى الوفد الجزائري أمام الأمم المتحدة كفالته وضمانه، يقول كريم سالم من مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان: “تعرض أعضاء السلطة القضائية لإجراءات تأديبية ومحاكمات تعسفية عديدة. ففي 30 مايو 2021، تم عزل القاضي سعد الدين مرزوق، مؤسس النقابة غير المسجلة “نادي القضاة الأحرار”، وصدر تحذير لنائب المدعي العام أحمد بلهادي بسبب دعمهما للحركة الاحتجاجية (الحراك) ودفاعهما عن استقلال القضاء.”
وأضاف سالم: “في أكتوبر 2019، أُقيلت رئيسة غرفة الاتهام بمحكمة تيبازة نورا مقران، وتقرر نقلها لمحكمة أخرى بعدما قضت بالإفراج عن الناشط السياسي كريم طابو. وتم إيقاف كاتب المحكمة وعضو الرابطة الجزائرية بلقاسم مازا، في 17 سبتمبر 2020، وحوكم لمشاركته في احتجاجات الحراك. كما تم إيقاف مراد غدية، كاتب المحكمة ورئيس الاتحاد الوطني لعمال قطاع العدل عن العمل، في 2018، واعتقاله في أبريل 2021 بسبب نشاطه السلمي.”
هذا بالإضافة لما يتعرض له المحامين، أعضاء هيئة الدفاع عن معتقلي الحراك، من عقاب ومحاكمات تعسفية؛ مثل المحامي عبد الرؤوف أرسلان الذي تم اعتقاله في 26 مايو 2021 وحوكم بتهم؛ المشاركة في منظمة إرهابية ونشر أخبار كاذبة من شأنها المساس بالأمن العمومي والنظام العام، بسبب عمله وممارسته لحرية التعبير. وإيقاف المحامين محمد الأمين بن دحمان ومحمد مكاوي عن العمل، فضلاً عن استهداف المحاميات والمشاركات في الحراك بحملات تشهير على وسائل التواصل الاجتماعي.
Share this Post