يحبس السائق عثمان مصطفى أنفاسه وهو يقطع الطريق بين معسكر الأمم المتحدة في مدينة بهاي في شمال تشاد ومخيم «أوري كاسوني» للاجئي دارفور، ويتلفت قلقاً بين آن وآخر بحثاً عن أي حركة غير اعتيادية في هذه المنطقة القاحلة الملاصقة للحدود مع السودان، على رغم وجود قافلة من الشرطة يُفترض أنها تحمي ركاب سيارته.
فعلى امتداد هذه الطريق البالغ 24 كلم، تنشط عصابات تخصصت في سرقة القوافل الإنسانية وسيارات عمال الإغاثة، وتمكنت بالفعل من خطف 10 سيارات وقتل سائق إحداها قبل شهور، إضافة إلى تنفيذ خمس حوادث سرقة مسلحة، بخلاف 6 مواجهات بين حكومة تشاد والمتمردين في المنطقة التي تشكل ممراً للمسلحين على جانبي الحدود.
وتعتبر بهاي نموذجاً «مثالياً» يجسّد جانباً من التحديات الكبيرة التي ستواجهها القوة الأوروبية (يوفور) المرتقب نشرها خلال أسابيع لحماية ربع مليون لاجئ دارفوري و180 ألف نازح تشادي شرّدتهم الحرب في بلادهم. ويبلغ عديد هذه القوة التي تقودها فرنسا نحو 3700 جندي، وتأخر نشرها مراراً بسبب التوتر في شرق تشاد وحصار المتمردين قصر الرئاسة في العاصمة نجامينا مطلع الشهر الجاري.
ويقول مدير عمليات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في بهاي جيروم ماغوي إن المنطقة «لديها مشاكل أمنية كبيرة»، مشيراً إلى أن «مجموعات مسلحة عدة تنشط في محيط بهاي، وتجعل ضبط الأمن أكثر صعوبة».
ويوضح أن «القوافل الإنسانية لا يمكنها قطع الطريق إلى المخيم بسبب نشاط المسلحين واللصوص. نحن هنا على أعلى درجات التأهب الأمني. ونضطر إلى تسيير قافلة واحدة يومياً تذهب إلى المخيم في الثامنة والنصف صباحاً وتعود في الثالثة والنصف عصراً، في حماية قوة جوندارم»، وهي شرطة تشادية تموّلها الأمم المتحدة.
لكن عديد أفراد «جوندارم» في بهاي لا يتجاوز 20 جندياً قلما يتواجد نصفهم، فهم غالباً في إجازات أو غير قادرين على الوصول إلى المنطقة النائية بسبب وعورة الطرق. كما أن الحكومة التشادية مشغولة في حربها مع المتمردين الذين تتهم السودان بدعمهم. وحتى في ظل وجود «جوندارم»، لم تتوقف السرقات التي تورط في بعضها أفراد من الشرطة.
وتشير الناطقة باسم الأمم المتحدة في تشاد أنيت ريل إلى أن القوة الأوروبية ستعمل على حماية اللاجئين والنازحين «لا من الجيش ولا من المتمردين (التشاديين والسودانيين) لأنهم لا يفعلون شيئاً. لكن من العصابات التي تهدد عملنا في المنطقة، حيث لا نظام ولا قانون، ومواقع الأطراف تتغير كما الرمال المتحركة. اليوم أحدهم شرطي، وغداً يصبح متمرداً أو زعيم عصابة».
وعلى رغم أن غالبية المهتمين بالوضع الأمني تعتقد أن نشر القوة الأوروبية المعروفة باسم «يوفور» سيلعب دوراً كبيراً في تحسن الأوضاع، فإن آخرين يؤكدون أنها ستواجه صعوبات كثيرة، أبرزها تهديدات المتمردين المتكررة باستهدافها فور نشر طلائعها قريباً، والخلط المحتمل بينها وبين 1500 جندي فرنسي منتشرين في تشاد في إطار اتفاق مع الرئيس إدريس ديبي.
وتخشى ريل أن يتسبب نشر «يوفور» في «مشاكل كبيرة». وتقول: «بالنسبة إلى السكان، هذه قوة أوروبية أخرى مثل القوة الفرنسية التي تحمي ديبي. طلبنا نشر هذه القوة قبل عام، حين كانت الأوضاع أسهل. لكن نشرها تأخر كثيراً. أخشى أن يكون مصدر متاعب».
وفي السياق نفسه، يشدد ماغوي على أن «الوضع هنا قابل للاشتعال في أي لحظة. الأسلحة في كل مكان، وهذا أمر مقلق. يمكن أن نصبح على كارثة في يوم ما».
بيد أن اللاجئين والنازحين يترقبون بشغف انتشار «يوفور»، خصوصاً بعد تجربة الأسابيع الماضية حين اضطرت المنظمات الإنسانية إلى إجلاء موظفيها من تشاد بعد هجوم للمتمردين، ما هدد بوقوع كارثة إنسانية في المخيمات تم تداركها سريعاً. ويقول إبراهيم سعيد، وهو سلطان إقليم دار سيلا الذي يضم ثلث معسكرات لاجئي دارفور في تشاد: «نريد هذه القوة لحمايتنا من اللصوص وتوفير الأمن المفقود. حكومتا تشاد والسودان مسؤولتان عن المأساة. والمنطقة تدفع ثمن صراعهما. نحن في انتظار القوة الدولية».