هدّدت واشنطن الخرطوم أمس بعقوبات جديدة ما لم توافق على إشراك قوات غير أفريقية في القوة المشتركة التي ستنتشر في دارفور، فيما أعلنت الأمم المتحدة أسماء الدول التي تعهدت تقديم قوات عسكرية وشرطية لتشكيل القوة. وكشفت مصادر أميركية واسعة الاطلاع أن الرئيس جورج بوش تراجع في آخر لحظة عن غزو الإقليم من أجل وقف ما اسمته «المجازر الجماعية» التي تدور هناك.
وقالت جريدة «نيويورك تايمز» أمس إن بوش أبلغ في وقت سابق مساعديه أنه ربما كان يتعين على الولايات المتحدة إرسال الجنود إلى دارفور. وأضافت أنه ناقش بعد ذلك فكرته مع وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس التي عارضت الفكرة وأخبرته أن الولايات المتحدة لا يمكنها البدء بحرب أخرى في دولة إسلامية، ما دفع بوش إلى اتخاذ قرار بعدم إرسال جنود منفرداً.
وكشفت خطة جديدة قالت إن بوش سيعتمدها في التعامل مع قضية دارفور في المستقبل، تقوم على أهمية أن تستثمر الادارة مزيداً من طاقتها في البحث عن سلام متفاوض عليه بين المتمردين والحكومة. وقالت إن الخطة تقر بأهمية التعامل مع دول أخرى لإجبار السودان على التوقف عن جلب عشرات الآلاف من العرب من دول الجوار لتوطينهم في المناطق التي «يذبح» فيها السكان الأصليون، كما تطالب أيضاً بزيادة التغطية الاستخباراتية للمنطقة، ونشر صور الأقمار الاصطناعية بين الحين والآخر «حتي يعلم السودان أنه مراقب».
وشددت الخطة على اهمية أن تشجع واشنطن الزعماء المسلمين للدفع نحو السلام، خصوصاً مبادرة رئيس الوزراء الماليزي للسلام وكذلك حض السعودية على المساعدة في الحل. وأضافت: «يتعين على الولايات المتحدة وضع خطة طوارئ في حال قيام السودان بعمليات ذبح ضد مخيمات اللاجئين، أو في حال استئناف الحرب ضد الجنوب».
لكن الخرطوم قللت من هذه التقارير، واعتبر مسؤول الشؤون الأميركية في الخارجية السودانية السفير عبدالباسط السنوسي أمس أن «الحديث في هذا الشأن لا يخرج عن كونه مزاعم ظلت ترددها إدارة بوش». واعتبر أن «الحل الوحيد لمشكلة دارفور هو التركيز على الحل لسياسي الذي أصبحت عناصره واضحة ومتوافرة في هذا الاتجاه». ودعا الإدارة الاميركية إلى «الابتعاد عن المهاترات والمساهمة في حل مشكلة دارفور التي أصبح طريقها واضحاً، وهو الضغط على الأطراف الرافضة للتفاوض بدلاً من إرسال هذه الإشارات السلبية التي من شأنها أن تعرقل مسيرة التفاوض». وشدد على «التزام الحكومة وسعيها بكل طاقاتها لإنهاء أزمة دارفور».
وهددت واشنطن بعقوبات جديدة ما لم توافق الحكومة على إشراك قوات غير أفريقية في القوات المشتركة من الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي التي ستنشر في دارفور. وقال المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان أندرو ناتسيوس إن على الحكومة السودانية أن توافق على إشراك قوات غير افريقية في إطار العملية المشتركة التي صادق عليها مجلس الأمن أخيراً، وإلا ستجابه عقوبات جديدة من داخل المجلس.
وكشف خلال مؤتمر صحافي في واشنطن أمس النقاب عن أوامر أصدرتها وزيرة الخارجية إلى سفرائها في الخارج للطلب من حكومات الدول التي يوجدون فيها المشاركة في هذه القوات. وأضاف: «سنحاول أن نجنّد من أفريقيا، لكن الواضح بعد الحديث مع زعماء وعسكريين أفارقة أنه لا توجد قوات أفريقية كافية مدربة على عمليات حفظ السلام لتشكيل هذه القوة».
ولن تشارك الولايات المتحدة بقوات في دارفور. لكن السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة زلماي خليل زاد قال إن بلاده ستساعد في استئجار الشركات التي ستقوم ببناء الثكنات لقوات حفظ السلام وفي نقل القوات إلى الإقليم.
وأعلنت الأمم المتحدة اسماء الدول التي تعهدت تقديم قوات عسكرية وشرطية لتشكيل قوة دارفور التي يبلغ قوامها ستة وعشرين ألف جندي. وقال مسؤولون إن المنظمة الدولية تلقت تعهدات كافية من دول غالبيتها أفريقية، بإرسال قوات مشاة في إطار القوة الجديدة، إلا أنها تحتاج اختصاصيين وطائرات هليكوبتر حربية من الدول الغنية.
وبين الدول التي ستشارك في القوة مصر ونيجيريا وبوركينا فاسو التي تعهدت إرسال قوات عسكرية وشرطية، أما إثيوبيا ورواندا وأوغندا وتنزانيا، فستساهم بجنود فقط، علاوة على غانا التي سترسل قوات شرطية. وتضاف إلى ذلك دول آسيوية هي باكستان ونيبال وإندونيسيا التي تعهدت إرسال قوات شرطية وبنغلاديش التي وافقت على إرسال قوات عسكرية وشرطية، في حين تساهم ماليزيا وتايلاند والأردن بقوات عسكرية.
وقالت مساعدة الأمين العام للامم المتحدة لشؤون حفظ السلام جين هول لوت إن هناك حاجة إلى مزيد من الخبراء العسكريين للمساهمة في تلك العملية التي تقدر كلفتها ببليوني دولار سنوياً. وأضافت أن مهمة القوات الدولية «تحيق بها مشاكل، منها نقص المياه والعواصف الرملية، كما أن أقرب ميناء بحري للاقليم هو ميناء بورسودان، وهو على بعد أكثر من 2000 كلم».
وتأمل الأمم المتحدة أن تقيم قبل تشرين الأول (أكتوبر) المقبل مقر قيادة للقوة المختلطة التي ستستوعب 7000 جندي من قوات الاتحاد الافريقي الموجودة بالفعل في دارفور. ويتوقع أن تتم عملية الانتقال الكامل للقوة المختلطة بحلول 31 كانون الاول (ديسمبر) المقبل.