تشرد اللاجئة السودانية الشابة كلثومة جمعة بنظرها بعيداً، وهي تتذكر يوماً بارداً في نهاية العام 2003، حين أحرق عناصر من ميليشيا «الجنجاويد» قريتها في غرب دارفور، وقتلوا والدها مع غالبية رجال القرية، واحتجزوها مع صديقتها فاطمة إدريس وفتاة ثالثة لمدة شهر تناوب خلاله سبعة أشخاص على اغتصابهن.
حينها، لم تكن كلثومة وفاطمة تجاوزتا عامهما الثاني عشر. لكن هذا لم يشفع لهما لدى المهاجمين الذين استخدموهما مع رفيقة الأسر لرعي الأغنام وحلب الأبقار وجمع الحطب. وتقول كلثومة، وهي تغالب دموعها: «كانوا يوقظوننا في ساعات الصباح الأولى للرعي وجمع الحطب. وكثيراً ما كان يباغتنا أحدهم خلال النهار. كان اغتصابنا يتم بشكل يومي. وكنت أبكي بشدة».
غافلت كلثومة وفاطمة خاطفيهما بعد شهر من الاحتجاز، وفرتا على غير هدى حتى بلغتا قرية بعد ثلاثة أيام من المشي في الصحراء. ومن هناك انتقلتا مع قافلة فرت من هجوم مماثل إلى الحدود التشادية. استغرقت الرحلة 15 يوماً، قطعتها الفتاتان سيراً على الأقدام مع 10 نساء لا تعرفانهن، حتى حطتا الرحال في قرية تشادية ينتمي سكانها إلى قبيلة «الداجو» التي تتحدر منها غالبية رفيقات رحلتهما. وبعد أيام، اكتشفت فاطمة أنها تحمل جنيناً، فانزوت جانباً حتى وضعت حملها الذي قالت إنه «ولد ميتاً».
وتعيش الفتاتان في مخيم «جبل» الذي يؤوي أكثر من 15 ألف لاجئ دارفوري من أصل نحو ربع مليون يعيشون في 12 مخيماً في شرق تشاد وشمالها، حيث يعانون أوضاعاً صعبة بسبب وقوعهم بين شقي الرحى في الصراع التشادي – السوداني.
لا تختلف روايات ضحايا الاغتصاب بين لاجئات دارفور في تشاد كثيراً عن قصتي فاطمة وكلثومة. ربما في قليل من التفاصيل: العمر، زمن الاحتجاز، عدد الجناة، طريقة الهروب، زمن الرحلة إلى تشاد، والمفقودون من العائلة. فمنهن من فقدت والدها ورضيعها مثل توما عثمان (25 عاماً)، ومنهن من لم تعثر على طفلها، لأن خاطفيها لم يمهلونها لاصطحابه معها، مثل فاطمة عبدالكريم (35 عاماً).
تتشابه الحكايات، غير أن اللافت أن كل واحدة تتذكر تاريخ الهجوم ووقته، وتقبض في ذاكرتها على صور مغتصبيها، في انتظار العدالة التي يحلمن بها. تقول عائشة حسين التي عثرت على شقيقتها الصغرى ميتة بعد يومين من الاغتصاب المتواصل قضتهما مع عدد من جيرانها في مقبرة قريبة نبشوها للهروب من المهاجمين: «نريد حقنا. نريد قوات قادرة على حمايتنا من أي مجرم. يجب أن يوقفوا هذه الانتهاكات. لا نطلب شيئاً سوى الأمان».
على أن الأمان الذي تنشده أولئك النسوة لا يتوافر للأسف في تشاد، حيث لجأن، وإن كانت الأوضاع أفضل كثيراً من دارفور، على حد قولهن. فهن يضطررن إلى الخروج من المخيمات لجمع الحطب من المناطق المحيطة، إما لاستخدامه في الطبخ والتدفئة أو لبيعه للإنفاق على أسرهن في ظل شح المساعدات. وتقول ريم موسى: «حين نخرج إلى ما وراء الجبل (الذي يطوق المخيم) لجمع الحطب، يأتي إلينا لصوص و(نازحون) تشاديون، ويسرقون ما نجمع ويضربوننا، وربما يغتصبوننا… أنا ضربت، لكن كثيرات من صديقاتي تعرضن للاغتصاب. يحدث هذا كثيراً».