Photo by Daniel Berehulak / Getty Images

اللجنة العليا للانتخابات.. من يدير من؟

In مقالات رأي by CIHRS

بهي الدين حسن
مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان

اللجنة العليا للإنتخابات هي لجنة مستقلة ومحايدة وقادرة على الاضطلاع بمهامها، كما يصفها مسؤولون مصريون وكبار أعضاء الحزب الوطني الحاكم. بينما تحليل لتشكيلة اللجنة وسلوكها يظهر أن اللجنة لا تتمتع باستقلالية، وموسمية، محدودة الصلاحيات القانونية، محدودة القدرات المادية والبشرية، وظيفتها الرئيسية هى إعلان نتائج عملية لا تملك أي وسيلة لإدارتها أو الإشراف عليها.

بالتوازي مع هذه اللجنة المكبّلة، تجري عملية قمع واسعة النطاق بكل الوسائل على أنصار بعض المرشحين، والجماعات الداعية لمقاطعة الانتخابات، وإرهاب غير مسبوق ضد وسائل الإعلام المرئية والمسموعة. بينما لا تستطيع اللجنة المكلفة النطق بكلمة واحدة إزاء هذه الأحداث المؤثرة على إرادة الناخب وحرية ونزاهة الانتخابات.

تشكيلة اللجنة

تعديل للمادة 88 من الدستور المصري في مارس/آذار 2007 نقل إدارة الانتخابات البرلمانية من الإشراف القضائي إلى “لجنة عليا تتمتع بالاستقلال والحيدة”، تتولى الإشراف على الانتخابات، على النحو الذي يفصله الباب الأول (مكرر) من قانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية وتعديلاته. تضم اللجنة شخصين بحكم منصبيهما، هما رئيسا محكمتي استئناف القاهرة والإسكندرية -ويتولى الأول رئاسة اللجنة- وقاضيين آخرين يختارهما مجلس القضاء الأعلى ومجلس الدولة، وسبعة أعضاء (3 قضاة سابقين و4 شخصيات عامة) يختارهم مجلسي الشعب والشورى. أي أن الأغلبية (7 من 11 عضوا) يختارها الحزب الوطني الحاكم الذي يسيطر بأغلبية ساحقة على المجلسين. مدة عضوية هؤلاء الأعضاء السبعة ثلاث سنوات، أما الرئيس والأعضاء الثلاثة العاملين بالهيئات القضائية، فتتراوح مدة عضويتهم باللجنة بين بضعة أشهر وعام، نظراً لاقترابهم من سن التقاعد.

تغيير سريع كهذا يعوّق عمل اللجنة على التخطيط لعملها والمتابعة والتقييم، حتى على المدى القصير. على سبيل المثال، تولى رئيس اللجنة الحالي السيد عبدالعزيز عمر منصبه قبل الانتخابات بـ 8 أسابيع فقط، وهو ثالث رئيس للجنة خلال عام واحد. وينحصر التواصل المؤسس المحدود داخل اللجنة بالأعضاء السبعة المعينين من مجلسي الشعب والشورى، والسكرتارية الدائمة المشكلة من 6 موظفين بوزارة العدل وممثل لوزارة الداخلية.

تختص اللجنة نظرياً بعدد من المهام منها “تشكيل اللجان العامة للانتخابات ولجان الاقتراع والفرز”، “ووضع قواعد إعداد جداول الانتخابات”، (ولكن وزارة الداخلية تعد هذه الجداول) ولها حق “اقتراح تحديد الدوائر الانتخابية” (ولكن وزارة الداخلية هى التي تحدد وتعدل هذه الدوائر)، ولها حق “وضع القواعد المنظمة للدعاية الانتخابية” (ولكنها لا تملك منع أطراف أخرى مثل وزارة الإعلام من فرض قواعد خاصة على وسائل الإعلام). كما يسند إليها القانون “تلقي البلاغات والشكاوى والتحقق من صحتها”، و”الإسهام في جهود التوعية والتثقيف المتعلقة بالانتخابات”. ولكن لا تتوفر لها الإمكانيات البشرية والمادية، للاضطلاع بهذه المهام، وتعتمد اللجنة في إدارة عملها على سكرتارية دائمة صغيرة  وعشرات الآلاف من موظفي الدولة، الذين تنتدبهم الحكومة مؤقتا لهذا الغرض فقط خلال فترة الانتخابات.

نظرا لهذه القيود، لم تستطع اللجنة تنفيذ بعض قراراتها التي صدرت خلال الأسابيع الماضية مثل عدم الشروع بالدعاية الانتخابية قبل الموعد المحدد في 15 نوفمبر، وهو ما يمارسه يوميا عدد من الوزراء المرشحين وغيرهم، أو وضع حد أقصى 200 ألف جنيه للدعاية، وهو ما تجاوزه بعض المرشحين، حتى قبل الموعد الرسمي للسماح بالدعاية، أو عدم استخدام دور العبادة في الدعاية الانتخابية، وهو ما صمتت عنه اللجنة بالنسبة لعدد من كبار مرشحي الحزب الحاكم، بينما كان صوتها عاليا في مواجهة مرشحي جماعة الإخوان المسلمين، الذين استخدموا شعار “الإسلام هو الحل”. كما يبدو أنه لنفس السبب تترك لأجهزة الأمن سلطة تطبيق الشروط التي وضعتها لقبول آلاف المراقبين من منظمات حقوق الإنسان.

دور وزارة الداخلية

إلى جانب إعداد جداول الناخبين وتحديد الدوائر الانتخابية، والإعلان عن فتح باب الترشيح، تدير وزارة الداخلية مرحلة فتح باب الترشيح، وتسجيل المرشحين وإصدار نظم ممارسة الحقوق السياسية كما تدير نحو ربع مليون موظف يعملون في مراكز الاقتراع والفرز.

وفقا لتقارير منظمات حقوق الإنسان، فإن وزارة الداخلية قد هيمنت فعليا على مرحلة الترشيح. وبمقتضى ذلك جرى رفض عشرات من طلبات الترشيح دون إعطاء أسباب. وعندما تظلم بعض هؤلاء المرشحين إلى القضاء الإداري، وحصلوا على أحكام لصالحهم، رفضت مديريات الأمن تنفيذ هذه الأحكام، وتحايلت عليها بالاستشكال ضدها، ولكن أمام محاكم أخرى -وهو أسلوب متكرر في الانتخابات- بحيث يستهلك الوقت المحدود المتبقي (أسابيع فقط بين التسجيل والإنتخابات)، خاصة وأن الأحكام صدرت في اليوم السابق لأجازة عيد الأضحى (5 أيام).

ويتبلور الآن صراع ما بين اللجنة العليا للإنتخابات ووزارة الداخلية، حيث قررت اللجنة في 18 نوفمبر تنفيذ أحكام القضاء الإداري بإعادة مستبعدين من الترشيح من عدة اتجاهات، بينهم منشقون عن الحزب الوطني. حتى الآن ليس واضح إن كان سيتم تنفيذ الأحكام.

رئيس اللجنة

وفقا لتقييم عدد من أبرز القضاة المدافعين عن استقلال القضاء والذين لعبوا دورا تاريخيًا في الكفاح من أجل انتخابات حرة ونزيهة، فإن رئيس اللجنة، المستشار السيد عبد العزيز عمر، هو شخصية مستقلة ونزيهة، ويدرك طبيعة المهمة المطلوبة منه، أي تسويق نتائج لا تتحمل اللجنة مسؤليتها، ولا تستطيع التدخل في مسار إنتاجها. ولذا فإنه حاول خلال الحديثين الصحفيين الذين أدلى بهما مع جريدتي الوفد والشروق، أن يبرأ ذمته مبكرا.

يسلم رئيس اللجنة في أحاديثه الصحفية بأن اللجنة ليس لديها إمكانية الاضطلاع بمهام حيوية كثيرة، “فوزارة الداخلية هى التي تعد كشوف الناخبين وتحدد مقار الاقتراع” و”وزارة العدل هى التي تعد قائمة القضاة الذين سيديرون اللجان العامة للانتخابات”. وهو لا يستطيع التعهد بإجراء انتخابات نزيهة، فهذا الأمر –وفقا لرئيس اللجنة- “يتوقف على نوايا الحكومة”، لو كانت هذه النوايا سيئة، فلن يمكن للجنة أن تفعل شئ. كما أبدى أسفه لأنه لا يستطيع أن يفعل شيئا لإلزام الوزراء بإزالة لافتات الدعاية المعلنة قبل الموعد الرسمي الذي حددته اللجنة، وأنه لا يملك بديلا لموظفي الحكومة في إدارة العملية الانتخابية.

ربما ليس هناك ما هو أكثر تعبيرا عن بؤس حال “اللجنة العليا للانتخابات”، من وصف الصحفيين لمشاعر رئيس اللجنة خلال الحديثين، التي طغى عليهما الشعور بالعجز و”الأسى” و”الأسف” و”الحسرة”. وفي خطوة ربما غير مفاجئة، قررت اللجنة في أول اجتماع لها بعد نشر الحديثين، تعيين متحدث باسمها من بين كبار موظفي وزارة العدل.

المصدر: صدى (مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي)

Share this Post