WikiCommons

مصر: دعم البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية لن ينقذها من الفشل ما لم يقترن بإصلاحات حقيقية

In برنامج مصر ..خارطة الطريق, مواقف وبيانات by CIHRS

في ديسمبر 2021، قدم مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان تعليقًا تفصيليًا للبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، حول استراتيجيته القطرية لمصر والتقييم السياسي الملحق بها، وذلك بعدما نشر البنك مسودات الاستراتيجية للتعليق العام. ورغم مرور قرابة عام على بداية العمل على هذه الاستراتيجية، لا يزال مبهمًا ما إذا كان البنك سيقرر تغيير منهجه واتباع  مبدأ «الأكثر مقابل الأكثر، الأقل مقابل الأقل» إزاء مصر.

ويختلف البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية عن غيره من بنوك التنمية الدولية، نظرًا لتفويضه ودوره السياسي، والذي يلزمه بإقراض البلدان «الملتزمة بتطبيق مبادئ الديمقراطية وسيادة القانون، فضلًا عن حرية واستقلال المجتمع المدني وتحسن حالة حقوق الإنسان والالتزام بالفصل بين السلطات»، أو تلك التي تتجه نحو ذلك على أقل تقدير. في المقابل، ورغم إحكام الجيش في مصر -الدولة الدكتاتورية العسكرية- على اقتصاد السوق؛ تعد مصر أكبر، أو ثاني أكبر، متلق لقروض بنك إعادة الإعمار والتنمية في السنوات الثلاثة الماضية، خلف تركيا التي تتأرجح بين المركزين الأول والثاني.

وبحسب ليزلي بيكيمال، مسئولة شئون المناصرة الدولية لدى الاتحاد الأوروبي، بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، «تلقت مصر، على مدار العقد الماضي، أكثر من ثماني مليارات يورو من الاستثمارات التراكمية للبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، رغم التدهور الواضح والمستمر لوضع حقوق الإنسان وسيادة القانون. وليس واضحًا، حتى الآن، ما إذا كان البنك سيغير نهجه، بناءً على مسودة الاستراتيجية الأخيرة والتقييم السياسي الصادران في 2021». وتضيف ليزلي، «ينبغي أن يؤدي تقييم البنك الأوروبي للوضع في مصر إلى تغيير في مقاربة البنك، والضغط على مصر لضمان تنفيذ إصلاحات ذات مغزى فيما يتعلق بالشفافية وضمان المساءلة ووضع حقوق الإنسان وسيادة القانون؛ كخطوة أولى في سبيل القضاء على الفساد، وإنهاء سيطرة الجيش على الاقتصاد. لذا يجب على البنك إدراك أن المسار المصري ليس مستدامًا، كما أن تجاهل التفويض والدور السياسي الخاص بالبنك ومبادئه الأساسية سيدفع بمصر أكثر نحو عدم الاستقرار والفوضى».

وتقر مسودة الاستراتيجية نفسها بالمخاوف التي أثارتها المنظمات الدولية حول مدى التزام مصر بتطبيق [المادة 1] من المبادئ السياسية للبنك؛ إذ سبق وأثارت منظمات المجتمع المدني، في حوارها مع البنك الأوروبي، عددًا من قضايا حقوق الإنسان وسيادة القانون والمسائل الاقتصادية. كما تقر المسودة -بطريقة ديبلوماسية- بوجود مشاكل حوكمة كبرى في مصر، وتربطها بالثقل الاقتصادي للشركات المملوكة للدولة؛ في إشارة لدور الشركات التي يسيطر عليها الجيش. وبشكل أساسي، لا يزال غامضًا ماهية التدابير الخاصة التي سيتخذها البنك لمعالجة هذه المشاكل والتخفيف من حدتها في عملياته المستقبلية في مصر، فضلًا عن وجود تلك التدابير من الأساس.

ورغم العناية الملحوظة في إعداد مسودة التقييم السياسي 2021، والمستندة لمعايير المادة 1 من سياسات البنك، وما يعكسه ذلك من اهتمام البنك الأوروبي بالقضايا الرئيسية التي أشار لها خبراء الأمم المتحدة والمجتمع المدني حول خطورة الوضع في مصر؛ إلا أنها تجاهلت بعض الحقائق المحورية، ومن بينها على سبيل المثال حقيقة عدم نزاهة الانتخابات الرئاسية التي شهدتها مصر في 2018. في الوقت نفسه، أشارت المسودة، بشكل مفرط، لنص الدستور المصري، متجاهلةً تشريعات وممارسات الدولة التي تنتهك هذه القواعد الدستورية. كما تضمنت في بعض أجزائها إشارات لتقييمات نقدية من الأمم المتحدة أو المجتمع المدني للوضع في مصر، ووضعتها في مقابل تفنيدات ومبررات الحكومة المصرية، وهو الأمر الذي يخلف انطباعًا خاطئًا بوجود حالة من التفاوض مع مصر حول الإصلاحات المطلوبة، مع إغفال تقييم البنك لوضع مصر وفقًا للمعايير ذات الصلة.

بشكل عام، لا يعكس نص مسودة الاستراتيجية القضايا الخطيرة المذكورة في مسودة التقييم السياسي، والمتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون في مصر. وبالتالي، لا يعد واضحًا مدى تأثير هذا التقييم السياسي على توجه وحجم عمليات البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية المستقبلية، أو ال المتنامية المترتبة على عدم امتثال مصر.

إن قرار البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية بشأن مصر، إحدى أكبر عملائه، سيمثل إشارة هامة حول مدى جدية البنك والتزامه بتفويضه ودوره السياسي، إلى جانب قدرته على تبني استراتيجية بناءة في سبيل استقرار مصر وتحقيق تنمية مستدامة بها. إن مواصلة عمليات الإقراض دون إصلاح حقيقي قد يؤخر فشل مصر قليلًا، لكنه لن يمنعه.

Share this Post