طالبت 7 منظمات حقوقية «صندوق النقد الدولي» بضمان أن أي برنامج قروض جديد لمصر سيوسع الحماية الاجتماعية، وسيعزز استقلالية القضاء، إلى جانب ضمان تصديه للفساد، ودعم الشفافية، بما يتضمن شركات الجيش. كانت الحكومة المصرية قد تقدمت رسميًا في 23 مارس 2022، بطلب دعم من صندوق النقد الدولي؛ بدعوى المساعدة في تخفيف التداعيات الاقتصادية الناتجة عن الغزو الروسي لأوكرانيا. وكان الصندوق قد وافق، منذ 2016، على 3 قروض لمصر بلغ إجمالي قيمتها 20 مليار دولار أمريكي.
وبحسب سارة سعدون، الباحثة في الأعمال وحقوق الإنسان بـ«هيومن رايتس ووتش» فإنه «برغم تقديم صندوق النقد الدولي قروضًا لمصر بـ 20 مليار دولار منذ 2016؛ إلا أنه عجز عن تنفيذ الإصلاحات اللازمة للتصدي بشكل فعال لدور الجيش المتنامي دون مساءلة في الاقتصاد، أو لتوسيع شبكة الأمان الاجتماعي لحماية الحقوق الاقتصادية للأفراد. كما لا يزال التقدم في الإصلاحات الضرورية بعيد المنال، وأصبح ملايين المصريين يتعرضون بشكل متزايد للصدمات الخارجية للاقتصاد العالمي».
ينبغي على صندوق النقد والسلطات المصرية رفض أي برنامج قروض يرفع تكلفة المعيشة دون زيادة الاستثمار بشكل كبير في برامج الحماية الاجتماعية الشاملة؛ في سبيل ضمان الحق في مستوى معيشي لائق، بما فيه الغذاء، للجميع.
ووفقًا لـ«الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء» المصري؛ فقبل تفشي الجائحة، كان واحد من كل ثلاثة مصريين -حوالي 30 مليون شخص- يعيشون تحت خط الفقر الوطني، ويواجه مثلهم خطر الفقر، بحسب «البنك الدولي». في المقابل، يغطي برنامجا التحويلات النقدية المصريان «تكافل» و«كرامة» 11 مليون شخص فقط، تاركين عشرات الملايين يعيشون في الفقر، أو معرضين لخطره، في ظل تصاعد أسعار الكثير من السلع الأساسية، خاصةً المواد الغذائية.
برنامج «تكافل» المصري، يدعم الأسر الفقيرة ممن لديهم أطفال دون 18 عامًا، بشرط حضور المدرسة والخضوع للفحوصات الصحية. بينما يغطي برنامج «كرامة» ذوي الدخل المنخفض ممن تزيد أعمارهم عن 65 عامًا، والأشخاص ذوي الإعاقة، والأيتام. وأطلقت مصر هذين البرنامجين في 2015 بدعم من البنك الدولي؛ للتخفيف من تأثير التدابير الاقتصادية والمالية الشاملة التي نفذتها بموجب اتفاقية صندوق النقد بين عامي 2016 و2019، والتي تسببت في رفع تكلفة المعيشة، وزيادة معدلات الفقر وعدم المساواة.
توسيع تغطية وأعداد المنتفعين بهذه البرامج يكتسب أهمية خاصة في ضوء التدابير الحكومية التي تضر بذوي الدخل المنخفض على وجه الخصوص؛ فالدولة المصرية تدعم بشكل كبير واردات المواد الغذائية لضمان إتاحتها بأسعار معقولة لسكانها البالغ عددهم أكثر من 102 مليون نسمة. إلا أنه في أغسطس 2021، وقبل الارتفاع الكبير الأخير في الأسعار، أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي عن تخفيض برنامج دعم الخبز المستمر لعقود، ويستفيد منه قرابة 70 مليون مصري. وفي السياق نفسه، خفضت الحكومة دعمها لزيت عباد الشمس وزيت فول الصويا بنسبة 20%، والزيت النباتي غير المخلوط بنسبة 23.5% بسبب الضغط المتزايد على ميزانية الحكومة بعد ارتفاع الأسعار.
تفشي جائحة كوفيد-19، إلى جانب الغزو الروسي لأوكرانيا، تسببا في مفاقمة الصعوبات الاقتصادية التي يواجهها المصريون، الأمر الذي يعزز من أهمية توسيع شبكة الأمان الاجتماعي في البلاد. ففي فبراير الماضي، وفي أعقاب ارتفاع الأسعار الناتج عن الأزمة الأوكرانية، بلغ معدل التضخم في البلاد 8.8%.
وبشكل خاص، تعد مصر من الدول المعرضة لصدمات كبيرة في الأسعار باعتبارها أكبر مستورد للقمح في العالم، ويأتي 80% منه من أوكرانيا وروسيا. ومنذ بدء الغزو، ارتفعت أسعار الخبز في القاهرة الكبرى بنسبة 50%، بحسب تقارير إعلامية. وفي 20 مارس الماضي، أصدر رئيس الوزراء مصطفى مدبولي قرارًا بتحديد أسعار الخبز غير المدعوم؛ كاستجابة طارئة للأسعار المتزايدة بشكل حاد. ورغم أنه كان متوقعًا أن تعلن الحكومة المصرية مقدار خفض دعم الخبز بحلول نهاية مارس؛ إلا أنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت هذه الخطط ستنفذ في ظل الأزمة الحالية.
في 21 مارس، وفي محاولة للتخفيف من الأثر الاقتصادي للغزو الروسي، أعلنت وزارة المالية عن مجموعة من الإجراءات الطارئة، منها تخصيص 2.7 مليار جنيه مصري إضافي (148 مليون دولار) لإضافة 450 ألف أسرة جديدة لبرنامجي تكافل وكرامة، بزيادة قدرها 12%. وكذا رفع مخصصات كل أسرة بنسبة 1.5%. إلا أن هذه الزيادة لا تزال غير كافية لدعم الملايين الذين لا يزالوا معرضين لخطر الفقر بشكل حاد.
وينبغي على صندوق النقد الدولي أخد الضرائب التصاعدية بعين الاعتبار، عند النظر في تدابير زيادة الإيرادات الحكومية، وخفض الديون، وتمويل توسيع الحماية الاجتماعية. فبحسب تقرير لـ«لمبادرة المصرية للحقوق الشخصية»، فإن أفقر 10% من المصريين ينفقون 6.4% من مداخيلهم على ضريبة القيمة المضافة المفروضة كجزء من برنامج صندوق النقد الدولي، بنسبة تقارب ضعف ما يدفعه أغنى أغنياء البلاد، الذين ينفقون 3.3%. وفي السياق نفسه، رفع قانون ضريبة الدخل الصادر في أبريل 2020 معدل الضريبة على من يكسبون 400 ألف جنيه مصري (25 ألف دولار) أو أكثر من 22.5 إلى 25 %، وهي خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنها لا تزال منخفضة نسبيًا وفقا للمعايير الدولية.
كما على صندوق النقد إدراج تدابير في أي ترتيبات مستقبلية مع مصر لاستعادة استقلالية القضاء، وهو أمر أساسي للنمو الاقتصادي ومحاربة الفساد. احتلت مصر المرتبة 136 من 139 دولة في «مؤشر سيادة القانون» التابع لـ «مشروع العدالة العالمية» لعام 2021، مع درجات منخفضة للغاية في عوامل الإنفاذ التنظيمي، والعدالة المدنية، والعدالة الجنائية. كما ساهمت التعديلات الدستورية التي أقرها البرلمان المصري عام 2019 في تقويض استقلالية القضاء، بمنحها الرئيس سلطات إشرافية غير مقيدة على القضاء والنائب العام، فضلًا عن سلطة تعيين رؤساء الهيئات والسلطات القضائية.
كان صندوق النقد الدولي قد سبق وجعل النهوض باستقلالية القضاء جزءً أساسيًا من برامجه؛ ففي أوكرانيا على سبيل المثال، حجب صندوق النقد في فبراير 2021 الدفعة الثانية من قرض بـ 5 مليارات دولار لأسباب من بينها أن الحكومة لم تحرز تقدمًا كافيًا في الإصلاح القضائي. وبعد أربعة أشهر، أقر البرلمان الأوكراني مشروع قانون لإصلاح المجلس الذي يختار ويقيّم القضاة.
كما يعد ضروريًا أن يضمّن صندوق النقد شروطًا قوية لمكافحة الفساد، مثل استعادة استقلالية «الجهاز المركزي للمحاسبات» المصري؛ خاصةً في ظل تقويض الحكومة المصرية لاستقلالية هيئات مكافحة الفساد، وعدم تنفيذها لقوانين مكافحة الفساد. كان الرئيس السيسي قد أصدر في يوليو 2015 مرسومًا يسمح له بإقالة رؤساء عدد من الأجهزة الرقابية، بما فيها الجهاز المركزي للمحاسبات، وهو هيئة مستقلة لرصد الفساد. كان القانون يمنع سابقا الرئيس من إقالة رؤساء الأجهزة دون سبب.
في مارس 2016، أقال الرئيس السيسي هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، بعدما أبلغ عن خسائر بقيمة 600 مليار جنيه (نحو 76 مليار دولار حينها) بين 2012 و2015 بسبب الفساد الحكومي. في وقت لاحق عام 2016، أدانت محكمة بالقاهرة جنينة بتهمة نشر معلومات كاذبة.
كجزء من تركيزه على الفساد، على صندوق النقد أن يعلن بوضوح أن تدابير الشفافية المتعلقة بالمؤسسات المملوكة للدولة تمتد لتشمل شركات الجيش، ويجب أن يتحقق بشكل مستقل من أن هذه الإفصاحات جزء من مراجعاته. ولا تخضع شركات الجيش لأي إشراف مستقل أو مدني، الأمر الذي يحرم المصريين من الوصول للمعلومات اللازمة لتقييم التكاليف والمستفيدين من المشاريع الممولة من القطاع العام. وفي 2019، وجد تقرير شامل أن شركات الجيش المصري تعمل في سرية تامة تقريبًا، وتخفي «أوجه القصور والخسائر الخفية»، برغم حصولها على «حصة غير متناسبة من الإيرادات العامة».
التوسع الاقتصادي الشرس للجيش ترافق مع تصاعد القمع السياسي، بما فيه قمع نخبة رجال الأعمال الذين يُعتبرون معارضين سياسيين. في ديسمبر 2020 وفبراير 2021، اعتقل «قطاع الأمن الوطني» صفوان ثابت ونجله سيف ثابت، صاحبَي «شركة جهينة»، إحدى أكبر منتجي الألبان، بعدما رفضا تسليم أسهم في شركتهما إلى شركة تملكها الدولة بسب تقارير. ومنذ ذلك الحين، لا يزال الرجلان محبوسين انفراديًا. ينبغي على صندوق النقد، على الأقل، المطالبة بالشفافية بشأن دور شركات الجيش في الاقتصاد المصري.
ترتبط الشفافية بشكل وطيد بدور المجتمع المدني ووسائل الإعلام، لا سيما بسبب عدم ضمان الثقة بالإحصاءات الرسمية. على صندوق النقد الضغط على السلطات المصرية لوقف قمع حرية التعبير وتكوين الجمعيات بإطلاق سراح الصحفيين والبرلمانيين والمدافعين عن حقوق الإنسان المسجونين بخلاف القانون، وكذلك مراجعة إدانة رئيس الجهاز السابق هشام جنينة عام 2018.
قال تيموثي كالداس، زميل السياسات بـ «معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط»: «إن كان صندوق النقد الدولي جادًا بشأن المساعدة في تحسين الحوكمة في مصر وبناء اقتصاد لصالح جميع المصريين؛ فعليه تغيير نهجه بشكل كبير. يجب أن ينهي تجاهله لعشرات ملايين المصريين الذين يعيشون في الفقر، وللتوسع الهائل في الدور الغامض للجيش في الاقتصاد».
المنظمات الموقعة:
- الأورو-متوسطية للحقوق
- مبادرة الحرية
- المدافعون عن الحقوق المدنية
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
- مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط
- معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط
- هيومن رايتس ووتش
Share this Post