عقد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان مساء الثلاثاء 7 مايو 2024، ندوته الشهرية في إطار صالون ابن رشد، تحت عنوان «ما هي خيارات العالم العربي في ظل الاستقطاب الإسرائيلي الإيراني العنيف؟». استضاف الصالون الصحفي والكاتب اللبناني حازم صاغية، والكاتب السوري ياسين الحاج صالح، والباحث في معهد الشئون الدولية الإيطالي د. روبرت سبرينجبورج فيما أدار اللقاء الحقوقي التونسي مسعود رمضاني.
افتتح روبرت سبرينجبورج حديثه بأن إيران تتشابه كثيرًا مع إسرائيل في دورهما بالمنطقة، كونهما دول «هدامة»، ففيما تهدد إيران سيادة خمس دول عربية على الأقل، بما في ذلك فلسطين من خلال دعم حماس؛ تقوض إسرائيل وتهدم الدولة الفلسطينية من خلال الهيمنة على السلطات الفلسطينية في غزة والضفة الغربية، وتغذية الصراع بين فتح وحماس ما قبل 7 أكتوبر 2023. وبحسب سبرينجبورج ربما يتطلع بعض الأطراف في الشرق الأوسط إلى صراع بين إيران وإسرائيل؛ لعله ينتهي بعدو واحد بدل استمرار العداوة مع كليهما، ولكن مع التأكيد دائما أن «عدو عدوي ليس صديقي»، وأن كلاهما يكن عداءً واضحًا لمفهوم الدولة وحالة الاستقرار في العالم العربي. وفي غياب دول متماسكة، من المستحيل حماية حقوق الإنسان أو حماية الديمقراطية.
وفيما أكد ياسين الحاج صالح، على عداوة إسرائيل وإيران على حد سواء للدول العربية، أشار إلى أن أطراف عربية تستفيد من الصراع والخصومة بينهما، ولكن الأخطر أن تنامي النفوذ الإيراني يعزز القوى الإسرائيلية، لأنه يعزز بدوره الضعف العربي ويساهم في مزيد من «تدمير» الدول العربية. وفي هذا السياق تمارس إيران دورًا كارثيًا يشابه دور إسرائيل، فإيران تسيطر بصور مختلفة على 4 دول عربية، وهي المحرك للانقسامات الطائفية في العراق ولبنان واليمن وسوريا. كما أنها أكبر قوة إقليمية داعمة لمليشيات متنوعة، مثلما يتضح الأمر في العراق ولبنان واليمن وحتى في سوريا التي تعد «دولة مميلشة». وأضاف صالح: أن المحرك الرئيسي للتنازع بين إيران وإسرائيل يتمثل في الصراع على النفوذ الإقليمي، والذي يتغذى بشكل ما على ضعف أنظمة السلطة في بلدان المنطقة، وتآكل النظام الإقليمي في الشرق الأوسط، حيث تمتلك أمريكا الكلمة العليا وتابعتها إسرائيل، إلى جانب دور الفاعلين الإقليميين الأكبر إيران وتركيا.
هذا الصراع على النفوذ الإقليمي قد عززته حسب حازم صاغية مجموعة من الأسباب، التي انعكست بشكل واضح في نشأة العديد من الوطنيات في العالم العربي، مستقلة عن بعضها البعض، وغير معنية ببعضها البعض، وحتى في خضم محاولاتها السابقة أن تبدو متماسكة من الخارج إلا أنها في حقيقة الأمر مفتتة تمامًا من الداخل. ولعل أوضح مثال على ذلك هو رد الفعل العربي إزاء ما يحدث الآن في غزة والسودان. والكارثة الكبرى أن هذه الجماعات الوطنية عاجزة تمامًا عن تشكيل مواقف وطنية أو إقليمية مؤثرة وضاغطة. وذلك نتيجة عدة أسباب على رأسها أنظمة القهر والاستبداد الحاكمة في المنطقة، وتعطيل الحريات وتعطيل المبادرات الجماعية والفردية، وغياب المكون الثقافي الذي يتعامل مع فكرة «الوطن» كوحدة وقيمة مشتركة.
وقد أضاف صالح للأسباب المشار إليها؛ تفتت المجتمعات العربية من الداخل، والذي يعد نتاجًا لتفاعلات بين التدخلات الخارجية من جهة الفاعلين الإقليميين والدوليين الكبار، وبين أنظمة السلطة القمعية الموروثة، مثل تجربة حكم الأسد في سوريا أو حكم صدام حسين في العراق، والتي لم يتم تجاوزها رغم مرور أكثر من 20 عامًا على سقوطها. وفي هذا السياق أشار صالح أيضًا لصعوبة استقرار المنطقة في ظل وجود دول مثل إيران وإسرائيل وتركيا بشكلها الحالي، موضحًا أن تحقيق أي تغيير على مستوى الأمن الإقليمي يقتضي تغيرات على مستوى الفاعلين الكبار في المنطقة، وكذا على مستوى القوى العالمية مثل أمريكا وروسيا. وأن التحول الرئيسي يجب أن يحدث أولاً داخل أنظمة السلطة في الدول العربية، والتي وصفها بأنها «المنبع الديناميكي للكوارث»، ضاربًا المثل بنظام الأسد الدموي، ونظام السيسي الذي اعتبره مزيج من الطغيان والفساد والتخاذل عن الدفاع عن المصلحة الوطنية المصرية، موضحًا أن الخسارة الأكبر في هزيمة الثورات العربية تتمثل في فشل محاولة وضع البلاد العربية على طريق الإصلاح.
وهو ما أكده بدوره سبرينجبورج، مشيرًا لأن الدول السلطوية في العالم العربي مثل مصر، وتونس، والأردن، والمغرب، والجزائر تفتقر للقدرة على التصرف بشكل مستقل؛ وذلك نتيجة اعتمادها بشكل متزايد على الدعم المالي (خاصة من الإمارات والسعودية)، أو لأنها مدعومة من القوى العالمية سواء كان الغرب، أو روسيا، أو الصين، أو صندوق النقد الدولي، أو البنك الدولي. وهذا النفوذ (القائم بالأساس على الدعم المالي) للإمارات والسعودية، اعتبر سبرينجبورج أن إسرائيل شريكًا أساسيًا في صنعه، معتبرًا أن الفضل يرجع لإسرائيل جزئيًا في تصاعد نفوذ (الأسر الحاكمة في هذه الدول)، لافتا الانتباه لدور هذه الدول الداعمة للنظم السلطوية في إضعاف حقوق الإنسان المتبقية في دول مثل تونس ومصر والمغرب والأردن.
بينما موقف إيران من الإمارات والسعودية، يتعلق بالرغبة في السيطرة؛ إذ تشكل إيران تهديدًا فعليًا لجميع دول الخليج، لكن إيران لا تريد الدخول في صراع مباشر مع دول الخليج أو إسرائيل. وإنما تستخدم وكلائها لتنفيذ تطلعاتها. لكن على الجهة الأخرى تتشابه إيران ودول الخليج، في أن لديهما اهتمامات أساسية بالإبقاء على النظم السلطوية الحالية في الشرق الأوسط. فكلاهما غير معنيين بحريات الأفراد في مقابل الحفاظ على الأنظمة المستبدة أو الميليشيات الحاكمة.
واختتم صالح كلمته ردًا على السؤال الأساسي للصالون حول خيارات العالم العربي في ضوء هذا الاستقطاب الإيراني الإسرائيلي؛ أن الأولوية لأن تتطور مؤسسة الحكم داخل الدول العربية، وأن تأتي أنظمة لا تعامل البشر كفائض مستباح، يُسجن ويُعذب ويُقتل. إذ أن الحد الأدنى من الحماية لحياة الشعوب، وتأمين شروط ومتطلبات الحد الأدنى من النقاش العام وإتاحة المجال لآراء مختلفة وحلول مبتكرة ربما يصنع تغيير. فلا سبيل للتقدم إلا إذا شارك أكبر قطاع من الناس بالنقاش والعمل والتغيير؛ «الأمر ليس بارود ودم فقط».
وفيما أقر سبرينجبورج بصعوبة التغلب على حالة الاستقطاب هذه، أعتبر أن الخيار الوحيد هو محاولة تحسين حياة الأفراد في العالم العربي، الأمر الذي بإمكان الشعوب العربية مواصلة الحشد من أجله. معتبرًا أنه من دواعي التفاؤل أن هذه الشعوب التي أضحت على مستوى تعليمي أفضل صار لديها وعي أكبر بحقوقها وبدأت تطالب بها بشكل مكثف فقط هذه الطاقة للتغيير تحتاج فقط إلى توظيف، والأمل في ذلك.
وقد تمنى صاغية أن يكون مخطأ في نظرته المتشائمة لصعوبة إصلاح النظم الحاكمة الآن في المنطقة، أو دفع الأنظمة العربية الحالية لمعاملة شعوبها بإنسانية واحترام، أو نجاح الشعوب العربية في فرض إراداتها وحقوقها على السلطات المستبدة؛ وذلك في ظل تفتت الشعوب العربية من الداخل وتنامي الاستقطاب الداخلي الديني والأيديولوجي، والأهم غياب الاستقرار عن المنطقة بما لا يسمح لهذه الشعوب بمواجهة السلطوية في الداخل.
شاهدوا التسجيل الكامل للندوة هنا:
Share this Post