الحق في الصحة أحد حقوق الإنسان الشاملة والأساسية[1]، ويتعين على الدول توفيره لكافة الأشخاص دون تمييز أو استثناء[2]، بما يتضمن توافر الرعاية الصحية وبناء المستشفيات، وضمان صلاحية مياه الشرب وتوفير شبكات صرف صحي مناسبة، بالإضافة إلى التغذية الكافية والسكن. كذا يتعين على الدول ضمان إتاحة مرافق الرعاية الصحية العامة والسلع والخدمات الطبية، وتسهيل الوصول إليها بشكل فعلي. المنظمات الحقوقية الموقعة أدناه تطالب لجنة تقصي الحقائق الأممية بإجراء تحقيق عاجل في مزاعم إنكار الحق في الصحة للمهاجرين وطالبي اللجوء في ليبيا، ما أدى بدوره لفقدان بعضهم حقهم الأساسي في الحياة، مؤكدة أنه إضافة إلى هشاشة وضعهم، ضاعفت الجائحة بطول أمدها من معاناتهم، وتركتهم محاصرين في ليبيا ليموتوا.
في 6 يناير 2021 توفي «شعيب»، شاب صومالي (19 عامًا) في طرابلس بسبب نقص الرعاية الصحية. ولا تعد هذه الحالة الأولى أو الوحيدة؛ إذ قد يعاني آخرون من المصير المأساوي ذاته إذا لم تتخذ السلطات الليبية والمنظمات الدولية والمجتمع الدولي إجراءات عاجلة في هذا الصدد. كان «شعيب» من بين عشرات الصوماليين الذين اختطفتهم جماعات الإتجار بالبشر في «بني وليد» ضمن مئات الجنسيات الأخرى، حيث يعانوا من ممارسات منهجية من العمل القسري والتعذيب. وفي سبيل تحريرهم، يتعين على أقارب المهاجرين دفع فدية، فإذا لم يدفعوا يتم تعذيب ذويهم واستخدامهم في العمل القسري حتى تتدهور حالتهم الصحية، وفي أفضل الأحوال يلقون في الشارع على قيد الحياة في حالة مزرية.
«ياسين» فتى صومالي قاصر، كان شاهدًا على مقتل «شعيب» في طرابلس، وهو أحد الناجين من الاختطاف والتعذيب في «بني وليد». يُعالج «ياسين» الآن في المستشفى من مرض السل، لكنه يحتاج إلى دعم جسدي ونفسي كافٍ وشامل للشفاء. وسيعاني الكثيرون مثل «شعيب وياسين» بالشكل المأساوي نفسه إذا لم يتلقوا الدعم والرعاية الصحية المناسبين.
يحتاج ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بما في ذلك ضحايا التعذيب لرعاية طبية جسدية ونفسية متخصصة، خاصةً إذا ما كانوا مرضى بأمراض مزمنة مثل السل، إلا أن الوصول لهذه الرعاية الطبية يعد صعبًا للغاية بالنسبة للمهاجرين وطالبي اللجوء في ليبيا؛ نظرًا لافتقداهم للوضع القانوني، رغم التزام ليبيا بذلك بموجب المواثيق والمعاهدات الدولية التي تفرض عليها حمايتهم. إذ يعجز المهاجرون وطالبوا اللجوء عن الوصول للمستشفيات العامة –المدمرة بسبب الحرب المطولة والفساد والوباء– خوفًا من الاعتقال التعسفي أو التعرض للمضايقات سواءً من القطاع الأمني، أو من الجماعات المسلحة التي تستهدف المباني الطبية والموظفون أنفسهم، ناهيك عن صعوبة تلقي العلاج في العيادات الخاصة باهظة الثمن والمكلفة للغاية.
على الجانب الأخر تمنع وتعرقل القيود المفروضة من السلطات في الشرق و الغرب’ ,على حرية تكوين المنظمات، والمضايقات الأمنية بحق ممثلي الجمعيات والنشطاء، عمل المنظمات المحلية والدولية من تقديم الدعم الكافي لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان.
في ديسمبر 2020، كانت «مهجة»، وهي رضيعة (17 شهرًا)، أبنة طالب لجوء سوداني في ليبيا، بحاجة لعملية زرع نخاع شوكي، وهو ما لم يكن متاحًا في ليبيا؛ إذ توقفت عمليات إعادة توطين اللاجئين والإجلاء الطارئة، والمحدودة للغاية مع بداية الوباء، فكانت «مهجة» واحدة بين كثيرين ممن عانوا العواقب مما كلفها حياتها.
في أغسطس 2020 في مدينة طرابلس (المدينة القديمة)، توفي الشاب «عبد الرحمن جمعة» وهو مواطن صومالي مسجل لدى المفوضية السامية لحقوق الإنسان كطالب لجوء، وتُرك جثمانه لأكثر من 11 ساعة رغم علم موظفي المفوضية بوفاته، حتى تدخلت السفارة الصومالية واستكملت الإجراءات. كان «عبد الرحمن» أحد ضحايا عصابات الإتجار بالبشر ممن ألقوا على جانب الطريق، وكان واضحًا من حالته وقتها مدى حاجته للعلاج والمكوث في المستشفى.
في 14 يناير نددت 32 منظمة وجمعية حقوقية في بيان مشترك بما اعتبروه «إهمالًا» من مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين في دعم قضية «شعيب»، والافتقار إلى التفاعل والمهارات اللازمة لدعم ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان والفئات الضعيفة من قبل المنظمات المحلية. كما استنكرت المنظمات العاملة مع المهاجرين عدم الرد على الخط الساخن للدعم، وفي حالات الرد النادرة فإن الدعم المُتلقَّى قصير جدًا وأساسي، ودون متابعة طبية كافية.
في عام 2019، ذكرت مراجعة داخلية بشأن نشاط مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين في ليبيا أن «البعثة لم تتمكن من إثبات استخدامها للموارد بفعالية وكفاءة في توفير الاحتياجات الأساسية للأشخاص المعنيين، كما أدى نقص التقارير إلى زيادة مخاطر تشويه سمعة المفوضية». وفي 2020، ووفقًا لمفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين في ليبيا، تم إعادة ما لا يقل عن 11 ألفًا من المهاجرين وطالبي اللجوء إلى ليبيا. ووفقًا لمنظمة أطباء بلا حدود، لقي ما يقرب من 700 شخصًا مصرعهم أثناء محاولتهم الهروب من ليبيا عبر البحر الأبيض المتوسط.
وعليه، تتقدم المنظمات الموقعة بالتوصيات التالية للجهات المعنية:
1- حماية المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء
وفي هذا الصدد، ندعو الحكومة الإيطالية والاتحاد الأوروبي إلى:
- حجب الدعم عن الوكالات الساحلية والبحرية حتى تستوفي الشروط المناسبة، وتبدي الاعتبار الواجب لتطبيق القانون، وتعمل وفقًا لمبادئ حقوق الإنسان.
- وقف الاعتداءات على المهاجرين ومحاولات تجريم سفن الإنقاذ التي تديرها المنظمات الإنسانية الدولية، والسماح لهم بالعمل بحرية، واحترام الالتزامات الدولية في هذا الصدد.
كما ندعو السلطات الليبية إلى:
- تمكين منظمات المجتمع المدني من زيارة أماكن الاحتجاز بشكل دوري دون قيود.
- وقف اعتقال واحتجاز التعسفي للمهاجرين طالبي اللجوء المسجلين لدي مكتب المفوضية السامية لشئون اللاجئين.
- اتخاذ الإجراءات اللازمة للإفراج عن جميع الأشخاص المحتجزين بسبب محاولتهم العبور إلى أوروبا كلاجئين واحترام كافة الالتزامات الدولية ذات الصلة.
- تعديل الإطار القانوني لتطبيق الحق في الحماية من خلال أداة شفافة تتفق مع التزامات ليبيا الدستورية والإقليمية والدولية.
- تعزيز الحماية القانونية للمهاجرين المعرضين لانتهاكات حقوق الإنسان داخل وخارج مراكز الاحتجاز.
- وضع إطار قانوني يضمن حماية حقوق الأشخاص الراغبين في تسوية أوضاعهم على الأراضي الليبية لغرض العمل، بناءً على احتياجات سوق العمل.
كما ندعو المفوضية السامية لشئون اللاجئين إلى:
- ضمان تدريب الموظفين الميدانيين ليكونوا قادرين على تقديم الدعم للفئات الضعيفة، وخاصةً ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان.
- ضمان المزيد من التواجد وإمكانية الوصول للدعم الطبي المناسب للأشخاص المعنيين.
- تطبيق برنامج الدعم المناسب لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، لا سيما النساء والقُصَّر، وتوفير الدعم المادي والنفسي الكافي والشامل.
2- الوصول للعدالة وتقديم المساعدة الطبية والنفسية لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان:
على الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة (بعثة الأمم المتحدة ومكتب تنسيق الشئون الإنسانية)، ووزارة الصحة تشكيل لجنة تحت رعاية بعثة الأمم المتحدة تضم أطباءً وخبراءً دوليين ومنظمات مجتمع مدني، يتمثل دورها في:
- تقييم الإطار القانوني والخدمات المقدمة للمساعدة الطبية، بما في ذلك إعادة تأهيل الصحة العقلية والنفسية لضحايا العنف المنزلي والعنف ضد المرأة وانتهاكات حقوق الإنسان.
- تقديم اقتراح لتطوير الإطار القانوني وتحسين وصول الضحايا إلى خدمات المساعدة القانونية.
- توفير المراكز الطبية –من خلال المجتمع المحلي، وبمشاركة منظمات المجتمع المدني– وخدمات المساعدة النفسية وإعادة تأهيل الضحايا، خاصةً للفئات الأكثر عرضة للانتهاكات مثل: النساء والأطفال والمشردين والمهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين وسكان المناطق النائية.
3- حرية التنظيم وتكوين الجمعيات:
يتعين على بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي الضغط على المجلس الرئاسي ومفوضية المجتمع المدني ومجلس النواب، من أجل حماية الحق في حرية تكوين الجمعيات، وذلك من خلال:
- إلغاء القرارين 1-2 لمفوضية المجتمع المدني عام 2016 لما يمثلاه من تقويض لكل محاولات للعمل المدني وتعارضهما مع الإعلان الدستوري والتزامات ليبيا الدولية والإقليمية.
- إصدار مشروع القانون الجديد للجمعيات المعد من خبراء قانونين ليبيين وممثلين للمجتمع المدني، والذي يحمي حرية تكوين الجمعيات، بما يتماشى مع العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والإعلان الدستوري.
- وقف القيود الإدارية المفروضة على مفوضية المجتمع المدني ودعم دورها الفني في المساعدة والدعم، للحيلولة دون تحولها لكيان قمعي.
- إلغاء كافة القرارات التقييدية والتعسفية التي تتخذها السلطات التنفيذية بشأن تقييد هذا الحق.
- العمل بشكل عاجل على التعديلات الضرورية للإطار التشريعي المنظم لهذا الحق.
- ضمان منع اعتداءات الجماعات المسلحة المنضوية داخل المؤسسات الأمنية على هذا الحق وممارسته.
المنظمات الموقعة:
- تحالف الجمعيات الليبية لحقوق الإنسان (إئتلاف المنصة)
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
- جمعية الدراسات القانونية حول الهجرة
- الحركة الدولية لمراقبة حقوق المرأة الدولية في آسيا والمحيط الهادئ
- منتدى صيادي السمك الباكستاني
[1] تم توضيح العديد من الخصائص المهمة للحق في الصحة في التعليق العام رقم 14 (2000) بشأن الحق في الصحة، الذي اعتمدته اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
[2] اللجنة العامة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التعليق رقم 14، الفقرة. 18.
الصورة: مهاجرون يستقرون في ليبيا بعد فشلهم في الوصول إلى أوروبا. رويترز/ عصام عمران الفيتوري
Share this Post