نظم الائتلاف اليمني لحقوق الإنسان بالتعاون مع مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، مساء اليوم 1 يوليو، ندوة عامة بالأمم المتحدة، على هامش فعاليات الجلسة 56 لمجلس حقوق الإنسان، تحت عنوان (افتحوا الطريق) وذلك في إطار الحملة التي تبناها الائتلاف والمركز منذ مطلع هذا العام، وتفاعل معها العديد من المبادرات المحلية، والمواقع والمنابر الإعلامية، وملايين المواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي. وبعد نجاح الحملة بشكل كبير في الضغط على السلطات المحلية من أجل فتح بعض الطرق مؤخرًا، نواصل الضغط على أطراف النزاع في اليمن، من أجل فتح بقية الطرق الرئيسة، وضمان حماية المسافرين عليها من خطر الجماعات المسلحة، والألغام، وانعدام الخدمات. كما سيواصل الائتلاف الضغط على المجتمع الدولي أيضًا من أجل مواصلة السعي نحو فتح الطريق مجددًا نحو المساءلة عن الجرائم المتواصلة في اليمن بحق المدنيين وخاصة النساء والأطفال.
الندوة التي حضرها بعض أعضاء وفود النمسا وبلجيكا وسويسرا، وأحد أعضاء مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان؛ استضافت كل من؛ بهية السقاف – رئيسة مؤسسة PASS سلام لمجتمعات مستدامة، ومهدي بلغيث رئيس منظمة مساءلة لحقوق الإنسان، وثريا دماج رئيسة تحرير يمن فيوتشر للتنمية الثقافية والإعلامية. وأدارت النقاش ميساء العاشق، مسئولة المناصرة الدولية بمركز القاهرة.
بدأت بهية السقاف كلمتها بالإشارة للنتائج الكارثية لفشل الجهود الإقليمية والدولية في الحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار بين الحكومة وجماعة أنصار الله الحوثي(الحوثيين)، بما في ذلك تعقّد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، مشيرة إلى أنه فيما تُراكم كافة المليشيات والقوى المسلحة مكاسبها الاقتصادية المرتبطة باقتصاد الحرب، تزداد أوضاع المواطنين الاقتصادية والاجتماعية سوءً.
وبحسب السقاف، فشل اجتماع المانحين في مايو الماضي في بروكسل في تأمين التمويل اللازم لتغطيه خطه الاستجابة الإنسانية الطارئة لليمن، ولم يتجاوز التمويل المعلن (ربع) التمويل المطلوب؛ وهو أدنى تمويل التزم به المانحون منذ بدء الصراع؛ في دلالة على تراجع اهتمام المجتمع الدولي الإنساني بواحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم. وتؤكد السقاف أن تراجع تمويل البرامج الإغاثية لمنظمات الأمم المتحدة العاملة في اليمن والمنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني المحلية قد فاقم الوضع الإنساني، لا سيما بعد توقف بعض البرامج الإغاثية؛ وانسحاب برنامج الغذاء العالمي من العمل في مناطق سيطرة الحوثيين ذات الكثافة السكانية الأكبر.
هذا بالإضافة إلى حمله الاعتقالات القسرية في العاصمة صنعاء لأكثر من 50 موظفه وموظف في الهيئات الأممية والدولية والمنظمات المحلية بزعم التخابر مع أمريكا، وإطلاق حمله تشويه إعلامية ومجتمعية خاصه ضد النساء، واستخدمت منابر الإعلام والمساجد لحشد الرأي العام ضد من تم اختطافهم ووصمهم بالخيانة والعمالة لأمريكا والغرب. وعن ذلك تقول السقاف: «هذه سابقة من نوعها تهدد حياة كل العاملين في هذا المجال وأسرهم وخاصة النساء، وتشرعن لمزيد من الانتهاكات والتضييق على الفضاء المدني والحقوقي والإنساني والعامليين فيه». ومن ثم طالبت السقاف الدول الأعضاء بالأمم المتحدة بإعادة النظر في سياساتها إزاء الأزمة الإنسانية في اليمن، والضغط على أطراف الصراع لاحترام مبادئ حقوق الإنسان وتشكيل آلية تحقيق دولية مستقلة بشكل عاجل وفوري. كما طالبت أطراف الصراع المتواجدين حاليًا في سلطنةعمان (والتي تقود وساطة خاصة بملف الأسرى بين طرفي الصراع) بوضع ملف المعتقلين قسرًا على رأس أجندة أعمالهم والإفراج الفوري عن الجميع.
أما مهدي بلغيث فقد ركز في مداخلته على الوضع الإنساني والاقتصادي المفزع في مأرب، التي تحولت حد وصفه لـ «سجن كبير» حيث يعيش المواطنون في عزلة تامة عن باقي البلاد، محاصرين بين جبهات القتال والطرق المغلقة، محرومين من المساعدات الحيوية والرعاية الطبية. وقد استعرض بلغيث العديد من قصص المعاناة الإنسانية التي لا تنتهي في مأرب، بما في ذلك النساء الحوامل اللاتي يضطررن للسفر لمسافات طويلة للوصول لمستشفيات تفتقر للتجهيزات الأساسية، فيتعرضن وأطفالهن للموت. والأطفال المعاقون الذين يواجهون صعوبات في العلاج والتنقل عبر الطرق الصحراوية. فضلًا عن تسبب إغلاق الطرقات في مفاقمة معاناة النازحين الذين يشكلون نسبة كبيرة من سكان مأرب، حيث أكثر من 17,883 نازحًا يعانون من الأمراض المعدية و147 مخيم لا يوجد بها عيادة ثابتة. وعلى المستوى الاقتصادي أدت القيود المفروضة على التنقل إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية، وارتفاع تكاليف النقل التي تضاعفت بنسبة تفوق 208% مقارنة بعام 2013.
في توصياته ركز بلغيث على أهمية تدخل المجتمع الدولي لإنهاء معاناة المدنيين في مأرب بشكل عاجل وفعّال، من خلال دعم مبادرات الوساطة المحلية وتسهيل عملها الإنساني وفتح الطرقات. كما دعا بلغيث مكتب المبعوث الأممي لبذل المزيد من الجهود والضغط على أطراف النزاع للتسريع في فتح الطرقات الرئيسية في اليمن، وأولها طريقي (مأرب-نهم-صنعاء)، و(مأرب -صرواح-صنعاء)، مشيرًا لأهمية تحييد الطرقات والخدمات العامة من الصراع، وتسهيل وصول المواطنين لخدمات الصحة والتعليم.
أما ثريا دماج، فقد استعرضت في مداخلتها قصة حصار تعز من البداية، حتى أخر تطوراتها قبل أيام؛ مشيرًة إلى أن مشاهد تدفق المسافرين بكثافة بمجرد الإعلان عن فتح أحد طرق تعز الرئيسية مؤخرًا، يقدم خلاصة مكثفة عما صنعته سنوات الحصار بهؤلاء المدنيين. تقول دماج: «في السابق، كان الطريق بين تعز وعدن لا يستغرق أكثر من 3 ساعات ونصف، وحاليًا يستغرق الطريق للمسافر العادي 10 ساعات، بينما تحتاج ناقلات الشحن الثقيل إلى 22 ساعة للوصول لتعز». وتتابع دماج: «بحسب تقارير حقوقية ورسمية أدى عبور الطريق البديل (هيجة العبد) إلى وفاة 152 شخصًا وإصابة 21 بين عامي 2017 و2021جراء انقلاب المركبات. كما أن الطرق الوعرة والبديلة التي اتخذها السكان للتنقل في ظل الحصار تسببت في481 حادث مروري نتج عنها 374 حالة وفاة وإصابة 966 حالة وخسائر قدرت ب 475 مليون دولار».
في 13يونيو 2024 تم الإعلان عن فتح طريق جولة القصر بشكل منفرد من جماعة أنصار الله الحوثيين. ولكن الطريقة التي تم بها فتح الطريق والملابسات التي تحيط بهذه الخطوة تبعث على القلق، إذ تم اعتقال عدد من المدنيين العابرين والعائدين لمنازلهم من قبل أفراد أمنية تابعة للحكومة المعترف بها دوليًا، وبحسب مراقبين؛ هذه الخطوة بغير غطاء أممي واتفاق سياسي واضح قد تتعثر سريعًا.
وفي هذا السياق طالبت ثريا دماج أطراف النزاع بالرضوخ أمام المطالب الشعبية بفتح بقية الطرق وتحديدًا الطرق الرئيسية الثلاث الأخرى شرق وشمال المدينة (طريق حوض الأشراف، طريق كُلابة، وطريق عصيفرة الحوجلة)، وضمان حماية وكرامة المواطنين المتنقلين ومنع الاعتقالات التعسفية بما في ذلك تفتيش السيارات والهواتف والتعدي على خصوصية المواطنين والمواطنات. كما طالبت الحوثيين بتسليم خارطة الألغام الأرضية المزروعة في الأطراف المترامية حول مدينة تعز مشددة على مراقبة دولية وأممية لعمليات فتح الطرق ونزغ الألغام الأرضية منها.
في ختام الندوة استقبل المتحدثون مجموعة من المداخلات والأسئلة من الحضور، الذي تنوع بين ممثلي وفود الدول، ومسئولين أممين، وصحفيين دوليين، ومنظمات حقوقية إقليمية ودولية، ومدافعين عن حقوق الإنسان وحقوق النساء والفئات المهمشة والأقليات.
لمشاهدة الندوة:
Share this Post