يشعر مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ببالغ الأسي للمستوى المذهل من العصف بالمعايير القانونية الدولية في الصراع الحالي في غزة. ليس ثمة تبرير مقبول، تحت أي ذريعة، لعمليات التهجير القسري الجماعي التي تصل حد التطهير العرقي؛ والهجمات العشوائية بحق المدنيين، وإخضاع الفلسطينيين في غزه عمدًا لظروف معيشية يراد بها تدميرهم المادي جزئيًا أو كليًا، عبر الحصار المتعمد الذي يعرقل وصول كل الاحتياجات الحيوية، بما في ذلك الحيلولة دون وصول المياه النظيفة، وقصف المستشفيات ومرافق الأمم المتحدة المخصصة للإيواء. إذ تواصل إسرائيل على مدار الشهر الماضي عملياتها، ضمن منهج انتقامي؛ يتجاهل بشكل كامل ميثاق الأمم المتحدة والاتفاقيات القانونية الدولية الملزمة. مركز القاهرة يكرر دعوته الملحة لوقف إطلاق نار فوري وغير مشروط في غزة، وإطلاق سراح جميع الرهائن المدنيين المحتجزين فيها.
بعد شهر واحد من دخول حماس وغيرها من الجماعات الفلسطينية المسلحة إلى إسرائيل وقتل مئات المدنيين، واحتجاز أكثر من 200 رهينة في 7 أكتوبر؛ ردت إسرائيل بهجوم عشوائي وغير متناسب على غزة أسفر عن مقتل أكثر من 10,000 شخص، معظمهم من المدنيين، بينهم أكثر من 4000 طفلًا. ولم تقتصر الجرائم الإسرائيلية على غزة، بل امتدت إلى الضفة الغربية حيث قتل الجيش الإسرائيلي والمستوطنين الإسرائيليين 163 فلسطينيًا، وتم تهجير أعداد كبيرة من الفلسطينيين من أراضيهم. هذا الاستخفاف المتوحش بحياة المدنيين، والتضحية بكل بالمعايير القانونية الدولية، لا يمكن تبريره؛ فضلاً عن كونه يقوض مصداقية القانون الدولي، ويهدد السلام والأمن حتى خارج الحدود الجغرافية للصراع بين حماس وإسرائيل.
لقد تبنى كبار القادة العسكريين والسياسيين الإسرائيليين دعوات صريحة بالتطهير العرقي والقتل الجماعي العشوائي للفلسطينيين. هذه الدعوات دخلت حيز التنفيذ ضمن سلسلة من الهجمات المتكررة على المستشفيات والمرافق الحيوية الأخرى، والمدارس ومرافق الأمم المتحدة الأخرى والتي تضم الآلاف من المدنيين الملتمسين لمأوى. وقد لقي 88 من موظفي الأونروا على الأقل مصرعهم، وأكثر من 150 موظفًا بالقطاع الصحي.
أن شدة القصف الإسرائيلي على مساحة صغيرة من غزة في الأسابيع القليلة الماضية، تتجاوز حمولة المتفجرات التي أسقطتها الولايات المتحدة على أفغانستان على مر السنين. الأمر الذي دفع العديد من خبراء الأمم المتحدة إلى دق ناقوس الخطر مرارًا وتكرارًا بشأن الجرائم ضد الإنسانية في غزة، والارتفاع المطرد في أعداد القتلى في الضفة الغربية دون محاسبة، محذرين من خطر الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني.
إن الادعاء بحق إسرائيل (وهي قوة احتلال) في الدفاع عن نفسها لا يبرر التجاهل التام للقانون الدولي، وهو ادعاء يفتقر إلى المصداقية يستهدف التستر على مثل هذه الجرائم الصارخة. فضلا عن استمرار عرقلة إسرائيل للطلبات المتواضعة من الولايات المتحدة وحلفاؤها الآخرون من أجل فترات توقف إنسانية لتمكين الإمدادات الغذائية والطبية الأساسية من الوصول إلى السكان المدنيين اليائسين.
في بيان إيجابي في 8 نوفمبر، قال وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن إنه لا ينبغي أن تحتل إسرائيل غزة مجددًا ولا يجب أن يتم تهجير الفلسطينيين منها، لكن العمليات العسكرية الإسرائيلية الحالية داخل غزة، وتصريحات القيادات العسكرية الإسرائيلية المتكررة بضرورة الاحتفاظ بالسيطرة الأمنية على غزة تدحض رغبات الوزير المعلنة.
لقد حان الوقت لمحاسبة إسرائيل على تجاهلها الوقح للقانون الدولي، والذي يعرض أمن الجميع للخطر. وعلى المجتمع الدولي، بما في ذلك أقرب حلفاء إسرائيل؛ تأكيد دعمهم القوي لجهود المحكمة الجنائية الدولية، للتحقيق في جرائم الحرب وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتكبة من قبل جميع أطراف النزاع، والتأكد من أن لجنة التحقيق الأممية المستقلة بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة، لديها الموارد والدعم الدبلوماسي الذي يمكنها من الاضطلاع بعملها التحقيقي الضروري في الوقت المناسب.
القتل الجماعي للمدنيين الفلسطينيين لن يؤد إلا لتغذية دورة العنف الانتقامي، ومن ثم المزيد من المظالم والاضطهاد والتشريد. فوراء الادعاء بالإصرار على هزيمة حماس بنية الانتقام؛ رغبة ومسعى إلى تهجير مزيد من الفلسطينيين قسرًا من المزيد من أراضيهم.
Share this Post