في 28 أكتوبر، عقد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان الجلسة الشهرية لـ «صالون ابن رشد»، تحت عنوان: «حاضر الإسلام السياسي، ومستقبله»، وذلك على خلفية الإخفاق الذي تعرض له حزب النهضة التونسي مؤخرًا، بالموازاة مع خسارة العدالة والتنمية المغربي الانتخابات، وما صاحبهما من تعثر لتجربة التحول الديمقراطي، والتي مارست فيها حركات الإسلام السياسي دورًا حيويًا، منذ انطلاق الربيع العربي، وعلى اختلاف السياقات والتجارب.
استضاف الصالون صلاح الدين الجورشي، الكاتب والمحلل السياسي التونسي، ولوشيا أردوفيني، الباحثة المختصة بجماعة الإخوان المسلمين في مصر وزميلة المعهد السويدي للشئون الدولية، وعلي أنوزلا، الصحفي المغربي ومدير موقع «لكم». وأدار الحوار السياسي المصري، إسلام لطفي.
بدأ الحوار بمحاولة لقراءة التعثر الحالي، وماهية أسبابه ودلالاته؛ واتفقت لوشيا أردوفيني مع الجورشي في فشل الحركات الإسلامية في اختبار السلطة، رغم سابق نجاحها كحركات معارضة، وقدرتها على التعامل تحت الضغوط؛ لكنها شددت على الثورات، كعامل مهم أحدث تغييرات في الأوضاع والسياقات الاجتماعية، التي اعتادت هذه الحركات على العمل فيها. كما أشارت أردوفيني إلى عجز الحركات الإسلامية عن مواكبة إيقاع التغييرات المتسارعة، منوهةً لأثر الضغوط الخارجية، ومن ضمنها الاتهامات بالإرهاب ومعاداة الديمقراطية، فضلاً عن تحالف القوى الإقليمية والدولية ضد جماعة الإخوان، لا سيما الإمارات وفرنسا.
من جانبه، حمّل الجورشي حزب النهضة التونسي الجانب الأكبر من المسئولية عما آلت إليه الأوضاع في تونس، إذ جمع الحزب بين ضعف البرامج، وغياب الكوادر، بالإضافة لجهله بقواعد اللعبة الدولية. وبحسب الجورشي تخطت هذه الأمور مجتمعة حد الإخفاق، وصولًا لخلق أزمة ثقة شعبية في الطبقة السياسية، وفي العملية الديمقراطية برمتها، وبالتالي سمحت للرئيس التونسي بالسعي لنسف المنظومة، وبناء نظام سياسي آخر. واستثنى الجورشي جماعة الإخوان المسلمين في مصر، معللًا ذلك بأن الوقت لم يسعفها بما يكفي للحكم.
الصحفي المغربي علي أنوزلا اتفق مع الجورشي، في تحميله حزب العدالة والتنمية المغربي المسئولية الكاملة عما آلت إليه الأوضاع في البلاد، رغم استمراره في الحكم نحو عشر سنوات، معتبرًا أن هذه فرصة لم يحصل عليها حزب آخر. وفي الوقت نفسه، أكد أنوزلا على صعوبة تقييم تجربة الإسلام السياسي ككل، أو الخروج بأحكام نهائية؛ نظرًا لتباين التجارب والسياقات من جهة، واستمرار هذه التجارب في التفاعل في العديد من البلدان، من جهة أخرى، في ظل سياق غير مسبوق للانتقال الديمقراطي في المنطقة.
وبحسب أنوزلا لم يكن الإسلام السياسي صانعًا التغيير، وإنما المستفيد الأكبر منه، مشيرًا لعنصر المفاجأة، الذي ظهر جليًا في تردد الإسلاميين في نسب المشاركة أو المنافسة على الحكم. مضيفًا أن صعوبة المرحلة الانتقالية، التي وجدت فيها هذه الحركات نفسها في موقع القيادة، بالإضافة إلى أن السياق الدولي الذي انحسرت فيه موجة الديمقراطية، وتزامن مع صعود اليمين والقوميات، لم يكن مساعدًا لعملية الانتقال.
وبدوره، أشار إسلام لطفي لتعرض جماعة الإخوان في مصر لحالة تشظي غير مسبوقة، وكذا خسارة العدالة والتنمية في المغرب لقطاع كبير من شعبيته، وتلك الحالة الحرجة التي وجد النهضة التونسي نفسه فيها، في سياق انصراف الكثير من الشباب عن الأفكار المؤسسة للإسلام السياسي، وجنوح بعضهم إلى العنف، أو تعاطفهم مع تنظيم الدولة، أو حتى خروج بعض آخر من الدين برمته، في موجة إلحاد عارمة. متسائلًا عما إذا كان كل ذلك مجرد كبوة أو عثرة، في طريق معتاد للمحن والابتلاءات، بحسب أدبيات الحركة الإسلامية نفسها، أم أنها بالفعل لحظة تاريخية نهائية، في تاريخ الإسلام السياسي؟
وقد عارض كل من الجورشي وأنوزلا فكرة «نهاية الإسلام السياسي»، إذ رأى فيها الجورشي مصادرة على الواقع، نظرًا لتمتع الإسلام السياسي بقدرة عجيبة على الصمود، رغم الأخطاء، مشيرًا لقدرته على حماية نفسه، ونجاحه في تبرير فشله، والتذرع بالعوامل الخارجية والتعطيل. وكذا قدرته على العودة، بتغيير الخطاب أو القيادات، ولكن بقاءه مرهون بالاحتياجات الاجتماعية والدينية إليه، كعنصر من بنية المجتمع. واتفق أنوزلا مع هذه الرؤية، معتبرًا أن خسارة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الماضية يمثل نوعًا من التصويت العقابي، مشيرًا لقدرة الحزب على استعادة الكتلة التصويتية إذا أحسنت قياداته النقد الذاتي، وصوبت أخطاءها.
وقد اعتبرت أردوفيني، أن كلا الافتراضين صحيح، فمن ناحية قد تكون هذه مجرد عثرة لحركات الإسلام السياسي، ولكنها في الوقت ذاته لحظة تحول تاريخية، مؤكدةً على خطأ التفكير في الحركة كوحدة صلبة، وإنما هي اتجاهات مختلفة وديناميات مختلفة داخل كيان كبير، تتلاقى أفكارها اليوم في المنفى، وتتم مناقشة الأخطاء المرتكبة وكيفية معالجتها. كما أن الكثير من هذه الحركات تكونت ونشطت في ظل الاضطهاد، وتمتلك تاريخ طويل من العلاقات المضطربة مع الأنظمة السياسية، ويمكن اعتبار هذه مرحلة أخرى، لا تمثل نقطة تحول حتى الآن.
وحول الآثار والتداعيات المحتملة، حال نهاية مشروع الإسلام السياسي، وتأثير هذا على مشروع التغيير والتحول الديمقراطي في المنطقة، أكد الجورشي أهمية هذا التساؤل، لأن افتراض نهاية الإسلام السياسي يحيلنا إلى حالة فراغ! متسائلًا عن القوى والأحزاب والحركات السياسية القادرة على ملء الساحة في المنطقة العربية. ومشيرًا في الوقت نفسه إلى الأزمة البنيوية للأحزاب العربية، قديمها وحديثها.
في المقابل أكدت أردوفيني أن باستطاعة حركات الإسلام السياسي استعادة الثقة، وتكوين قاعدة وحاضنة شعبية، لا سيما في ظل الأزمات المتصاعدة في المنطقة، وانعدام الثقة في النسيج المجتمعي بين الحكام والمحكومين. متسائلةً حول البعد الدولي، وماهية اللاعبين الدوليين، وطبيعة دورهم؟ قائلةً: «نحن نعرف أن هناك حملات ضد الحركات الإسلامية، وأن الكثير لا يرغبون في أن تلعب هذه الحركات أي دور؛ إذن القوة الجيوسياسية لعبت دورًا كبيرًا».
أما أنوزلا فيرى أن مطلب التحول الديمقراطي سيظل قائمًا، سواء استمرت الأحزاب الإسلامية أو اختفت، لأنه مطلب شعبي، فضلًا عن كونه حتمية تاريخية، مؤكدًا أن الإسلام السياسي يمكن أن يظل فاعلًا، إن استفادت حركاته من أخطائها، ومارست النقد الذاتي، وتصالحت مع المجتمع، وبنت توافقات مع التيارات الأخرى. مضيفًا أنه يتعين عليها أولًا إعادة بناء بيتها الداخلي، والفصل بين السياسي والدعوي. مختتمًا الحديث بأن المستقبل سيكون لمن يملك الإرادة السياسية للتغيير، وتحقيق العدالة الاجتماعية، واحترام حقوق الإنسان.
لمشاهدة الجلسة باللغة العربية هنا
Share this Post