في رسالة مشتركة يوم الأمس، 6 سبتمبر 2022، دعت منظمات مجتمع مدني إقليمية ودولية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى الدفع من أجل إجراء تحقيق دولي بشأن جرائم الحرب في اليمن، خلال الجلسة المرتقبة خلال الشهر الجاري لمجلس حقوق الإنسان. وحذرت الرسالة من عواقب وخيمة قد تطول ملايين المدنيين في اليمن، إذا انحاز المجتمع الدولي مرة أخرى عن سبيل المساءلة. فرغم الإعلان مؤخرًا عن هدنة في اليمن، لا يزال الوضع الإنساني بائسًا؛ إذ تجددت الاشتباكات المسلحة، في الأسابيع الأخيرة، مما أسفر عن سقوط ضحايا من المدنيين جراء القصف والغارات التي تشنها الطائرات بلا طيار وغيرها من الهجمات.
في أكتوبر 2021، تم حل فريق الخبراء الأمم المتحدة البارزين بشأن اليمن، بعدما رفضت الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان، بفارق ضئيل، قرارًا بتجديد تفويضه، بعد حملة ضغط قوية شنتها المملكة العربية السعودية، باعتبارها أحد الحكومات المتهمة بارتكاب جرائم حرب في اليمن. لذلك طالبت الرسالة المجتمع الدولي بـ؛ ” عدم الاكتفاء بالوقوف مكتوف الأيدي، والسماح لهذا التصويت بأن يكون الكلمة الأخيرة في جهود المساءلة الدولية عن انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب واسعة النطاق في اليمن”.
بعد فترة وجيزة من حل فريق الخبراء البارزين، اعترفت عشرات الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، في بيان أمام الجمعية العامة، بــ “الحاجة الملحة للمراقبة والتحقيقات المستقلة والحيادية في الجرائم المرتكبة في اليمن”، وحثت المجتمع الدولي على استكشاف المزيد من الآليات البديلة لضمان المساءلة عن هذه الجرائم.
يقول جيريمي سميث من مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، إن “الوعود الفارغة لن تنهي دائرة العنف والمعاناة الجماعية في اليمن، إذ ينبغي أن تبدأ الدول في اتخاذ خطوات ملموسة لضمان إجراء تحقيق دولي، بما في ذلك خلال الجلسة القادمة لمجلس حقوق الإنسان.”
في رسالة مشتركة للأمم المتحدة:
المساءلة الدولية والتحقيق المستقل ضرورة لتعزيز السلام الدائم في اليمن والعدالة للضحايا
بصفتنا منظمات مجتمع مدني يمنية وإقليمية ودولية، ندعو الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى العمل على تشكيل ألية تحقيق جنائية دولية مستقلة بشأن اليمن، خلال الجلسة الـ 51 لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة والمقرر انعقادها خلال الشهر الجاري. وتؤكد منظماتنا أن الهدنة اليمنية لا تزال ضعيفة؛ إذ لا يزال الوضع الإنساني في اليمن بائسًا، كما أن أطراف النزاع لم تحرز سوى تقدم ضئيل للغاية، يكاد لا يذكر، بشأن التصدي للانتهاكات والتجاوزات المتواصلة واسعة النطاق للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني. كما يبدو واضحًا افتقارها للنية في جبر الأضرار التي ألحقتها بالمدنيين طوال فترة النزاع. في الوقت نفسه، شهدت اليمن، أثناء الأسابيع الأخيرة، تجدد الاشتباكات المسلحة، مما أسفر عن سقوط ضحايا من المدنيين جراء القصف والغارات، التي تشنها الطائرات بلا طيار وغيرها من الهجمات. كل هذه العوامل تعكس الحاجة الملحة والحاسمة لتفعيل جهود المساءلة الدولية بشأن اليمن، وإجراء تحقيق دولي مستقل بشأن الجرائم المرتكبة فيها.
كانت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان قد أكدت أن «السلام الدائم مرتبط بالعدالة والتنمية واحترام حقوق الإنسان»، إلا أن المجتمع الدولي غفل تحقيق مبادئ العدالة والحقيقة والتعويض عن انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن المتصاعدة منذ إطاحة الاحتجاجات الجماهيرية المؤيدة للديمقراطية بحكومة الرئيس السابق علي عبد الله صالح في عام 2011. وعلى مدار الفترة بين عامي 2011 و2014، منحت مبادرة مجلس التعاون الخليجي لليمن، على النحو الذي أقره مجلس الأمن بالأمم المتحدة، الأولوية لتنفيذ انتقال سريع للسلطة بدلًا من ضمان المساءلة وإرساء سيادة القانون ومعالجة السجل الحكومي الطويل لانتهاكات حقوق الإنسان. كما ساهمت الحصانة الممنوحة للرئيس السابق وأخرين في ترسيخ ثقافة الإفلات من العقاب، الأمر الذي تسبب بشكل رئيسي في تجدد النزاع المسلح وارتكاب انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان وجرائم حرب داخل البلد. ورغم مرور 10 سنوات تقريبًا، يبدو أن المجتمع الدولي في طريقه لتكرار الخطأ نفسه.
ومنذ 2014، تسببت الأطراف المختلفة للنزاع، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا وجماعة أنصار الله المسلحة (الحوثيين)، في ضرر ومعاناة كبيرة للمدنيين في اليمن، ولا تزال هذه الأطراف ترتكب انتهاكات وتجاوزات متصاعدة وخطيرة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي.[1] في الوقت نفسه، فشلت جميع هذه الأطراف في إجراء تحقيقات جدية وفعالة، أو تقديم تعويضات، أو ضمان العدالة للضحايا. فعلى سبيل المثال، في الشهر الماضي، أسفرت الهجمات بحق المدنيين عن وقوع 232 ضحية، من بينهم 57 طفلًا. كما شهد الأسبوع الأخير من يوليو أعلى زيادة في إصابات الأطفال في أسبوع واحد منذ 2020.
كان فريق خبراء الأمم المتحدة البارزون المعني باليمن، قد أوصى قبل حله المفاجئ في عام 2021، بأن تحيل الأمم المتحدة الوضع في اليمن إلى المحكمة الجنائية الدولية، مشددًا على أهمية تشكيل آلية تحقيق دولية تركز على المساءلة الجنائية. كما أكد الفريق على الحاجة إلى إعمال حق الضحايا في التعويض. ويُذكر أنه في أواخر عام 2021، رفض أعضاء مجلس حقوق الإنسان قرار تجديد ولاية فريق الخبراء البارزين بالأمم المتحدة بشأن اليمن؛ بعدما مارست المملكة العربية السعودية، بدعم من الإمارات، ضغوطًا على أعضاء مجلس حقوق الإنسان للتصويت ضد قرار التجديد.
في هذا السياق، تطالب منظماتنا المجتمع الدولي بألا يكتفي بالوقوف مكتوف الأيدي، وألا يسمح لهذا التصويت بأن يكون الكلمة الأخيرة بشأن جهود المساءلة الدولية عن انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب واسعة النطاق في اليمن. ونتفق مع دعوة فريق الخبراء البارزين، في أكتوبر 2021، للمجتمع الدولي باتخاذ مبادرات محددة على المستوى الدولي سعيًا للمساءلة. كما نؤكد على موقف عشرات الدول الأعضاء بالأمم المتحدة بشأن «الحاجة الملحة للرصد وإجراء تحقيقات مستقلة ونزيهة»، ومطالبتها بـ«استكشاف المزيد من الآليات البديلة بنشاط…لضمان المساءلة» عن الجرائم المرتكبة في اليمن. وحسبما صرح فريق الخبراء، فإنه «لا ينبغي إسكات ضحايا هذا الصراع المسلح المأساوي بقرار من بضع دول. على العكس، ينبغي دعمهم بكل الوسائل حتى يتمكنوا من معرفة الحقيقة والوصول للعدالة والتعويض».
إن منظماتنا تدعو المجتمع الدولي لعدم تكرار أخطاء الماضي، ومن ثم تعزيز جهود المساءلة الدولية .ونؤكد في الوقت ذاته أن استمرار الإفلات من العقاب لن يؤدي إلا لاستمرار دورة العنف والمعاناة، بما في ذلك تصاعد احتمال تجويع المزيد من الأطفال، وسجن أو إعدام المزيد من المدافعين عن الحقوق والصحفيين، وقصف المزيد من المنازل والمدارس.
في هذا السياق، بإمكان آلية دولية مستقلة للمساءلة الجنائية لليمن الاضطلاع بدور حاسم في ردع العنف وحماية المدنيين وتعزيز سلام حقيقي ودائم.
في ديسمبر 2021، دعا قرابة 90 منظمة مجتمع مدني الدول الأعضاء بالأمم المتحدة إلى التحرك بسرعة وتشكيل مثل هذه الآلية للتحقيق والإبلاغ علنًا عن انتهاكات وتجاوزات القانون الدولي المرتكبة في اليمن. ينبغي لمثل هذه الآلية أن تعمل على جمع الأدلة وحفظها، إلى جانب إعداد ملفات للملاحقات الجنائية المحتملة في المستقبل، وأن تضع القواعد والأسس لإنصاف فعال بما يتضمن تحديد الضحايا، وتوثيق الأضرار لدعم أي مطالبات بالجبر في المستقبل. ونؤكد على أن مثل هذا التفويض القوي مطلوب؛ ليس فقط من أجل فضح الجرائم الخطيرة المرتكبة في اليمن، ولكن أيضًا لضمان استخدام هذه الوثائق في مساءلة جنائية فعالة في المستقبل للتصدي للإفلات من العقاب وتوفير الإنصاف الفعال للضحايا. ونؤكد في الوقت نفسه أن أية آلية لا تفي بهذه المعايير من شأنها الإضرار بشكل بالغ بملايين اليمنيين الذين عانوا من تجاوزات خطيرة أو من جرائم حرب واضحة وما زالوا يتطلعون للعدالة.
ندعو حكومتكم إلى العمل على ضمان تشكيل مثل هذه الآلية الأممية في الفترة المقبلة، بما في ذلك خلال الجلسة القادمة لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، ونؤكد استعدادنا للمساعدة في إنجاح هذه الجهود بكافة الطرق الممكنة.
قائمة الموقعين:
- Amnesty International
- Cairo Institute for Human Rights Studies (CIHRS)
- CIVICUS: World Alliance for Citizen Participation
- DefendDefenders (East and Horn of Africa Human Rights Defenders Project)
- Friends Committee on National Legislation (FCNL)
- Global Centre for the Responsibility to Protect (GCR2P)
- Gulf Centre for Human Rights (GCHR)
- Human Rights Watch (HRW)
- International Federation for Human Rights (FIDH)
- International Service for Human Rights (ISHR)
- Mwatana for Human Rights
- PAX
- Project on Middle East Democracy (POMED)
- Abductees’ Mothers Association
- Abs Development Organization for Women & Child
- Acción Solidaria on HIV/aids
- Action on Armed Violence
- Alkarama for Human Rights
- ALQST for Human Rights
- Bridges for Yemen
- Campaign Against Arms Trade
- CIVILIS Human Rights
- Columbia Law School Human Rights Institute
- Defence for Children International
- Defense Foundation for Rights and Freedoms
- Foundation (my Right) to empower women politically and socially
- Hearts On Venezuela
- Human Life Foundation for Development and Relief ( Human Life )
- Human Rights Information and Training Center (HRITC)
- International Commission of Jurists (ICJ)
- Min Haqqi Foundation to empower women politically and economically
- Musaala Organization for Human Rights
- PASS Foundation – Peace for Sustainable Societies
- Salam For Yemen
- SAM for Rights and Liberties
- She4Society Initiative
- The Yemeni Archive
- Vision GRAM-International
- Vredesactie
- Wa3ifoundtion
- Yemen Future Foundation for Culutre and Media Development
- Yemen peace school organization
- Yemen Relief and Reconstruction Foundation
- Yemen Women Union
- Democracy School
- Watch for Human Rights
- Women Defenders for Rights and Freedoms Foundation
- Min Haqqi Foundation to Empower Women Politically and Economically
- Yemeni Media Freedom Observatory (YMFO)
- Studies and Economic Media Center (SEMC)
[1] ارتكبت جميع أطراف النزاع في اليمن انتهاكات واسعة النطاق ومنهجية، بما في ذلك قتل وإصابة عشرات الآلاف من المدنيين. منذ عام 2015، نفّذ التحالف العسكري بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة عشرات الضربات الجوية غير القانونية، التي أسفرت عن مقتل وإصابة المدنيين، ودمرت أو ألحقت الضرر بالمنازل والمستشفيات والمدارس والأسواق والبنية التحتية المدنية الأخرى. في السياق نفسه، أطلقت قوات الحوثيين قذائف الهاون والصواريخ وغيرها من الصواريخ بشكل عشوائي على المناطق المكتظة بالسكان، بما في ذلك المدن، وزرعت الألغام الأرضية بشكل عشوائي. وبشكل عام، تعمدت الأطراف المتحاربة منع وصول المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة إلى أولئك الذين يحتاجون إليها، واستخدموا المجاعة كسلاح من أسلحة الحرب، كما فشلوا بشكل تام في احترام الحق في الغذاء والصحة والمياه والتعليم.
وتم استهداف الصحفيين والناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان ومضايقتهم وسجنهم وقتلهم. بالإضافة إلى تجنيد الأطفال واستخدامهم في القتال. وتعرضت حقوق النساء والفتيات لتقويض خطير. وواصلت دول وشركات الطرف الثالث تأجيج الصراع الأوسع من خلال بيع الأسلحة.
Share this Post