تحل اليوم ذكرى الثورة التونسية السابعة، الثورة التي نجحت في الإطاحة برأس نظام استبدادي متجذر في مفاصل الدولة، لتنجو تونس بذلك من كوارث الفوضى والحروب الأهلية والمذابح التي لحقت بباقي دول “الربيع العربي”. بهذه المناسبة أصدر مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان صباح اليوم 14 يناير 2018، كتابه الجديد، “تونس: الانتقال الديمقراطي العسير”.
يحلل الكتاب محطات ومكاسب وتحديات هذا المسار الديمقراطي الصعب، من خلال ثمان ورقات بحثية، لنخبة من الباحثين والحقوقيين التونسيين الفاعلين في هذا المسار والمنخرطين في تحدياته. قدم لها ممثل مركز القاهرة في تونس المناضل الحقوقي مسعود الرمضاني -والذي أشرف علي إعداد الكتاب-مسلطاً الضوء على أهم ما جاء في كل منها-ومواطن الاتفاق والخلاف والخطوات التي يتعين إتباعها لتجنب إخفاقات السنوات السبع الماضية، في محاولة لقراءة ما آلت إليه الثورة في تونس.
فيما اعتبر الاقتصادي التونسي عبد الجليل البدوي أن تواصل التحركات الاجتماعية الاحتجاجية، والمتصاعدة مؤخرًا، دليل واضح على فشل الحكومات المتعاقبة في استبدال نظام بن علي، بنظام عادل ديمقراطي تنموي، لكنه حرص في ورقته البحثية على توضيح أسباب هذا الفشل، وتقديم اقتراحات للخروج من الأزمة كان على رأسها إنشاء مجلس وطني للحوار الاقتصادي والاجتماعي، فضلا عن تقديم خطة اقتصادية واجتماعية طويلة المدى بغية تجفيف منابع الإرهاب، الذي يعد أحد أهم عقبات الانتقال الديمقراطي في تونس. أما الناشطة النسوية أحلام بلحاج، فقد كانت أكثر حرصا على إبراز دور المرأة في هذا الانتقال منذ شراراته الأولى، مستعرضة في ورقتها البحثية أهم مكاسب الثورة التونسية بالنسبة للمرأة، وكذا أبرز التحديات التي واجهتها، مؤكدة أن معركة الحريات في تونس معركة “حقوق إنسانية،” يتقاسم فيها الرجال والنساء المسئولية المشتركة، على نحو غير قابل للتجزئة والتقييد.
يأتي على رأس هذه الحقوق تحقيق العدالة، الذي لن تتأتى بحسب رئيس التنسيقية الوطنية المستقلّة للعدالة الانتقالية عمر الصفراوي دون الكشف عن انتهاكات الماضي ومعاقبة المسئولين عنها، والقطع مع الاستبداد، معتبرًا أن الاهتمام بملف العدالة الانتقالية في تونس عكس مدى قدرة المنظومة الديمقراطية الناشئة على منع تكرار انتهاكات الماضي، لكنه في الوقت نفسه انتقد طريقة التطبيق، والتي كانت محل اعتراض المجتمع المدني التونسي، مشددًا على أنه لا بديل عن استقلال مسار العدالة الانتقالية عن هياكل الدولة.
لعل تجاهل الحكومات التونسية المتعاقبة لانتقادات المجتمع المدني ومخاوفه ليس الموقف السلبي الوحيد بحقه على مدى السنوات السبع الماضية، فبحسب العضو السابق للهيئة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان أحمد القلعي، أسست دولة الاستقلال في تونس لتقويض نشاط المجتمع المدني من خلال توسيع اختصاص وزير الداخلية في منح التراخيص للجمعيات، وفي الوقت نفسه، ظهرت خلال السنوات الماضية مئات الجمعيات ذات التوجهات الإيديولوجية الخفية، التي لا تشكل خطرًا على الحركة المدنية في تونس فحسب وإنما على البلد ككل.
التوجهات الأيديولوجية الغريبة نسبيًا على المجتمع التونسي، كانت محل اهتمام الباحث المختص في الحركات الإسلامية علية العلاني، الذي استعرض في ورقته البحثية مراحل علاقة حركة النهضة بالسلفية الجهادية والتيارات المتطرّفة الأخرى. واعتبر العلاني أن وصول حركة النهضة للحكم في تونس بعد الثورة كان نتيجة تعاطف شعبي معها بسبب ما تكبدته من اضطهاد في سنوات سابقة، فضلا عن الدعم الخارجي الذي تلقته من دول عديدة، مضيفا أن انتصار التيار الليبرالي الذي يتزعمه راشد الغنوشي داخل الحركة سيحررها من سجن الإسلام السياسي وسيمثل قطيعة مع فكر الإخوان وتنظيمهم. الأمر نفسه أكده الباحث صلاح الدين الجورشي، مشيرًا إلى أنه ورغم البدايات الإخوانية لحركة النهضة إلا أنها كانت مهيّأة للتأقلم التدريجي مع البيئة التونسية، معتبرا أنّ خروجها من السرية إلى العلن والتنظّيم كحزب مؤمن بالديمقراطية-لا يحتكر الحديث باسم الإسلام-يعكس بداية استيعابها للخيار الديمقراطي.
“النصوص التشريعية لا تكفي وحدها لصون الحريات،” هذا ما أكده الحقوقي رضا الرداوي في ورقته المتعلقة بالدستور التونسي وصعوبة تطبيقه، مشيرًا إلى، المخاوف المتعلقة بغموض بعض المفاهيم والمصطلحات في النصوص الدستورية رغم التقدم الذي أحرزه دستور 2014 . الأمر نفسه ينطبق على موضوع حرية الإعلام. اذ اعتبر رئيس النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين النقيب ناجي البغوري، أن القوانين المنظمة للقطاع “مازالت تحتاج لمراجعات ضرورية حتى تتلائم مع “التشريعات الدولية.” مستعرضا في ورقته البحثية المخاطر التي قد تهدد حماية المصادر والصحفي على حد السواء، مشيرا إلى أن إصلاحات عديدة على المستوى الهيكلي والقانوني قد أحدثت وساهمت في حرية الصحافة وحماية الصحفيين، لكن إمكانية العودة للوراء تظل واردة بحكم أن تونس لا ترتكز على مؤسسات قوية.”
رغم مرور سبع سنوات على الثورة، ورغم تعاقب ثمان حكومات في تونس، إلاّ أنّ الانتقال الديمقراطي مازال متعسرا أمام التحديات الاقتصادية والهجمات الإرهابية، ورغبة النظام القديم في استعادة سيطرته على الدولة، فمتى يمكن لهذا الانتقال العسير أن يحظى بالنجاح الذي يليق بالشعب التونسي وكفاحه؟
أحلام بلحاج، أحمد القلعي، رضا الرداوي، صلاح الدين الجورشي، عبدالجليل بدوي، علية علاني، عمر الصفراوي، ناجي البغوري
تقديم: مسعود الرمضاني
الكتاب بنسخة الكترونية : هنا
Share this Post