يناشد ائتلاف المنصة (المكون من 16منظمة ليبية) الدول الأعضاء في مجلس الأمن اتخاذ موقف عاجل وحازم إزاء ما تشهده ليبيا من انتهاكات جسيمة ومنهجية متعاقبة، وتعديات جمة على القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان من كافة الأطراف المسلحة في ليبيا، ترتقي في بعض منها لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. و يأمل الائتلاف أن تكون لمواقف المحكمة الجنائية الدولية والاتحاد الأوروبي، والموقف الجماعي للولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وإيطاليا وفرنسا من تلك التفجيرات الإرهابية التي هزت بنغازي يوم ٢٣ يناير الجاري، وعمليات الإعدام الوحشية التي استتبعتها, فاعلية وتأثير حقيقي، إذ سبق واتخذت تلك الدول موقف مشابه في بيان جماعي في يناير 2017، لكن لم يحظ بالمتابعة المنتظرة من أعضاء مجلس الأمن.
ويؤكد الائتلاف أن عدم تحديد المسئولين عن هذه الانتهاكات وغيرها، وبالتالي عدم تقديمهم للمحاسبة، يمثل السبب الأساسي في عرقلة العملية السياسية في البلاد وغياب أفق الإصلاح، كما يعدّ نتيجة مباشرة لتقاعس الدّول الأعضاء في مجلس الأمن عن تقديم المساعدة للمحكمة الجنائية الدولية لإتمام تحقيقاتها في الجرائم المرتكبة.
وفي هذا السياق تحذر المنصة أعضاء مجلس الأمن من المخاطر الوخيمة الناجمة عن التغاضي عن تقارير لجنة خبراء مجلس الأمن المكلفة بموجب القرار رقم 1970/2011[1] وفقا لتقارير يونيو2017, مارس 2016, فبراير 2015 وما كشفت عنه من انتهاكات جسيمة لحظر توريد السلاح والدعم العسكري من دول إقليمية و دولية مثل مصر و الأمارات و تركيا، إذ تدعم تلك الدول مجموعات مسلحة في غرب وشرق ليبيا، بينها مجموعات راديكالية مسلحة قريبة من القاعدة و التيار السلفي المدخلي -مثل محمود الورفلي- ممن يزعمون الحرب على الإرهاب بينما يرتكبوا ممارسات نفسها التي ينتهجها الإرهابيين، دون أدنى احترام للمبادئ الأساسية ال للقانون الدولي الإنساني الخاصة بالنزاعات المسلحة أو عمليات الأقتتال.
وفي هذا الإطار يطالب الائتلاف بتمكين المحكمة الجنائية الدولية من القيام بدورها، من خلال توسيع وتكثيف التحقيقات سواء من داخل ليبيا أو من دول الجوار، وذلك إعمالا بولاياتها القانونية التي كلفها بها مجلس الأمن، في الوقت الذي اتضح به أن النظام القضائي الليبي غير قابل أو قادر للقيام بدوره الدستوري ومسؤوليته بمحاسبة الأفراد الضالعين بانتهاكات جسيمة للقانون الدولي. وتؤكد المنصة أن وقوع الدولة الليبية ومؤسستها رهينة مجموعات مسلحة وشبه عسكرية تضم فيها مجموعات متطرفة مسلحة، فضلا عن تواطؤ بعض الفاعلين الدوليين مع هذا الوضع، هو السبب الرئيسي في تمدد العمليات الإرهابية والممارسات الإجرامية المنتشرة في ليبيا منذ أعوام.
على مدى الأشهر القليلة الماضية، سقط عشرات المدنيين جرّاء النزاع المسلح في ليبيا، سواء في عمليات القتل خارج نطاق القانون- على سبيل المثال سقوط 36 جثة في الأبيار في 27 أكتوبر2017 و أيضا, قد تم العثور على ثلاث جثث ملقاه امام مستشفى الهريش في مدينة درنة تم تصفيتهم من قبل مجلس مجاهدي درنة وضواحيها. أو خلال عمليات استهداف المدنيين وتدمير المرافق الحيوية المدنية -مثل ما وقع في مطار طرابلس في يناير 2018– أو في عمليات التفجير، التي كان أحدثها التفجيران اللذان وقعا بمدينة بنغازي يوم الثلاثاء 23 يناير 2018، أمام مسجد بيعة الرضوان بمنطقة السلماني، ذات الكثافة السكانية العالية، وأسفرا عن مقتل 44 شخصًا وسقوط أكثر من 87 جريح، حسب ما أعلن مستشفى الجلاء للجراحة والحوادث ومركز بنغازي الطبي.
هذه التفجيرات الإجرامية تشكل جرائم حرب وفقًا للفقرة الثانية (ب) من المادة الثامنة لمعاهدة روما المؤسسة للمحكمة الجنائية الدولية. إن مرور هذه الجرائم كسابقاتها من عشرات العمليات الإرهابية دون محاسبة أو كشف عن المتورطين فيها، سيفاقم من العنف ونوازع الانتقام. ففي تطور لافت، أكدت مصادر عديدة أن الرّائد “محمود الورفلّي” للقوات الخاصة التابعة للقيادة العامة للجيش الليبي بشرق البلاد قد أرتكب عمليات قتل خارج نطاق القانون بحق 10 أشخاص يوم الأربعاء 24يناير 2018، أمام المسجد نفسه الذي وقع فيه الانفجار، فيما يبدو أنه ردة فعل انتقامية على الحادثة.
وجدير بالذكر، أن الضابط المذكور سبق أن صدرت بشأنه مذكرة قبض من مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لاتهامه بارتكاب عمليات قتل خارج نطاق القانون قد ترتقي لجريمة حرب، شملت 33شخصًا في الفترة الممتدة بين 3 يونيو 2016 أو ما قبله، و17 يوليو 2017. ورغم إعلان القيادة العامة للجيش الليبي في الشرق بدء التحقيق مع “الورفلي” في 2 أغسطس 2017، إلا أن الرائد الورفلي تمكن لاحقًا من استصدار قرار تنظيمي رسمي في 14 أغسطس بصفته قائد بكتيبة الصاعقة، مما يؤكد عدم جدية هذه التحقيقات.
إن هذا الفعل يعد دليلاً واضحًا على عجز السلطات في شرق ليبيا أو عدم رغبتها في القبض على “الورفلي” وغيره من المسئولين عن عمليات القتل خارج إطار القانون وجرائم التعذيب، وتقديمهم للمحاكمة تمهيدًا لمحاسبتهم على جرائمهم، الأمر الذي يعزز ظاهرة الإفلات من العقاب ويؤكد القناعة الكاملة بعجز القضاء ومنظومة العدالة عن محاكمة المتورطين في جرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان شرقًا وغربًا.
أخيرًا تؤكد منظمات المنصة أن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية الممنوح لها بموجب القرار 1970 يشمل التحقيق في الانتهاكات الجسيمة من جميع الأطراف الليبية والدولية، بما في ذلك جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، كما يتضمن الجرائم المرتكبة من المجموعات المتطرفة العنيفة ، ومن بينها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وذلك استنادًا لما جاء بقراري مجلس الأمن 2213 لعام (2015) و2238 لعام (2015) الذين أعربا عن قلق المجلس البالغ إزاء “الاتجاه المتزايد للمجموعات المسلحة غير الدول في ليبيا نحو إعلان الولاء لداعش واستمرار وجود الجماعات الإرهابية الأخرى المرتبطة بتنظيم القاعدة والأفراد العاملين هناك.”وخاصة بعد أن أشار قرار مجلس الأمن رقم 2213 إلى الإجراءات التي اتخذها في القرار 1970 لعام (2011) بإحالة الوضع في ليبيا للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية “المسئولة عن انتهاكات القانون الإنساني الدولي وانتهاكات حقوق الإنسان وإساءة استعمالها”[2]
[1] أُنشأت اللجنة في 26 فبراير/شباط 2011 عملاً بالقرار 1970 (2011)، لرصد ما يتصل بالموضوع من تدابير الجزاءات (حظر الأسلحة، تجميد الأصول، حظر السفر)
[2] التقرير الحادي عشر من المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عملاً بقرار المجلس 1970/2011
Share this Post