الصحوة الإسلامية.. وأسئلة الزمن الصعب

In رواق عربى, مطبوعات المركز by CIHRS

صدر العدد (43) من مطبوعة “رواق عربي” عن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، وفتح ملفا مهما بعنوان “الصحوة الإسلامية بين حقبتين”، ويحتوي مجموعة من المقالات لباحثين من دول عربية وأجنبية تتناول ظاهرة الصحوة الإسلامية ما بين بداية النهضة في الربع الأخير من القرن التاسع عشر وصولا إلى الصحوة الإسلامية في الربع الأخير من القرن العشرين.
وإن كانت معظم هذه المقالات قد نشرت قبل ذلك، بل إن بعضها نشرعدة مرات، إلا أن تجميعها في سياق واحد يعطي القضية أبعادا جديدة ونظرة أشمل وأعم عن الصحوة الإسلامية، فبرغم كثرة الكتابات التي تناولتها ولا تزال فإنها تحتاج إلى قراءات جديدة.

فما بين بداية القرن العشرين ونهايته ثمة تناقض كبير، ففي حين بدأت الصحوة الإسلامية ثورية ومجددة على يد الأفغاني وإصلاحية اجتماعية على يد الإمام محمد عبده، نجدها اتخذت منحنى الهبوط فيما بعد حتى وصلت إلى القاع في انتشار الفكر التكفيري والجهادي والصدام مع الدولة على يد الجماعات الإسلامية الراديكالية، حيث دخلت في مغارة مظلمة أشبه بمغارة “علي بابا” لم تستطع الخروج منها إلى الآن، ونظرة أكثر عمقا لمسار الصحوة الممتد لأكثر من نصف القرن يكشف عن مفارقات بين البداية واللحظة الآنية، حيث أصبح المشروع الإصلاحي الإسلامي متعثرا ويبحث عن حل.

تراجع الفكر الإصلاحي

بداية يؤكد أحمد محمد سالم في مقاله “خطاب الإصلاح الديني عند محمد عبده”، كيف خرج من عباءة الإمام المصلح كل من السلفي محمد رشيد رضا، والليبرالي أحمد لطفي السيد، ومحرر المرأة العلماني قاسم أمين، وينتهي سالم من قراءة الخطاب الفكري لدى محمد عبده إلى أنه خطاب متعدد الدلالات على مستوى الجانب العقائدي، وعلى مستوى الجانب السياسي، وإن كان هذا الخطاب شديد الوضوح على المستوى الفقهي الذي راعى المصلحة واحتياجات الواقع في المقام الأول، وقد أدى تعدد الدلالات إلى تعدد قراءات هذا الخطاب لدى تلاميذ الإمام، سواء من قبل السلفيين أو الإصلاحيين أو العلمانيين. ويخلص الباحث إلى أن خطاب محمد عبده قد أعطى الأولوية للعقل، ورفض وجود سلطة كهنوتية في الإسلام، وأقر بأهمية إدراك النظام السببي في العالم، وركز على أهمية البعد الاجتماعي للدين الإسلامي، ورفض الجمود ودعا إلى التجديد، ومن أجل هذا طالب بأهمية تطوير نظام التعليم في الأزهر الشريف، ولقد كان لهذه المبادئ أثرها الواضح على الخطاب الإصلاحي بعده.

سيد قطب والعنف

ويرى معتز الخطيب في مقاله “سيد قطب وجماعات العنف” أن قناعات السيد محمد رشيد رضا وتراجعه عن مبادئ أستاذه محمد عبده هو الذي أرسى لظهور خطاب العنف عند سيد قطب فيما بعد. ويؤكد الخطيب في مقاله أن أفكار سيد قطب قد شكلت معينا لا ينضب لكل الفكر الراديكالي والحركي بعده، وأن أية حركة تغييرية عنيفة لا يمكن لها أن تزهد في المعين الثوري الذي خلفه سيد قطب في كتاباته.

والواقع أن هذه الرؤية ينقصها الكثير، وأهم ما ينقصها أنها تنتزع ظاهرة “سيد قطب” إذا جاز لنا أن نسميه ظاهرة، من سياقها السياسي والاجتماعي، فأي فكر هو ابن للحقبة التاريخية المعاشة، وفي عالمنا العربي الفكر لا يقود المجتمع ولكن تقوده السياسة، ومن ثم فإن المرحلة التي عاشها سيد قطب – من قيام ثورة يوليو 52 والتي أممت المشروع الديمقراطي وحولت الإسلاميين من العمل في النور إلى تنظيمات حركية تعمل تحت الأرض – كان لها الدور الأكبر في ولادة الأفكار الراديكالية والانقلابية على الدولة والمجتمع.

وينهي الخطيب رؤيته مؤكدا أن نظرية المواجهة العنيفة مع الأنظمة الحاكمة والمواجهة العنيفة مع “الجاهلية الغربية”التي قال بها قطب أثبتت فشلها تاريخيا، وبينت الأحداث في الثمانينيات والتسعينيات على المستوى الداخلي والخارجي بدءا من أحداث 11 سبتمبر كارثية هذا الخيار وأضراره على الأمة.

قلاع الاستبداد

أما الدكتور رضوان زيادة فيرصد في مقاله عن “الكواكبي ونظرية الاستبداد” التقاطعات الموجودة ما بين خطاب مكيافيللي والكواكبي، محاولا الإجابة عن تساؤل يتعلق بفشل عبد الرحمن الكواكبي صاحب “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد” في المضي إلى أبعد مما قام به من نقد للاستبداد، وكيف أنه ظل ينظر له كداء لا بد للعالم العربي الإسلامي من التخلص منه، دون أن يحاول النظر في العلاقة بين الإرث التاريخي للاستبداد وبين تفعيله عبر تقييد أطر بناء الدولة الحديثة.

وعلل زيادة عدم تجاوز الكواكبي فكرة طبائع الاستبداد إلى آليات تدميرها في الثقافة العربية والإسلامية، بعدم قدرته على تحقيق القطيعة في المزاوجة بين فكرة القانون الوضعي والقانون الإلهي. ومع ذلك، ورغم محدودية جهود الكواكبي في هذه النقطة بالذات، لم تستكمل محاولته التأسيسية هذه لدى رواد فكر النهضة فيما بعد لأسباب تتعدى المجال الفكري لتدخل في السياسي ـ الاجتماعي، وهو ما يدعو زيادة إلى مراجعته حتى نستطيع نزع قلاع الاستبداد المتكاثرة عربيا.

الإخوان.. تحولات

ورأى حسام تمام في مقاله “تحولات الإخوان المسلمين.. تفكك الأيديولوجيا ونهاية التنظيم” أن أيديولوجيا الجماعة تفككت وكذلك تنظيمها العالمي وشهدت مجموعة من التحولات التي تجري وفق منطق البرجماتية، وأهم ما يميزها أنها في مجملها تغيرات غير واعية، بقدر ما هي أقرب للتغيير الذاتي الذي يجري وفق منطق الصيرورة الاجتماعية، وهو منطق تسبق فيه الحركة التنظير، وهذا هو حال التحولات داخل الجماعة.

ويرى تمام أن هذه التحولات وإن جاءت بسبب دخول الجماعة بقوة في الحقل السياسي والعمل العام، إلا أنها لم تلبث أن تجاوزت المجال السياسي لتنتقل بتأثيراتها إلى شتى مجالات وممارسات الحركة ليسيطر عليها منطق الصيرورة الاجتماعية، وهو منطق وإن كان يعكس التحولات الكبرى التي رصدها تمام في مقاله، إلا أن منطق الصيرورة الذي طرحته المقالة يظل عاجزا عن الإجابة عن تساؤلات محددة تتعلق بكل من: الشريعة، الهوية السياسية والدينية المزدوجة، التنظيم والقيادة، مفهوم المواطنة، الموقف الدولي…إلخ.

أين يقف الإخوان؟

وفي الورقة المشتركة لكل من عمرو الحمزاوي ومارينا أوتاوي، وناثان براون الأساتذة بمؤسسة كارينجي، تأكيد على أهمية الحاجة إلى حوار ديمقراطي وشفاف لفهم الحركات الإسلامية.وحملت الورقة عنوان “التساؤلات التي ينبغي على الحركات الإسلامية الإجابة عليها:جماعة الإخوان المسلمين المصرية كنموذج”. وأشارت إلى أن الإسلاميين يواجهون تحديات صعبة للغاية، فالغرب ينظر إليهم بارتياب، كما أن حركاتهم لا تعمل ضمن أنظمة ديمقراطية والقليل من الفاعلين السياسيين في العالم العربي إن لم نقل جميعهم سواء أحزاب حاكمة أو معارضات لا تمتلك هيكلية ديمقراطية داخلية، وحدود تسامحها مع أصحاب الرأي الآخر تكاد تكون منعدمة.

سألت الورقة سؤالا مهما هو: “أين يقف الإخوان المسلمون اليوم؟”، وانطلقت من هذا السؤال لتناول مجموعة من القضايا التي تحتاج إلى حسم من الإخوان وعلى رأسها الموقف من الشريعة الإسلامية وما تثيره من قضايا إشكالية، خاصة ما يرتبط منها بالجانب التشريعي الذي يفترض أن تقر القوانين من خلال البرلمان وبطريقة ديمقراطية، كذلك العلاقة بين الهوية الدينية والسياسية، ومفهوم المواطنة، والموقف من المرأة، والموقف من إسرائيل.

*نقلاً عن إسلام أون لاين.

لتحميل النسخة الكاملة من العدد 43 من رواق، برجاء زيارة الرابط:
https://cihrs.org/periodical_ar.aspx?m_id=1&m_name=رواق%20عربي

Share this Post