يجب ألا تسمح السلطات الجزائرية بموت ناشط آخر رهن الاحتجاز
تقوم السلطات الجزائرية، بشكل متسارع، بسجن النشطاء والصحفيين وملاحقتهم قضائيًا، في خضم جائحة كوفيد-19، ومؤخرًا رفضت طلبات إطلاق السراح المؤقت والرعاية الطبية الملائمة للناشط الجزائري عبد الله بن نعوم، المسجون فقط بسبب آرائه النقدية لقمع السلطات لاحتجاجات الحراك. تقول اليوم 10مجموعات وطنية ودولية وإقليمية، قبيل محاكمته المقرر عقدها في 27 أكتوبر. ويخشى المحامون وأفراد أسرة بن نعوم على حياته.
يخضع بن نعوم للحبس الاحتياطي منذ 11 شهرًا، بسبب منشوراته على موقع فيس بوك التي انتقد فيها السلطات الجزائرية وعارض إجراء الانتخابات الرئاسية، بينما يحتاج بشكل عاجل إلى إجراء جراحة في القلب، ولكن السلطلت رفضت ذلك، بجانب استمرار احتجازه غير القانوني ورفضها منحه الرعاية الطبية التي يحتاجها.
في 28 مايو 2019، توفي المدافع عن حقوق الإنسان كمال الدين فخار خلال احتجازه عن عمر يناهز 55 عامًا، بعد 50 يومًا من إضرابه عن الطعام احتجاجًا على احتجازه غير القانوني، بسبب تعبيره عن آراء تنتقد الحكومة وظروف سجنه. وفي 11 ديسمبر 2016، توفي خلال الاحتجاز الصحفي البريطاني الجزائري المستقل محمد تامالت، عن عمر 41 عامًا، في مستشفى بالجزائر العاصمة، وذلك في أعقاب إضرابه عن الطعام احتجاجًا على سوء معاملته أثناء سجنه بسبب منشوراته على موقع فيس بوك “المسيئة” للرئيس آنذاك عبد العزيز بوتفليقة.
ومن أجل تجنب مصير مماثل لعبد الله بن نعوم؛ تدعو المنظمات الموقعة الجزائر إلى الالتزام بتعهداتها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، وإطلاق سراح بن نعوم فورًا ودون شروط، والسماح له بإجراء جراحة القلب استجابة لرغبته.
في 9 ديسمبر 2019، ألقت قوات الشرطة في وادي رهيو، إحدى بلدات ولاية غليزان، القبض على بن نعوم وناشط آخر هو خالدي علي،[1] وذلك قبل 3 أيام من الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل. واتهم المدعي العام في محكمة غليزان الابتدائية كلاهما بـ “إهانة مؤسسات الدولة” و”تقويض وحدة التراب الوطني” و”الإضرار بالمصلحة الوطنية” و”تقويض معنويات الجيش” و”محاولة الضغط على القضاة في القضايا قيد النظر” و “التحريض على التجمع غير المسلح”، وذلك بموجب المواد 146 و79 و97 و75 و147 و100 من قانون العقوبات.
والجدير بالذكر أنه لا تعتبر أي من هذه التهم جرائم مشروعة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان؛ لأنها تفرض قيودًا غير ضرورية على الحق في حرية التعبير. ويشير ملف القضية إلى أن النائب العام قدم كأدلة فيديوهات ومنشورات عثر عليها على حساب بن نعوم الشخصي على موقع فيس بوك، دعا فيها إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية، حيث كتب “لا للانتخابات العسكرية” و”طلاب الحراك في جميع المحافظات يواجهون قمعًا قاسيًا”. كما انتقد بن نعوم في منشوراته الحكم المُخفف على ضابط شرطة قتل شابًا في وادي رهيو. قدمت النيابة ما سبق كدليل على أن بن نعوم كان يحرض على العصيان ويقوض أمن الدولة.
في يوم محاكمته في 16 يوليو الماضي، لم يتمكن بن نعوم من الوقوف على قدميه أو التحدث وذلك وفقًا لمحاميه، مما دفع القاضي أخيرًا للاتصال بالطبيب بعد ثلاث ساعات من بدء المحاكمة. خلص الطبيب إلى أن بن نعوم لا يتمتع باللياقة الصحية الكافية لخضوعه للمحاكمة ورغم ذلك، رفض القاضي الاستجابة لطلب محاميه بالإفراج المؤقت عنه. وفي 2 سبتمبر، رفض القاضي مجددًا التماسًا أخر للإفراج المؤقت عنه. وقد تقرر عقد جلسة محاكمته في 27 أكتوبر الجاري.
يعاني بن نعوم من مرض في القلب – تصلب الشرايين – بما يهدد بإصابته بأزمة قلبية على نحو يتطلب تدخل طبي عاجل. وقد سبق وخضع بن نعوم لأول عملية في القلب في 2018، لكن حالته الصحية تدهورت بعد سجنه في وقت لاحق من ذاك العام، وتدهورت أكثر بعد احتجازه في ديسمبر 2019. ويؤكد الأطباء أنه بحاجة إلى تدخل جراحي للمرة الثانية.
في رسالة مكتوبة بخط اليد تم تقديمها لمحاميه في 4 سبتمبر 2020، اشتكى الناشط من سوء الرعاية الطبية ومن سوء المعاملة خلال الاحتجاز.
وقد رفضت السلطات طلبات متعددة للإفراج المؤقت عنه، بزعم أن الإدعاءات الموجهة ضده تشكّل جرائم خطيرة. وكانت السلطات تنقل بن نعوم ذهابًا وإيابًا بين سجن في غليزان، بالقرب من مسقط رأسه، وسجنين في ولاية وهران، على بعد 160 كيلومترًا من مكان إقامته؛ الأمر الذي فاقم من تدهور صحته. وهو محتجز حاليًا في سجن وهران المركزي.
إن حرمان السجين من الرعاية الطبية التي هو في أمس الحاجة إليها؛ ينتهك الحق في الصحة والحياة وقد يصل حد جريمة التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة في ظروف معينة. كما أن قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء، المعروفة باسم قواعد مانديلا، تُلزم الدول بضمان تمتع الأشخاص المحتجزين بمعايير الرعاية الصحية المتوفرة في المجتمع. ووفقًا للجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، لا بد من توفير رعاية طبية كافية أو ملائمة وفي الوقت المناسب لجميع المحتجزين، باعتباره جزء من واجبات الدولة. بالمثل، ووفقًا للقانون الجزائري، فإن “الحق في الرعاية الطبية مكفول لجميع فئات المحتجزين. يتم توفير الخدمات الطبية للنزلاء، في مستشفى المؤسسة أو، إذا لزم الأمر، في أي منشآت صحية أخرى”.[2]
إن قرار الحبس الاحتياطي يجب أن يكون إجراءًا استثنائيًا مستندًا إلى إثبات معيّن بأنه معقول وضروري، ومحدد في القانون دون معايير فضفاضة أو غامضة. وقد أخفقت السلطات الجزائرية في تبرير الحاجة إلى فرض هذا الإجراء، لا سيما ضد سجين رأي تتعرض صحته وحياته لخطر داهم.
إن قرار حبس بن نعوم احتياطيًا، بالرغم من الظروف المذكورة، يتعارض مع المادة 123 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري، وكذلك التزامات الجزائر بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.
لقد ندد الاتحاد الوطني للقضاة بالاستخدام المتفشي والمسيء للحبس الاحتياطي، وكذلك عدم استقلالية نظام العدالة عن السلطات التنفيذية، في بلد عوقب فيه أعضاء السلطة القضائية مهنيًا؛ بسبب العمل بشكل مستقل أو بسبب الدعوة إلى استقلال القضاء.
كما أن رفض السلطات إطلاق سراحه يتعارض مع توصية المفوضة السامية بالإفراج عن المحتجزين من أجل احتواء تفشي جائحة كوفيد-19، لاسيما أولئك الذين يعانون من ظروف صحية وأولئك الذين احتجزوا لمجرد التعبير عن آرائهم المعارضة. إن وفاة اثنين من المحتجزين مؤخرًا وإصابة ثمانية آخرين على الأقل؛ تشير بجلاء إلى تزايد خطر الإصابة بكوفيد-19 في سجون الجزائر.
لم يتمكن محامو بن نعوم ووالدته من زيارته في 1 و2 أكتوبر 2020. وزعمت سلطات السجن لأسرته أن بن نعوم نفسه رفض الزيارات وأنه يرفض تلقي الرعاية الطبية. ووفقًا لمحامي بن نعوم، فإن ذلك يتناقض مع طلب بن نعوم بعدم التوقف عن زيارته، والذي كتبه بخط يده في رسالة بتاريخ 4 سبتمبر، ولم يطلب الناشط سوى أن يتمكن طبيبه، الذي أجرى له الجراحة في 2018، من الإشراف على الجراحة الثانية. وفي رسالة أخرى في يوليو، كان بن نعوم قد اشتكى من عزلته عن العالم الخارجي ومن ظروف السجن الصعبة. ولم يتمكن الناشط من تلقي أي زيارات عائلية من مارس إلى سبتمبر 2020؛ بسبب القيود المتعلقة بكوفيد-19.
كان بن نعوم قد أطلق سراحه لمدة خمسة أشهر فقط قبل اعتقاله مجددًا في ديسمبر 2019. وقد سُجن الناشط بين أبريل 2018 ويونيو 2019 بتهمتي “الإساءة لرئيس الجمهورية” و”إحياء جراح المأساة الوطنية”، وذلك بموجب المادة 46 من قانون السلم والمصالحة الوطنية لعام 2006، الذي يحظر النشر عن الحرب الأهلية الجزائرية. وقد تم الإفراج عنه بشروط، قبل 10 أشهر من انتهاء مدة عقوبته، بناء على طلب من محاميه. وفي عام 2013، كان بن نعوم أيضًا موضوع رسالتين من الإجراءات الخاصة بالأمم المتحدة بشأن الاعتقال التعسفي والاستخدام المفرط للقوة.
المنظمات الموقعة
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
- منظمة العفو الدولية
- منظمة المادة 19
- الكنفدرالية العامة المستقلة للعمال في الجزائر
- التحالف العالمي لمشاركة المواطنين- سيفيكس
- الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان ) في إطار مرصد حماية المدافعين عن حقوق الإنسان(
- المنظمة الدولية لمناهضة التعذيب )في إطار مرصد حماية المدافعين عن حقوق الإنسان(
- ريبوست انترناشيونال
- النقابة الوطنية المستقلة لمستخدمي الإدارة العمومية
- نقابة أساتذة التعليم العالي المتضامنين
[1] يدعى أيضًا خالدي ياسين.
[2] القانون رقم 05-04 المؤرخ في 27 ذو الحجة 1425 (6 فبراير 2005) بشأن مدونة تنظيم السجون وإعادة الإدماج الاجتماعي للنزلاء، ويمكن الوصول إليه هنا.
Share this Post