في 12 يوليو، انضم مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان إلى 7 منظمات دولية وفرنسية وجزائرية في رسالة مشتركة إلى رئيس الوزراء الفرنسي ووزير أوروبا والشئون الخارجية ووزير الدفاع بشأن صادرات فرنسا من الأسلحة للجزائر.
أعربت الرسالة عن قلق المنظمات البالغ إزاء الزيادة الأخيرة في مبيعات الأسلحة الفرنسية للجزائر، بما في ذلك أسلحة قوات مكافحة الشغب، وذلك في ضوء التصعيد القمعي بحق المتظاهرين السلميين في الجزائر في الأشهر الأخيرة واحتمالية استخدام هذه الأسلحة في ارتكاب انتهاكات جسيمة بحقهم.
وطالبت الرسالة الحكومة الفرنسية بمراجعة قرارها بتصدير الأسلحة للحكومة الجزائرية، في ظل ما وثقته المنظمات الحقوقية من ارتكابها لانتهاكات جسيمة واستخدمها المفرط للقوة والقمع؛ وذلك لتجنيب فرنسا تهمة التواطؤ في انتهاكات حقوق الإنسان ومخالفة التزاماتها الدولية.
كما أكدت الرسالة أيضًا على الحاجة الملحة لضمان رقابة برلمانية حقيقية على مبيعات الأسلحة في فرنسا، والمزيد من الشفافية من جانب الحكومة الفرنسية في هذا الصدد.
12 يوليو 2021
على فرنسا إعادة تقييم صادراتها من الأسلحة للجزائر لتجنب التواطؤ على قمع المتظاهرين السلميين
رئيس الوزراء، السيد جان كاستكس
وزير أوروبا والشئون الخارجية، السيد جان إيف لودريان
وزيرة الدفاع، السيدة فلورنس بارلي
منذ فبراير 2021 وحتى الآن، صعّدت السلطات الجزائرية، بشكل حاد، قمعها بحق المتظاهرين السلميين والصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان، حسبما أشارت مؤخرًا 82 منظمة حقوقية جزائرية ودولية. إذ تم اعتقال أكثر من 6400 متظاهرًا سلميًا. وحتى 30 يونيو وصل عدد سجناء الرأي المعتقلين إلى 304 معتقلًا، وهو ما يعد رقمًا قياسيًا منذ 2019. فضلاً عن توثيق استخدام السلطات الجزائرية للقوة غير المشروعة بحق المتظاهرين مرارًا وتكرارًا.
وفي ضوء هذا التصعيد القمعي المكثف، والتقرير الأخير الصادر عن وزارة الدفاع الفرنسية حول صادرات الأسلحة الفرنسية لعام 2020، تدعو منظماتنا الحكومة الفرنسية لإعادة تقييم صادراتها من الأسلحة إلى الجزائر، وتحديدًا «عناصر مكافحة الشغب»؛ لتجنب التواطؤ في الانتهاكات المتكرّرة لحقوق الإنسان في الجزائر ومخالفة فرنسا لالتزاماتها الدولية. كما تنضم منظماتنا للعديد من المنظمات الفرنسية والدولية، والتي أكدت على مدار سنوات، على الحاجة الملحّة لضمان وتنفيذ رقابة برلمانية حقيقية على مبيعات الأسلحة الفرنسية، بالإضافة إلى تعزيز الشفافية من جانب الحكومة، ما يتيح إجراء نقاش عام حقيقي.
ورغم تسبب جائحة كوفيد–19 في انخفاض صادرات الأسلحة عالميًا بنسبة 41%، تبقى فرنسا ثالث أكبر مُصدّر للأسلحة في العالم، بعد الولايات المتحدة وروسيا، خلال الفترة بين 2016–2020. ووفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، فقد تزايدت صادرات فرنسا من المعدّات العسكرية في الفترة نفسها بنسبة 44%، مقارنةً بالفترة بين 2011–2015. والعملاء الرئيسيين لمبيعات الأسلحة الفرنسية هم الولايات المتحدة وأوروبا والمملكة العربية السعودية ومصر. هذا بالإضافة إلى تصدير فرنسا لعدد كبير من المعدّات العسكرية للجزائر خلال الفترة نفسها.
فبين عامي 2016 و2020، تصاعد إجمالي واردات الجزائر من الأسلحة بنسبة 64٪ مقارنةً بالسنوات الخمس السابقة. كما زادت صادرات الأسلحة الفرنسية للجزائر بين عامي 2016 و2020 بنسبة 122٪ مقارنةً بالفترة بين (2011-2015). ويلاحظ أنه بعد انخفاض طفيف في 2018، نفّذت السلطات الجزائرية طلبيات أسلحة من فرنسا بقيمة تتجاوز 158 مليون يورو خلال عامي 2019 و 2020.
كما واصلت فرنسا، خلال عام 2019، تصدير الأسلحة للجزائر، متجاهلةً التقارير المتعددة التي توثّق تصاعد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بحق المتظاهرين السلميين والنشطاء والصحفيين. وكان من بين هذه الصادرات مواد مدرجة في قائمتي ML7 وML الموجهة لاستخدام المحترفين، حسب دليل تصنيف المواد الحربية. ووفقًا للتقرير المقدم للبرلمان الفرنسي، فإن تصنيف ML7 ينطبق على «عناصر كيميائية أو بيولوجية سامة، والمواد المشعة، والمعدات والمكونات والمواد ذات الصلة، ووسائل الكشف والحماية». في السياق الحالي، تتعارض هذه الصادرات تمامًا مع التزامات فرنسا الدولية والأوروبية والوطنية.
تدعو هذه الحقائق والأرقام للقلق بشكل خاص في ظل سياق الاحتجاج السياسي واسع النطاق والقمع العنيف في الجزائر؛ فمنذ فبراير 2019، ومع انطلاق مسيرات «الحراك» –وهي حركة شعبية سلمية تطالب بمزيد من الحرية والديمقراطية، استهدفت السلطات الجزائرية المتظاهرين والنشطاء والصحفيين وأعضاء المجتمع المدني المعارضين سلميًا للحكومة، واعتقلت وحاكمت تعسفيًا عددًا كبيرًا منهم.
ففي نهاية 2019، ومع اقتراب موعد إجراء الانتخابات الرئاسية، تمّ اعتقال العديد من قادة المجتمع المدني والصحفيين، وواجهوا أحكامًا مشددةً بالسجن لمجرد مشاركتهم في هذه المسيرات. الأمر الذي دفع عدة منظمات حقوقية للتنديد بـ «موجة القمع المتزايد» ووصف الأمر باعتباره «استراتيجية متعمدة من قبل السلطات الجزائرية لسحق المعارضة». ومؤخرًا وصفت منظمة العفو الدولية التهم الموجهة بحق المعارضين الرئيسيين للنظام وأعضاء المجتمع المدني بأنها «ستار من الدخان يهدف لإسكات المدافعين عن حقوق الإنسان وتضييق الخناق على عملهم».
وخلال الأسابيع الأخيرة، ومع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية في 12 يونيو، ضاعفت السلطات الجزائرية القمع؛ سعيًا لإسكات كافة الأصوات المعارضة. ففي 14 مايو 2021، اعتقلت الشرطة تعسفيًا ما لا يقلّ عن 1000 شخصًا خلال الأسبوع 117 من مسيرات الحراك. وفي كل أسبوع، تعتقل السلطات الجزائرية عشرات النشطاء، وتحكم عليهم، وتضعهم تحت إشراف قضائي أو تسجنهم، كما تواجه المنظمات والأحزاب المعارضة تهديدات بحلها.
وطبقًا للشهادات الموثقة ومقاطع الفيديو والمقالات الصحفية، لم تتردّد شرطة مكافحة الشغب الجزائرية في استخدام القوة بحق المتظاهرين السلميين والصحفيين. إذ أفادت تقارير صحفية صادرة عن (الكل عن الجزائر) TSA ووكالة الأخبار الفرنسية AFP، أنه منذ عام 2019، استخدمت قوّات الشرطة، إلى جانب إلقاء الهراوات أو الحجارة، قنابل الغاز المسيل للدموع ضد المتظاهرين (ومن بينهم الأطفال)، الأمر الذي أدّى لإصابة عدد كبير منهم. ومنذ فبراير 2021، تواترت الشهادات عن إساءة استخدام الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه لتفريق المتظاهرين. وفي 14مايو بالجزائر العاصمة، أظهرت مقاطع فيديو الشرطة تضرب المتظاهرين. وفي 4 و12يونيو، شنت قوات الأمن حملة عنيفة على المتظاهرين في عدة ولايات. وأسقطت الرصاصات المطاطية في البويرة عشرات الجرحى، بإصابات بعضها خطيرة.
في 5 مايو الماضي، دعت المفوضية السامية لحقوق الإنسان السلطات الجزائرية للوقف الفوري للاعتقالات التعسفية والعنف. وفي 18 يونيو، ندّد كليمان نيالتسوسي فولي، مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في التجمع السلمي وتكوين الجمعيات، باستخدام السلطات الجزائرية التعسفي وغير المتناسب للقوة بحق المتظاهرين السلميين، بما في ذلك استخدام الغاز المسيل للدموع.
من الجدير بالذكر أنه بحسب معاهدة تجارة الأسلحة التي صادقت عليها فرنسا؛«يجب على أي دولة طرف مُصدِّرة تقييم ما إذا كان تصدير أسلحتها يمكن استخدامه لارتكاب انتهاك جسيم للقانون الدولي لحقوق الإنسان أو تيسير ارتكابه». كما تنص المادة 7 من المعاهدة على «إذا رأت الدولة الطرف المُصدِّرة بعد إجراء هذا التقييم […] أن هناك خطرًا كبيرا بحدوث إحدى النتائج السلبية […]، فإنها لا تأذن بالتصدير»، و«إذا حصلت الدولة الطرف المصدرة، بعد منح الإذن على معلومات جديدة ذات صلة، فإنها تشجع على إعادة النظر في الإذن». هذا بالإضافة إلى أن النشاط الاقتصادي لفرنسا مقيد بموجب المبادئ التوجيهية للمفوضية السامية لحقوق الإنسان بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان. إذ تعد هذه المبادئ التوجيهية بمثابة أساس لإعلان مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان، الذي اعتمدته لجنة وزراء مجلس أوروبا في عام 2014. كما سبق وأصدرت اللجنة الوزارية أيضًا توصيات إضافية للتأكيد على دور السفارات في توفير المعلومات حول العواقب المحتملة لنشاط الدول الأعضاء في الدول الأجنبية.
تخضع فرنسا أيضًا للالتزامات التي وقعت عليها من خلال مجلس الاتحاد الأوروبي، مثل الموقف المشترك للمجلس 2008/944 / CFSP، أو الاستراتيجية العالمية للاتحاد الأوروبي بشأن السياسة الخارجية والأمن. وتتضمن هذه النصوص قيودًا على التجارة الخارجية أو مبيعات الأسلحة بهدف تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان. في 29 أبريل 2020، أعلن ديدييه رينديرز، المفوض الأوروبي للعدالة أن المفوضية الأوروبية ملتزمة «باقتراح تشريع يهدف لتوخي اليقظة المعقولة في مسائل حقوق الإنسان الإلزامية في 2021» بهدف معالجة انتهاكات حقوق الإنسان التي تسبب فيها النشاط الاقتصادي الأوروبي. وفي عام 2017، صادقت فرنسا أيضًا على القانون المتعلق بواجب يقظة الشركات (القانون عدد 399 لسنة 2017) الذي يُشرِّع ليقظة معقولة في مجال حقوق الإنسان.
لكن للأسف، وبرغم كل هذه الالتزامات الدولية والأوروبية والوطنية، تواصل فرنسا تصدير الأسلحة والسلع ذات الاستخدام المزدوج إلى البلدان التي تنتهك حقوق الإنسان بما في ذلك الجزائر.
الموقعون:
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
- ائتلاف عائلات المختفين قسريا في الجزائر
- الفيدرالية الأورو-متوسطية ضد الاختفاء القسري
- اوروميد رايتس
- الرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان
- الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان
- التصدي الدولي
- منظمة العمل معاً من أجل حقوق الإنسان
Share this Post