Ammi Louiza/ABACAPRESS.COM via REUTERS

الجزائر: استهداف المحامين يمثّل تصعيدًا جديدًا في تجريم الحريّات الأساسية

In البرنامج الدولي لحماية حقوق الإنسان, دول عربية by CIHRS

تعرب المنظمات الحقوقية، الجزائرية والإقليمية والدولية، الموقعة أدناه عن قلقها البالغ بشأن استهداف هيئة الدفاع عن معتقلي الحراك، وذلك ضمن حملة انتقامية أوسع تشنها السلطات الجزائرية بحق حركة «الحراك» السلمية بشكل عام. كما تعرب المنظمات عن قلقها البالغ إزاء العقوبات الأخيرة الصادرة بحق بعض القضاة، والتشكيك في حصانة المحامين، والمصادقة على الأمر رقم 09-21 الذي يفرض عقوبة تصل للسجن خمس سنوات على تبادل المعلومات حول التحقيقات أو المحاكمات الجارية بما في ذلك بين المحامين، الأمر الذي يستهدف عرقلة العمل الدفاعي والحقوقي، ويتيح المجال للعديد من الممارسات الانتقامية والقمعية.

يتزامن استهداف المحامين والقضاة الجزائريين مع حالة الإغلاق شبه الكامل للمجال العام الجزائري، والحيلولة دون الاحتجاجات السلمية، وذلك من خلال الاعتقالات الجماعية، والاستخدام المتزايد للقوة غير المشروعة والاعتداء على المتظاهرين، والملاحقات القضائية التعسفية بحق المتظاهرين السلميين والنشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين؛ فحتى 30 يونيو، وصل عدد سجناء الرأي في السجون إلى 304 معتقل، وهو رقم قياسي، فضلًا عن اعتقال واحتجاز أكثر من 6400 متظاهر سلمي منذ استئناف حركة «الحراك» الاحتجاجية المؤيدة للديمقراطية.[1] كما اتخذت السلطات الجزائرية اتجاهًا جديدًا يتمثل في مقاضاة المدافعين عن حقوق الإنسان والمتظاهرين السلميين والصحفيين استنادًا إلى تهم تتعلق بالإرهاب، وتفتقر لأي أساس من الصحة؛ الأمر الذي يثمن دور المحامين في حماية سيادة القانون وحقوق الإنسان في سياق حالة القمع الحالية في الجزائر.

على الجانب الأخر، وردت للمنظمات معلومات بتصاعد استهداف المحامين كجزء من هذه الحملة القمعية على الحريات الأساسية في الجزائر. ففي يوليو 2019، أعقاب الموجة الأولى من الاعتقالات بحق متظاهري الحراك السلميين، تشكلت هيئة الدفاع عن معتقلي الحراك؛[2] للدفاع تطوعيًا عن أولئك الذين تمّت ملاحقتهم تعسفيًا. الأمر الذي دفع السلطات الجزائرية لاستهداف أعضاء هذه الهيئة بالملاحقات القضائية والترهيب.

فعلى سبيل المثال، في 26 مايو 2021، تم اعتقال محامي حقوق الإنسان عبد الرؤوف أرسلان، ممثل هيئة الدفاع عن معتقلي الحراك في تبسة، على خلفية تهم تتعلق بالإرهاب، من بينها «المشاركة في منظمة إرهابية» (المادة 87 مكرر 2 و87 مكرر 3 من قانون العقوبات) و«نشر أخبار كاذبة من شأنها المساس بالأمن العمومي والنظام العام» (المادة 196 بصيغتها المعدّلة في أبريل 2020). ومن الواضح أن الملاحقة القضائية لأرسلان مرتبطة بعمله كمحامي حقوقي، ودفاعه الطويل عن نشطاء الحراك، لا سيّما الناشط عزيز بكاكرية، إذ تمّ اعتقال أرسلان أثناء تواجده في المحكمة كمحامي عنه. ويقبع عبد أرسلان حاليًا رهن الاعتقال السابق للمحاكمة، في القضية نفسها التي تضم عزيز بكاكرية ورضوان حميدي، وعز الدين منصوري، وجميعهم من نشطاء الحراك. وخلال جلسة التحقيق، تم استجواب أرسلان حول علاقته بكاكرية، وببعض فيديوهات على الإنترنت تحدّث فيها عن «الحراك» وقمع السلطات، وعن انتمائه لحركة «رشاد»، وهو الأمر الذي نفاه.[3]

ويعد اعتقال أرسلان بناءً على مزاعم تتعلق بالإرهاب لا أساس لها من الصحة، وأثناء ممارسة عمله في الدفاع عن أحد نشطاء الحراك، تصعيدًا كبيرًا يعكس استعداد السلطات الجزائرية لتقويض سيادة القانون وعرقلة العدالة، كما تعد بمثابة رسالة سياسية موجهة لجميع المحامين والحقوقيين.

وفي سياق متصل، تم إيقاف المحامين محمد الأمين بن دحمان ومحمد مكاوي عن العمل، في 25 أبريل و25 مايو على التوالي، دون أي مبرّر سوى انخراطهم في هيئة الدفاع عن معتقلي الحراك بتلمسان، ودفاعهم عن معتقلي الحراك. وكان رئيس نقابة المحامين بتلمسان قد حذّرهما قبل إيقافهم عن العمل من التحدث علنًا عن محاكمة معتقلي الحراك، وهددهما بالانتقام إذا خاضوا انتخابات نقابة المحامين المحلية. كما وردت معلومات باستهداف العديد من المحاميات،[4] عضوات الهيئة، بحملات تشهير على وسائل التواصل الاجتماعي. والإبلاغ عن عدة حالات افتقر فيها المتظاهرون والنشطاء المحتجزون لمحاميهم ومنعوا من التواصل معهم. فعلى سبيل المثال، عُرض المدافع عن حقوق الإنسان جمال لاليلاش أمام قاضي التحقيق في 4 مايو دون محام.

القمع نفسه أمتد أيضًا فنال من بعض القضاة ، إذ تم عُزل القاضي سعد الدين مرزوق في 30 مايو، وتلقى نائب المدعي العام أحمد بلهادي تحذيرًا من مجلس القضاء الأعلى، في أعقاب الإجراءات التي بدأتها وزارة العدل، فيما يتعلق بدعمهما لحركة «الحراك» ودفاعهما عن استقلال القضاء.

كانت المحكمة العليا الجزائرية قد قبلت، في 28 مارس 2021، استئنافًا بشأن عدم دستورية المادة 24 من النظام الأساسي للمحامين. والتي تنص على أنه لا يمكن مقاضاة المحامين بسبب أفعالهم وأقوالهم ومحرراتهم في سياق المناقشات أو المرافعات في المحكمة، وأن المحامي خلال ممارسته لمهنته “يتمتّع بالحماية المطلقة لسرية العلاقات بينه وبين موكليه، وضمان سرية ملفاته ومراسلاته. وتضمن المادة 24 حصانة المحامين أثناء أداء واجباتهم، وتعد أساسية لحماية المحامين من أي ضغوط، بما يتماشى مع المعايير القانونية الدولية، مثل المادة 20 من مبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن دور المحامين (المبادئ الأساسية).[5]  لذا يعد قبول الاستئناف على عدم دستوريتها تهديدًا مقلقًا لحصانة المحاميين.

,في 8 يونيو تبنت الجزائر الأمر الرئاسي 21-09  الذي زاد الوضع سوءً؛ وذلك لإمكانية استخدامه في ملاحقة وتجريم عمل المحامين والعمل الحقوقي بشكل عام. إذ ينصّ على عقوبة السجن 15 عامًا جراء تبادل المعلومات «السرية»، بينما تبنى الأمر تعريفًا فضفاضًا لكلمة (السرية) يسمح بالتفسير غير الموضوعي والتعسّفي.[6] كما ينص الأمر على السجن من 3 إلى 5 سنوات كعقوبة على تبادل المعلومات حول التحقيقات القضائية أو المحاكمات الجارية.[7] وبموجب هذا الأمر الرئاسي، يصبح بإمكان السلطات مقاضاة أي شخص ينشر معلومات تعتبرها السلطات «سرية» أو «تقوض» مصالحها، ولمنع  تبادل المعلومات حول تحقيق جاري، بما في ذلك مع الآليات التابعة للأمم المتحدة. ويشكل هذا الأمر خطوة أخرى في طريق عرقلة عمل المحامين، ومخالفة جسيمة لمبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن دور المحامين.

فبحسب المادة 16 من هذه المبادئ، على الحكومات ضمان أن المحامين «قادرين على أداء جميع وظائفهم المهنية دون ترهيب أو مضايقة أو تدخل غير لائق. وألا يتعرضوا للتهديد بالملاحقة القانونية أو العقوبات الإدارية أو الاقتصادية أو غيرها من العقوبات نتيجة أداء عملهم على نحو يتفق مع واجبات ومعايير وآداب المهنة المعترف بها». كما تتيح المادة 23 من هذه المبادئ للمحامين –مثل أي مواطن آخر– الحق في حرية التعبير والمشاركة في المناقشات العامة للمسائل المتعلقة بالقانون وإقامة العدل وتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها.

وكما هو واضح في تقرير المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني باستقلال القضاة والمحامين في أبريل 2019[8]، يمكن للقضاة والمدعين العامين أيضًا ممارسة حقهم في حرية التعبير طالما أن ذلك لا يهدد كرامة مناصبهم وحيادهم واستقلالهم.

ومن الجدير بالذكر أن المتحدث باسم المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، روبرت كولفيل، كان قد أعرب في 11 مايو 2021 عن قلقه إزاء الوضع في الجزائر، قائلًا «لا تزال حقوق حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي والمشاركة في الشئون العامة تتعرض للهجوم». ودعا السلطات الجزائرية «للكف عن جميع أشكال الملاحقة والترهيب بحق الأشخاص المشاركين في حركة «الحراك».

المنظمات الحقوقية الموقعة على هذا البيان تطالب الحكومة الجزائرية بضمان تمكين كافة المحامين وأعضاء السلطة القضائية في الجزائر من ممارسة وظائفهم دون تهديد أو ترهيب أو إعاقة أو مضايقة أو تدخل غير لائق أو أعمال انتقامية. وتحث السلطات الجزائرية على وقف الملاحقات والعقوبات التعسفية لأعضاء حركة الحراك بشكل عام، والمحامين والقضاة بشكل خاص، بما في ذلك وقف الملاحقة القضائية للمحامي عبد الرؤوف أرسلان، وإعادة القضاة والمحامين الذين صدرت بحقهم عقوبات تعسفية، وإلغاء الأمر الرئاسي رقم 21-09.

المنظمات الموقعة:

  1. مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
  2. منظمة محامون من أجل المحامين
  3. الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان
  4. معهد نقابة المحامين الدولية لحقوق الإنسان ‎(IBAHRI)
  5. معهد سيادة القانون التابع للرابطة الدولية للمحامين (UIA-IROL)
  6. منظمة مراقبة حقوق المحامين كندا
  7. جمعية القانون في إنجلترا وويلز

[1] في فبراير 2019، اندلعت احتجاجات سلمية في الجزائر، إيذانا بانطلاق حركة «الحراك». وطالب المتظاهرون باستقالة الرئيس بوتفليقة آنذاك. وبعد استقالته  في أبريل 2019، دعوا للانتقال للحكم الديمقراطي المدني وسيادة القانون. وبسبب جائحة كوفيد–19 توقفت احتجاجات الحراك بين مارس 2020 وفبراير 2021.
[2] تم إدراج هيئة الدفاع عن معتقلي الحراك ضمن القائمة المختصرة لتكون ضمن المرشحين النهائيين لجائزة منظمة محامون من أجل المحامين لعام 2021.
[3] يُقال إن عزيز بكاكرية عضو في حركة «رشاد»، وهي حركة سياسية معارضة تأسست عام 2007 في لندن. في 18 مايو، أدرج المجلس الأعلى للأمن برئاسة الرئيس الجزائري حركة «رشاد» وحركة تقرير المصير في منطقة القبائل «الماك» -وهي حركة سياسية معارضة أمازيغية تأسست في عام 2001- على قائمة «المنظمات الإرهابية» على أساس «الأعمال العدائية والتخريبية المرتكبة (…) لزعزعة استقرار البلاد وتهديد أمنها». ومنذ استئناف احتجاجات الحراك في فبراير 2021، ندّدت السلطات مرارًا وتكرارًا بأن حركتي رشاد والماك هي حركات تخريبية وعنيفة، دون أساس واضح.
[4] تفضل هؤلاء المحاميات عدم الكشف عن هويتهن.
[5] تقدم مبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن دور المحامين وصفًا موجزًا للمعايير الدولية المتعلقة بالجوانب الرئيسية للحق في الاستعانة بمحامٍ مستقل. تم تبني هذه المبادئ بالإجماع في مؤتمر الأمم المتحدة الثامن لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين في كوبا، 7 سبتمبر 1990. و«رحبت» الجمعية العامة للأمم المتحدة «بالمبادئ الأساسية في قرارها المتعلق بحقوق الإنسان في إقامة العدل»، المعتمد دون تصويت في 18 ديسمبر 1990 في دورة اللجنة الثالثة والجلسة العامة للجمعية العامة.
[6] أنظر للمادتين 3 و6 من المرسوم.
[7] تحظر المادة 10 من المرسوم «أي شخص من نشر أو إفشاء محاضر [بيان وقائع القضية] وأوراق التحريات والتحقيق القضائي، أو تمكين من لا صفة له من حيازتها» دون تعريف المصطلح «لا صفة له». وبموجب المادة 32، ينص المرسوم على عقوبة السجن من3 إلى 5 سنوات وغرامة تتراوح بين 300 و500 ألف دينار لهذه الجريمة.
[8] تقرير A / HRC / 41/48 المقدم إلى مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في جلسته الـ 41، من المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني باستقلال القضاة والمحامين.

Share this Post