WikiCommons

الجزائر – مسعى لحل جمعية شبابية بارزة: قضية الحكومة ضد «راج» تهدد حرية تكوين الجمعيات

In البرنامج الدولي لحماية حقوق الإنسان, دول عربية by CIHRS

طالبت خمس منظمات حقوقية دولية، في بيان مشترك صباح اليوم، السلطات الجزائرية بوقف سعيها لحلّ جمعية «تجمع – عمل – شبيبة»، والمعروفة بالمُسمى الفرنسي Rassemblement Actions Jeunesse أو «راج»، على خلفية مزاعم بانتهاكها قانون الجمعيات. ومن المنتظر في 13 أكتوبر أن تُصدر المحكمة الإدارية حُكمًا في القضيّة التي رفعتها وزارة الداخليّة ضدّ الجمعية.

في 29 سبتمبر، نظرت محكمة بئر مراد رايس بالعاصمة في عريضة لحلّ «راج» زعمت أنّ أنشطتها «السياسية» قد خرقت الأهداف المنصوص عليها في قانونها الأساسي. بينما أنكر قادة «راج» التهمة، مؤكدين أن السلطات تستهدف الجمعية بسبب دعمها لـ «الحراك» المؤيد للديمقراطية، والذي انطلق في 2019.

المنظمات الحقوقية الخمس هي «هيومن رايتس ووتش»، «منظمة العفو الدولية»، «مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان»، «الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان»، و«منّا لحقوق الإنسان».

وبحسب إريك غولدستين، مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالإنابة في هيومن رايتس ووتش فإن «السعي لحلّ إحدى أكبر جمعيات المجتمع المدني الجزائري استنادًا على أسس واهية يعد محاولة أخرى لسحق الحراك. وتأتي هذه الخطوة في ظلّ استمرار الاعتقالات التعسفية، ومحاكمات النشطاء والصحفيين، وتوقيف المتظاهرين».

وتواصل قوات الأمن الجزائرية قمع الأفراد والمجموعات المرتبطة بالحراك، وهو حركة احتجاجية تحشد أعدادًا كبيرة من المتظاهرين منذ فبراير 2019. في المقابل، يواصل المتظاهرون المطالبون بإصلاحات ديمقراطية الخروج إلى الشارع بعدما استقال الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة في أبريل 2019، وخلفه عبد المجيد تبّون بعد سبعة أشهر في انتخابات متنازع حولها.

كانت «راج» قد تأسست في 1992، بهدف «تعزيز النشاط الثقافي، وحقوق الإنسان، وقِيَم المواطنة»، حسبما ينص قانونها الأساسي، ولاحقًا أصبحت معروفة بعملها في مجال التعبئة على مستوى القواعد الشعبية بين الشباب الجزائري. وفي 2019، أيّدت «راج» الحراك بشكل علني، وأصبح مقرّها نقطة التقاء ونقاش للنشطاء. كما شاركت في تأسيس «ميثاق البديل الديمقراطي»، ويتكون من مجموعة من أحزاب المعارضة، ومنظمات المجتمع المدني، وأعضاء من النقابات العمالية، ومحامين، ومثقفين. وأعلن «ميثاق البديل الديمقراطي» رفضه انتخاب تبّون، مطالبًا بإجراء إصلاح عميق لمؤسسات الدولة.

في المقابل، وعلى مدار 2019، حاكمت السلطات الجزائرية 11 من أعضاء «راج»، وسجنت ما لا يقلّ عن تسعة من قادة الحركة ونشطائها بتهم تتعلق بالتعبير، كما حظرت بعض أنشطتها، مثل «المدرسة الصيفية» في أغسطس2019.

«إن حل جمعية «راج» –إن حدث– سيمثل تدهورًا جديدًا في حرية تكوين الجمعيات» بحسب نداج الأحمر، الباحثة في شئون دول المغرب العربي بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، وتضيف «إن استهداف السلطات الجزائرية لجمعية شبابية داعمة للحراك يوضح ببساطة سعيها لإسكات الأصوات المستقلة والسلميّة».

كانت «راج» قد أعلنت في 26 مايو تلقيها بلاغًا بعريضة قدّمتها وزارة الداخلية لمحكمة إدارية؛ لطلب حلّها. وزعمت العريضة أن المجموعة شاركت في أنشطة «متناقضة مع تلك المنصوص عليها عند تأسيسها»، كما أنها «أجرت أنشطة مع أجانب»، و«ساهمت في تحريض الناس على التجمع دون ترخيص»، و«تبنّت خطة ذات طبيعة سياسية بهدف خلق الفوضى وتعكير صفو النظام العام».

وبحسب عبد الوهاب فرساوي، رئيس «راج»، فإن «اتهام وزارة الداخلية لـ «راج» بخرق القانون يستند إلى الأنشطة العامة اليومية التي نظمتها الجمعية أثناء الحراك، مثل المنتديات، والمناظرات، والمبادرات الوطنية… مع ملايين الجزائريين من أجل التوصل إلى حلّ موحّد وتوافقي للأزمة».

العريضة التي قدمتها وزارة الداخلية لحل «راج» استندت للمادة 43 من «قانون الجمعيات» الجزائري لسنة 2012 والتي تنص على أنه يُمكن للسلطات السعي للحصول على حكم من المحكمة بحلّ جمعيّة ما «عندما تمارس نشاطًا أو عدة أنشطة أخرى غير تلك التي نصّ عليها قانونها الأساسي». كما استشهدت عريضة الحكومة بالمادة 13، التي تنصّ على أن الجمعيات «تتميز بهدفها وتسميتها وعملها عن الأحزاب السياسية، ولا يُمكنها أن تكون لها أية علاقة بها سواء كانت تنظيمية أو هيكلية». وترى السلطات أن المنظمة «تبنت خططًا ذات طبيعة سياسية» بربط علاقات مع حزبين سياسيين معارضين، كما دعت وشاركت في مسيرات 2019، ورفعت شعارات تطالب بـ «جزائر حرة وديمقراطية». وزعمت العريضة أنّ «راج» «تُشكّل خطرا على السيادة الوطنية، والسياسة الخارجية للدولة، والنظام العام والأمن».

رأت العريضة أيضًا أنّ الجمعية خرقت المادة 23 من قانون الجمعيات التي تنص على أن يكون التعاون مع المنظمات الدولية والأجنبية «في ظلّ احترام القيم والثوابت الوطنية»، و«يخضع إلى الموافقة المسبقة للسلطات المختصة». مُتهمةً الجمعية بمقابلة ممثلين عن منظمة العفو الدولية و«الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان».

واستشهدت العريضة ببرنامج تلفزيوني يعود تاريخه إلى 2019، عبّر خلاله عبد الوهاب فرساوي، رئيس الجمعية عن دعمه لسياسيين معتقلين «كدليل على أنشطة «راج» السياسية»، كذا استشهدت بمنشور على «فيسبوك» انتقد فيه فرساوي قمع نشطاء الحراك، ودعا لاستئناف الاحتجاجات في الشوارع بعد رفع قيود الصحة العامة المتعلقة بجائحة «كوفيد-19».

يذكر أن فرساوي قد اعتُقل في 10 أكتوبر 2019، على خلفية مشاركته في اعتصام تضامني مع معتقلي الحراك، واتُهِم بـ «المساس بسلامة التراب الوطني». وحكم عليه في أبريل 2020، بالسجن لمدة سنة، ولكن أطلق سراحه بعد شهر، بعدما أمضى سبعة أشهر في الحبس الإحتياطي. واستشهدت الحكومة بمحاكمة فرساوي والحكم الصادر ضدّه كدليل على انخراط «راج»  في أنشطة غير قانونية.

وفي 2019 و2020، اعتُقل العديد من الأعضاء البارزين في «راج»، مثل مؤسسها حكيم عدّاد، خلال مسيرات الحراك، واتُهموا بـ «التجمهر غير القانوني» و«المساس بسلامة وحدة الوطن». في 22 يونيو، برّأت محكمة سيدي امحمّد النشطاء من التهم الموجهة إليهم، وهم جلال مقراني، وحكيم عداد، وكمال ولد اعلي، وحميمي بويدر، ومسينيسا عيسوس.

وفي قضيّة أخرى، حكمت محكمة سيدي امحمد يوم 8 يوليو على حكيم عدّاد غيابيًا بالسجن لمدة سنة بتهمة «التحريض على التجمهر غير المسلح»، وتهم أخرى على خلفية منشورات على الانترنت ساند فيها الحراك.

ووثقت هيومن رايتس ووتش في الماضي توظيف السلطات الجزائرية قانون الجمعيات لقمع الحق في تكوين الجمعيات. ففي فبراير 2018، أغلقت السلطات مكاتب لمنظمتين لحقوق المرأة في وهران، غرب الجزائر العاصمة، بدعوى أنهما غير مسجلتين، رغم تأكيد كلتا الجمعيتين تقديمهما طلبات تسجيل.

في مايو 2012، وصف مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات قانون الجمعيات بـأنه «الخطوة إلى الوراء». وبينما تنص المادة 2 من قانون الجمعيات على أن تكون أهداف الجمعية «ضمن الصالح العام، وأن لا تكون مخالفة للثوابت والقيم الوطنية والنظام العام والآداب العامة». إلا أنه، بحسب هيومن رايتس ووتش، فإن تلك الصياغة الفضفاضة لا تسمح للجمعيات بمعرفة ما إذا كانت أنشطتها تصل حد الجريمة، كما أنها تمثل تهديدًا لممارسة الحق في حرية التعبير وتكوين الجمعيات. وتضيف هيومن رايتس ووتش أنّ الأحكام القانونية التي استخدمتها السلطات الجزائرية لالتماس حلّ «راج» تتعارض مع الحق في حرية تكوين الجمعيات؛ مؤكدةً أن الجمعيات يجب أن تكون حرّة في تحديد قوانينها وأنشطتها واتخاذ قراراتها دون تدخل من الدولة، وينبغي ألا تواجه عقوبة الحلّ النهائي بسبب أنشطة قانونية وسلمية. كما ينبغي أن تكون حرة في إقامة علاقات مع كيانات خارجية تخضع لقوانين إفصاح معقولة، دون موافقة حكومية مسبقة.

وتكفل المادة 52 من الدستور الجزائري الحق في تكوين الجمعيات، وكذا تفعل المادة 10 من «الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب»، والمادة 22 من «العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية»، والجزائر طرف فيه منذ 1989.

وبحسب آمنة القلالي، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية فإن «العريضة التي قدمتها السلطات الجزائرية لحلّ «راج» تعتبر مؤشرًا مثيرًا للقلق عن عزمها اتخاذ المزيد من الإجراءات الصارمة بحق المنظمات الحقوقية المستقلة، وقمع حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع السلمي. ينبغي على السلطات الجزائرية إلغاء قانون الجمعيات القمعي بدلًا من توظيفه لسحق المعارضة».

Share this Post