إذ يرحب مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بقرار مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، بشأن حالة حقوق الإنسان في إقليم دارفور بالسودان، والذي تم إقراره بموافقة جميع الأعضاء في 30 مارس 2007، إلا أن المركز يبدي أسفه؛ لأن هذا القرار لم يُقِّر بالمسؤولية المباشرة للحكومة السودانية والجماعات المسلحة، عن انتهاكات حقوق الإنسان في دارفور، بالإضافة إلى تقاعسه عن إدانة هذه الانتهاكات. كما أنه رغم ما سبق من ملاحظات، فإن المركز يرى أن القرار يمثل أيضا خطوة إيجابية من المجلس بالاستمرار في الاهتمام بحالة حقوق الإنسان في دارفور واتخاذ إجراء في هذا الصدد.
لقد دعت بعض الدول في مجلس حقوق الإنسان، لا سيما الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، سيرا وراء طروحات الحكومة السودانية، إلى عدم الالتفات للتقرير الذي قدمته البعثة رفيعة المستوى بشأن حالة حقوق الإنسان في دارفور وعدم الاعتراف به لأسباب فنية تتعلق بالإجراءات. وهذه الدول، بإقدامها على ذلك، فإنها شكلت تهديد لقدرة مجلس حقوق الإنسان على الإقرار و اتخاذ قرار يتعلق بالوضع في دارفور. من ناحية أخرى اقترح السودان وحلفاؤه، رفض التقرير، خاصة وأن البعثة عجزت عن دخول السودان، لكن هذا «العجز» كان نتيجة رفض الحكومة السودانية منح أعضاء البعثة تأشيرات لدخول السودان. وفي الواقع، فإن هذه الحكومات بررت تجاهلها للاستنتاجات والتوصيات التي توصلت إليها البعثة، وتحدثت عن أن رفض السودان للتعاون مع البعثة بأنه يوفر أسسا كافية لتجاهل هذه الاستنتاجات والتوصيات!
فيما أشارت بعض الدول الأخرى الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان، بأن تقارير أخرى قدمت إلى لجنة حقوق الإنسان، تنتقد معاملة إسرائيل للفلسطينيين، ونظام التفرقة العنصرية السابق في جنوب أفريقيا، وحالات أخرى اعتبرت مقبولة من اللجان التي قدمت تلك التقارير، رغم عدم تعاون الدول التي شملتها التقارير. والبعثة رفيعة المستوى بشأن دارفور، مثلها مثل البعثات الأخرى السابقة، عندما صادفت عدم تعاون من الدولة، أجرت بحثها من خارج السودان بمساعدة الكثير من الخبراء الذين يتمتعون باحترام كبير، وبمعاونة شهود العيان على الأحداث في دارفور، وفي مخيمات اللاجئين من دارفور الموجودة في شرق تشاد، على نحو شفاف وبإحترافية عالية.
وقد شكلت حجج السودان والدول العربية/ الإسلامية في مجلس حقوق الإنسان فيما يتعلق بتقرير البعثة رفيعة المستوى، محاولات لإسكات أي نقد للانتهاكات واسعة النطاق والجسيمة لحقوق الإنسان التي تحدث في دارفور، والتي تتحمل الحكومة السودانية المسؤولية الأساسية عنها، ومن ثم فإنها تتجاهل معاناة الناس في هذا الإقليم. وهناك سوابق في الأمم المتحدة لمثل هذا النوع من السلوك. وعلى سبيل المثال، فإن الولايات المتحدة تستخدم حجج مختلفة داخل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة؛ لإسكات أي انتقاد أو محاولة لفرض عقوبات على إسرائيل لإنتهاكها لحقوق الإنسان في فلسطين.
وكما أشار مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في مداخلاته الشفهية والمكتوبة أمام مجلس حقوق الإنسان، فإن هذه المحاولة لمنح حصانة لحكومات مسؤولة عن الانتهاكات الجسيمة وواسعة النطاق لحقوق الإنسان، سواء كانت حكومة إسرائيل أو السودان، تعد ممارسة شديدة الخطورة تقوِّض جهود حماية حقوق الإنسان في أي مكان، من خلال الاستهزاء بهذه المعايير الدولية وبمعاناة هؤلاء الذين تنتهك حقوقهم الإنسانية، وقد دأبت الدول العربية والإسلامية على تقويض الجهود الرامية لتحميل الحكومة السودانية مسؤولية انتهاكات حقوق الإنسان في دارفور، لرفضها ببساطة الاعتراف بحدوث هذه الانتهاكات. إن الدول العربية والإسلامية بجعلها معايير حقوق الإنسان مشروطة بتحالفات سياسية إنما تقوض دون قصد الجهود الدولية لحماية حقوق الفلسطينيين.
وردا على هذه الممارسات السياسية وجهت العديد من الدول الأفريقية نداءات قوية لمجلس حقوق الإنسان كي يتخذ إجراء فيما يتعلق بقضية دارفور وتقرير البعثة رفيعة المستوى. وأشارت زامبيا إلى أن «التفسير الوحيد الذي سيقدمه النقاش المطول بشأن الجوانب الفنية وعدم الدخول إلى جوهر القضية هو أننا لا نعير الضحايا في دارفور أي اهتمام» بينما أصرت غانا على ضرورة ألا يتجاهل مجلس حقوق الإنسان تقرير دارفور. كما حثت نيجيريا وموريشيوس والسنغال والكاميرون المجلس على النظر في التقرير والتحرك استنادا إلى ما توصل إليه من استنتاجات. وقدمت المنظمات غير الحكومية الدولية والإقليمية، مداخلة مشتركة وقعتها منظمات غير حكومية، من كل مناطق العالم، تطالب مجلس حقوق الإنسان بإصدار قرار قوي بشأن حالة حقوق الإنسان في دارفور (وهذه المداخلة وغيرها من مداخلات مركز القاهرة ومجلس حقوق الإنسان المذكورة آنفا متاحة باللغتين العربية والإنجليزية على موقع مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان على الإنترنت على الرابط التالي: www.cihrs.org).
ويشير القرار بشأن دارفور الذي وافق عليه مجلس حقوق الإنسان في دورته الرابعة (S-4⁄101) (A/HRC/L.7/Rev.2)، والذي قدمته ألمانيا نيابة عن الاتحاد الأوروبي والجزائر نيابة عن المجموعة الأفريقية، إلى تقرير البعثة رفيعة المستوى عن حالة حقوق الإنسان في دارفور المقدم إلى الدورة الرابعة لمجلس حقوق الإنسان؛ ويبدي القرار قلقًا بشأن الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان وللقانون الدولي في إقليم دارفور، وخصوصا بشأن العنف ضد المرأة والأطفال؛ ويدعو إلى تشكيل مجموعة من ممثلي ومقرري الأمم المتحدة برئاسة المقرر الخاص لحالة حقوق الإنسان في السودان لمراقبة وضع حقوق الإنسان في دارفور وتعزيز تنفيذ توصيات الأمم المتحدة وتقديم تقرير إلى الدورة الخامسة لمجلس حقوق الإنسان. كما يدعو الحكومة السودانية للتعاون مع هذه المجموعة للمراقبة والمساعدة، كما يدعو الحكومة السودانية وجماعات المتمردين في دارفور لإحترام إتفاقية السلام في دارفور وإلتزامهم الكامل بها.
ويضع قرار مجلس حقوق الإنسان بشأن دارفور إمكانية لتحرك آخر من قبل المجلس بشأن حالة حقوق الإنسان في دارفور. واللجنة التي تشكلت بموجب هذا القرار لمراقبة حالة حقوق الإنسان في دارفور، ستقدم تقريرها للدورة الخامسة للمجلس فيما بين 11 و18 يونيو 2007. ويحث مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان مجلس حقوق الإنسان بشدة على الاستمرار في إعطاء حالة حقوق الإنسان في دارفور أولوية قصوى ، والبدء في تحميل الحكومة السودانية المسؤولية عن الإنتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان وللقانون الإنساني الدولي، التي تضطلع فيه بمسؤولية مباشرة وغير مباشرة داخل إقليم دارفور. وأي تأجيل لهذه العملية لن يؤدي إلا إلى استمرار اشتداد معاناة شعب دارفور. كما يحث مركز القاهرة جميع الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان على الإمتناع عن تقويض جهود هذه الهيئة، والتي هي مسئولة عن تقصي واتخاذ الإجراءات اللازمة تجاه أي حالة تحدث فيها إنتهاكات جسيمة وواسعة النطاق لحقوق الإنسا