تزامناً مع اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب، تؤكد المنظمات الحقوقية المستقلة الموقعة أدناه على أن التعذيب في مصر ممارسة ممنهجة تمارسها الدولة المصرية بحق السجناء في مصر، وذلك فقًا لتوصيف لجنة مناهضة التعذيب بالأمم المتحدة. وفيما تعلن المنظمات الموقعة مساندتها ودعمها الكامل لضحايا التعذيب والاختفاء القسري في مصر، تؤكد أن محاسبة ومعاقبة المسئولين عن جرائم التعذيب تعد من أهم خطوات مكافحة هذه الجريمة.
فعلى مدار السنوات الماضية، توسعت منظومة العدالة الجنائية بكافة مراحلها، بداية من مرحلة القبض وحتى مرحلة المحاكمة؛ في استخدام كافة أشكال التعذيب وسوء المعاملة الإنسانية بحق المتهمين والمحتجزين، مما أودى بحياة مئات الأشخاص، في ظل إفلات واضح للجناة من العقاب أو الاكتفاء بعقوبات مخففة، لا تقارن بحجم الجرم المرتكب. هذا إلى جانب توسع قطاع الأمن الوطني في ارتكاب جريمتي الإخفاء القسري والتعذيب بمقار الأمن الوطني بعدة أساليب من أبرزها (الصعق بالكهرباء) أو التحرش الجنسي، وذلك بهدف انتزاع الاعترافات أو الاذلال. فعلى سبيل المثال لا الحصر؛ تعرض الباحث الحقوقي ابراهيم عز الدين، والحقوقي محمد الباقر واسراء عبدالفتاح وعلاء عبدالفتاح لاعتداءات بدنية متفرقة خلال فترات احتجازهم، مما دفع خبراء الأمم المتحدة لإدانة هذه الجرائم. وفي بعض القضايا تم تأييد أحكام بالإعدام وتنفيذها استنادًا إلى اعترافات تم انتزاعها تحت وطأة التعذيب، في محاكمات عسكرية وجنائية. وكم تجاهلت السلطة القضائية فحص مئات الشكاوى والبلاغات بالتعذيب، وتعمدت رفص فتح تحقيقات جادة حولها أو حتى تنفيذ طلبات الدفاع بعرض الضحايا على الطب الشرعي.
“يمارس رجال الشرطة والمسئولون العسكريون ومسؤولو الأمن الوطني وحراس السجون التعذيب. كما يسهل المدعون العموم والقضاة ومسؤولو السجون ممارسات التعذيب بالاحتجاز التعسفي وسوء المعاملة أو التقاعس عن اتخاذ إجراء بشأن شكاوى المحتجزين. ويفلت مرتكبو التعذيب غالبًا من العقاب” جزء من تقرير لجنة مناهضة التعذيب بالأمم المتحدة بشأن جريمة التعذيب في مصر.
وفي السياق نفسه، ترتفع وتيرة الانتهاكات داخل أماكن الاحتجاز، خاصة أقسام الشرطة، حيث يحظى الضباط مرتكبي هذه الجرائم بإفلات تام من العقاب. فعلى سبيل المثال لا الحصر، رغم إثبات واقعة قتل المحامي كريم حمدي جراء التعذيب في قسم شرطة المطرية في تقرير الطب الشرعي، إلا أن محكمة النقض برأت الضباط المتورطين في تعذيبه لاحقاً. وبالمثل استبعدت المحكمة اتهامات التعذيب بحق عفروتو الذي لقي مصرعه نتيجة التعذيب في قسم شرطة المقطم في 2018. وقالت المحكمة في حيثياتها أنها ” لم تطمئن لتهمة التعذيب”، فقضت بحبس المتهمين عام واحد بتهمة ضرب أفضى إلى موت. وفي العام الماضي قتل اسلام الاسترالي بقسم شرطة المنيب نتيجة التعذيب، لكن أمرت النيابة بإخلاء سبيل الضابط المتهم وحبس 4 من أمناء الشرطة على ذمة التحقيق في الواقعة. كما فشلت النيابة العامة المصرية في توجيه اتهام لأي مسؤول في واقعة مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني جراء تعذيبه من قبل ضباط مصريين؛ وتعد هذه حالة استثنائية لتحقيق مطول تابعته عن كثب السلطة القضائية الايطالية، بعدما أغلقت مصر القضية دون تحديد الجناة.
يأتي هذا بينما تتعمد السلطات المصرية ترهيب أسر ضحايا التعذيب بأعمال انتقامية لضمان التنازل عن حقوق الضحايا. فقد سبق وتعرضت أسرة الناشط الحقوقي محمد سلطان لهذه الأعمال الانتقامية بمجرد تحريك سلطان دعوى قضائية في أمريكا بموجب قانون حماية ضحايا التعذيب، لمحاسبة المسئولين عن تعذيبه خلال فترة احتجازه في مصر.
وفي الوقت نفسه تتعمد وسائل الإعلام تصوير السجون وكأنها مؤسسات للإقامة الفندقية، من خلال تصوير زيارات معدة خصيصا للرد على الانتقادات الدولية والمحلية لأوضاع السجون المتردية.
لقد وثقت العديد من المنظمات الحقوقية ارتفاع مطرد في أعداد الوفيات داخل أماكن الاحتجاز، وصلت في بعض التقديرات إلى 400 حالة وفاة داخل السجون خلال ٤ سنوات، فضلا عن عدم سماح السلطات المصرية للجنة الصليب الأحمر بتفقد أوضاع السجون، وعدم تمكين المجلس القومي لحقوق الإنسان من زيارة السجون بشكل مستقل ومفاجئ، حتى أصبحت السجون بمعزل تام عن أي رقابة باستثناء النيابة العامة التي لا تحقق بالأساس في جرائم التعذيب بل أصبحت شريكاً في التستر على الجناة فيها. وقد تسبب ذلك كله في زيادة الانتقادات الدولية الموجهة لمصر، لا سيما خلال الاستعراض الدوري الشامل لملفها الحقوقي أمام الأمم المتحدة في 2019.
المنظمات الحقوقية الموقعة على هذا البيان، تؤكد على أن مكافحة جرائم التعذيب تتخطى حدود التعديلات القانونية أو التوقيع على البروتوكول الاختياري الملحق للاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب، إذ تستوجب إرادة سياسية معلنة، تبدأ بتعهد علني من رئيس الجمهورية بوقف جريمة التعذيب ومعاقبة الجناة وتفعيل دور النائب العام كمحامِ عن الشعب بدلاً من كونه منصب متواطئ في التستر على هذه الجريمة.
المنظمات الموقعة:
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
- المفوضية المصرية للحقوق والحريات
- المبادرة المصرية للحقوق الشخصية
- مركز النديم
- مبادرة الحرية
- الجبهة المصرية لحقوق الإنسان
- كوميتي فور جستس
Deriving Photo from Camila de la Fuente
Share this Post