يطالب مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان المجلس الرئاسي الليبي ورئيس الوزراء في حكومة الوحدة الوطنية بالتوقف الفوري عن التشهير والتحريض على العنف بحق النشطاء السلميين والمدافعين عن حقوق الإنسان، والإفراج الفوري عن المعتقلين تعسفيًا. كما يعرب المركز عن قلقه من توظيف السلطات الليبية للخطاب الديني والأخلاقي «المضلل» لتبرير احتجاز الأفراد تعسفيًا، وترهيب وتشويه سمعة المجتمع المدني الليبي والأفراد الذين يمارسون حريتهم في التعبير سلميًا.
ويؤكد المركز أن استخدام السلطات الليبية لدوافع غير مبررة، مثل ادعاءات «الأخلاق» الغامضة، لتشويه سمعة النشطاء السلميين وترهيبهم، وتقييد العمل في مجال حقوق الإنسان وقمع الحريات الأساسية يعد أمرًا مروعًا، ويتعارض مع المادة 14 من الإعلان الدستوري لعام 2011 وكذلك القانون الدولي، لا سيما المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.[1] ويشدد مركز القاهرة على ضرورة أن يمنح المجتمع الدولي الأولوية لمعالجة فجوة الإفلات من العقاب، والإصلاح الشامل لقطاع الأمن في ليبيا؛ إذ ينبغي أن تكون هذه المسائل في قلب أي عملية سياسية وعملية سلام وليس على هامشها.
على مدار الفترة بين نوفمبر 2021 ومارس 2022، اعتقل جهاز الأمن الداخلي، التابع للمجلس الرئاسي لحكومة الوحدة الوطنية، 7 أشخاص على الأقل، من بينهم نشطاء ومدافعون حقوقيون إلى جانب أفراد نشطوا مؤخرًا على الإنترنت لمناقشة مشاكل حقوق الإنسان، بما في ذلك المساواة بين الجنسين، وحرية المعتقد، والحقوق الثقافية، وحقوق المشردين داخليا والمهاجرين واللاجئين. وبعد اعتقالهم بفترة، نشر جهاز الأمن الداخلي مقاطع مصورة تظهر «اعترافات» الشباب المعتقلين بأنهم «ملحدون»، «علمانيون»، «نسويون»، أو أنهم تعاونوا مع منظمات دولية لنشر قيم «غير أخلاقية» داخل المجتمع الليبي. ويشير محتوى ومكان تصوير مقاطع الفيديو أن هذه «الاعترافات» تم الحصول عليها نتيجة الإكراه. ويُعتقد أن بعض الأفراد محتجزون في سجون تسيطر عليها جماعات مسلحة متطرفة دون أي رقابة قضائية، مثل معتقل «معيتيقة» الذي تديره ميليشيا الردع الخاصة بقيادة عبد الرؤوف كاره، أحد أنصار السلفية المدخلية. وتنتشر في هذا المعتقل، على نطاق واسع، حوادث التعذيب وسوء المعاملة والقتل خارج نطاق القانون وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان الأخرى.
ويواجه المدافعون والحقوقيون اللذين وردت أسمائهم في مقاطع الفيديو تهديدات بالملاحقة القضائية وحملات التشهير والترهيب والتحريض على العنف بحقهم. وقد يكون لهذه الحملات التشهيرية عبر الإنترنت عواقب وخيمة على الحياة الاجتماعية والمهنية للأشخاص المعنيين، والمجتمع المدني الليبي عمومًا، لا سيما المدافعون عن حقوق الإنسان الذين يروجون للمساواة بين الجنسين والحريات الفردية، كما قد تعرضهم لخطر العنف من عامة الناس.
الخلفية:
تحدث هذه الاعتداءات الأخيرة على حرية التعبير وعمل المجتمع المدني على خلفية التضييق المتواصل للحيز المدني؛ إذ قادت مفوضية المجتمع المدني في طرابلس حملة تحقير وتشهير عبر الإنترنت بحق المجتمع المدني الليبي، ووصفت أعضائه بأنهم عملاء أجانب أو فاسدون أخلاقيًا، ويحاولون إفساد المجتمع الليبي. ودفعت حملات التضييق على المجتمع المدني حركة تنوير، وهي منظمة حقوقية وثقافية ليبية بارزة تأسست عام 2012، لإعلان إغلاقها والتوقف عن ممارسة عملها في 13 مارس 2022، معللة ذلك بتجريم حرية الرأي والتعبير.
في السياق ذاته، ساهمت الانتهاكات المتكررة بحق الصحفيين والمدونين والأفراد الذين يعبرون عن آرائهم عبر الإنترنت في زيادة تقويض حرية الرأي والتعبير؛ فعلى مدار الفترة بين سبتمبر وديسمبر 2021، تعرض ما لا يقل عن 16 صحفيًا ومدونًا للاعتقال التعسفي أو الاختفاء القسري. وفي 6 مارس الجاري، قُتل رميًا بالرصاص الطيب الشريري، المدون والعضو السابق في جهاز الأمن الداخلي، في أعقاب تحدثه على الإنترنت عن اعتقاله، وإطلاق سراحه بعدها، على يد أفراد من القوة المشتركة في مصراتة.
علاوةً على ذلك، تسبب الإخفاق في تحقيق أي تقدم حقيقي بشأن إصلاح قطاع الأمن، إلى جانب استمرار الدعم السياسي والمالي للجماعات المسلحة في إضفاء الشرعية على الدور الأمني الذي تمارسه هذه الجماعات، خاصة الجماعات المسلحة المتشددة المنضمة إلى أيديولوجية السلفية المدخلية مثل قوة الردع الخاصة. وهو الأمر الذي ساهم في حدوث انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان؛ إذ تم الإبلاغ عن اعتداءات لفظية وجسدية متكررة، بحق الأقليات الدينية والجنسانية والفنانين والصحفيين، من جانب الجماعات المسلحة التي تدعم السلفية المدخلية.
كان مقترح ميزانية 2021 لحكومة الوحدة الوطنية[2] قد تضمن الدعم المالي المباشر للمليشيات المعروفة بارتكابها لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.[3] ومنذ ذلك الحين، خصصت حكومة الوحدة الوطنية مبالغ كبيرة لبعض هذه المجموعات من خلال قرارات تنفيذية.[4] كذا في يناير 2021، عيّن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني السابقة عبد الغني الككلي (غنيوة) رئيسًا لـ «جهاز دعم الاستقرار» الجديد، ومنحته سلطات غامضة وواسعة النطاق لإنفاذ القانون، وهو يقدم تقاريره مباشرة إلى المجلس الرئاسي. والككلي هو زعيم قوي في ميليشيا طرابلس من قوات الأمن المركزي في أبو سليم، وهو مسئول عن ارتكاب جرائم حرب وانتهاكات جسيمة أخرى متعددة.
وفي يناير 2021 أيضًا، عينت حكومة الوفاق الوطني قادة ميلشيات مثل عماد الطرابلسي، قائد ميليشيا الأمن العام، ولطفي الحراري، القائد الميداني لقوة الأمن المركزي فرع أبو سليم، على رأس جهازي المخابرات والأمن الداخلي على التوالي.
وبصرف النظر عن تدابير بناء الثقة، فقد أحرزت اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) تقدمًا ضئيلًا فيما يتعلق بإصلاح قطاع الأمن، رغم أن اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في أكتوبر 2020 تضمن بندًا بشأن حصر وتصنيف جميع الجماعات المسلحة الليبية للسماح بتفكيكها في نهاية المطاف وإعادة دمج الأفراد الذين تمت دراسة ملفاتهم. ولا تزال اللجنة العسكرية المشتركة عاجزة عن إحراز تقدم بسبب الافتقار إلى الشفافية حول عملها، إلى جانب التشرذم السياسي ونقص الدعم السياسي.
[1] أوضحت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في التعليق العام رقم 34 (CCPR /C /GC /34) أنه لا يجوز التذرع بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية أبدًا لتبرير كبح أية دعوة لإقامة نظام ديمقراطي متعدد الأحزاب وتحقيق مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، أو لمنع أو معاقبة التعليق على مذهب ديني أو مبادئ عقائدية.
[2] لم تتم المصادقة عليه من مجلس النواب.
[3] بما في ذلك شبكة من الميلشيات في شرق ليبيا (جهاز الأمن الداخلي)، والقوات المسلحة العربية الليبية نفسها، وكذلك الميليشيات في الغرب الخاضعة أسميًا لسيطرة حكومة الوحدة الوطنية (قوة الردع الخاصة، جهاز دعم الاستقرار، ووكالة الأمن العام).
[4] في 10 فبراير 2022، تم تخصيص 100 مليون دينار لغرفة العمليات المشتركة ومقرها طرابلس من خلال القرار التنفيذي رقم 125، وفي 28 فبراير 2022، تم تخصيص 132 مليون دينار لجهاز دعم الاستقرار من خلال القرار التنفيذي رقم 185.
Share this Post