لا يزال الفلسطينيون يعانون من نكبة مستمرة، على خلفية الاستعمار الاستيطاني المتواصل والفصل العنصري الإسرائيلي، المتمثل في القمع المؤسسي والتهجير القسري ونزع ملكية الشعب الفلسطيني لموارده منذ بداية النكبة في عام 1948.
فعلى مدى الشهور الخمسة الأخيرة، تعرضت بلدة «حُمصة الفوقا» وهي بلدة فلسطينية في وادي الأردن (غور الأردن) بالضفة الغربية، للاستهداف والاقتحام والهدم 6 مرات من سلطات الاحتلال الإسرائيلي. وفي الوقت الحالي، تخضع 11 عائلة فلسطينية مقيمة في «حُمصة الفوقا» –الموجودة ضمن ما أعلنته سلطات الاحتلال الإسرائيلي «منطقة إطلاق نار» – لنظام التصاريح والتخطيط العمراني التمييزي الإسرائيلي، والذي يحرم هذه العائلات وغيرها من الحصول على تصاريح بناء لأغراض السكن والتجارة في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية. وجدير بالذكر أن سلطات الاحتلال الإسرائيلية استولت على 18% من الضفة الغربية بعد تعيينها «مناطق إطلاق نار»، ما خلّف حوالي 6,200 فلسطينيًا مهددين بالتهجير القسري.
تتواجد قرية «حُمصة الفوقا» في وادي الأردن والذي يضم مساحات أساسية من الأراضي للتوسع الطبيعي للبلدات والمدن الفلسطينية، كما يعد مركزًا للموارد الطبيعية الفلسطينية، وهو أحد أهم أولويات مشروع الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي. وعلى مدار العقد الأخير، تعرض سكان «حُمصة الفوقا» لمداهمات وهجمات متكررة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، والتي هدمت وصادرت منازلهم ومبانيهم في الأعوام 2012 و2013 و2014 و2017 و2018 و2020، وصولًا إلى وقتنا الحالي.
في نوفمبر 2020، نفذت سلطات الاحتلال الإسرائيلي ما اعتُبر «أكبر حادثة نزوح قسري منذ أربع سنوات» تاركة 72 مواطنًا فلسطينيًا، بينهم 38 طفلًا، بلا مأوى وسط جائحة عالمية. وفي فبراير 2021 وحده، اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي التجمعات السكانية الفلسطينية 5 مرات، وهدمت وصادرت منازل 11 عائلة فلسطينية.
تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي انتهاكها لحقوق الفلسطينيين –بما في ذلك حق الفلسطينيين في تقرير المصير والعودة –من خلال التصميم والتنفيذ المنهجيين لسياسات التهجير ونزع الملكية المصممة لتوطين الإسرائيليين عوضًا عن المواطنين الفلسطينيين؛ للحفاظ على مشروع الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي ونظام الفصل العنصري، مستفيدةً في مسعاها من سياسة الإفلات من العقاب.
وقد أدان المجتمع الدولي، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، ومنظمة التعاون الإسلامي، وأعضاء مجلس الأمن الحالي والسابق وأيرلندا وبلجيكا وفرنسا والمملكة المتحدة عمليات الهدم الإسرائيلية لقرية «حُمصة الفوقا»، مؤكدين على عدم شرعية هذه الهجمات، فضلًا عن الظروف الإنسانية الأليمة الناجمة عن عمليات الهدم المستمرة.
وفي هذا السياق، تؤكد المنظمات المنضمة لهذا النداء على أن المباني التي تم هدمها ممولة من المجتمع الدولي كجزء من «الدعم الإنساني للفلسطينيين المعرضين لخطر الترحيل القسري في الضفة الغربية»، وتطالب ببقاء المساعدة الإنسانية كدعم مؤقت قصير المدى، وكذا اعتراف المجتمع الدولي بالأسباب الجذرية للاحتلال، والمتمثلة في الاستعمار والفصل العنصري الإسرائيليين، والسياسات والممارسات المنهجية المرتبطة بكل منهما.
من جانبهما، اتفقا مايكل لينك؛ المقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، وبالاكريشنان راجاجوبال؛ المقرر الخاص المعني بالسكن اللائق كعنصر من العناصر المكونة للحق في مستوى معيشي ملائم والحق في عدم التمييز في هذا السياق، على تأكيد ضرورة وضع حد لسياسة الإفلات من العقاب السائدة في إسرائيل، مشيدين بـــ «الدعم الذي قدمه الممثلون الدبلوماسيون في فلسطين وإسرائيل لسكان قرية حُمصة – البقاع»، ومشددين في الوقت نفسه على ضرورة «بذل الحكومات المزيد من الجهود للإصرار على محاسبة إسرائيل» مؤكدين أنه «المفتاح لإنهاء هذا الاحتلال المطوّل».
لقد أتاحت سياسة الإفلات من العقاب السائدة في إسرائيل للشركات التجارية تحقيق الاستفادة من الاحتلال الإسرائيلي المطول وارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. فبحسب منظمات «الحق» و«أوقفوا الجدار» استخدمت سلطات الاحتلال الإسرائيلي جرافات شركات «جي سي بي» و«كات» و«فولفو» في هجماتها على «حُمصة الفوقا». علمًا بأن شركة «جي سي بي» مدرجة في قاعدة بيانات الأمم المتحدة، من بين 112 شركة إسرائيلية ودولية تعمل في المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية. علاوةً على ذلك، تخضع «جي سي بي» حاليًا للتحقيق في المملكة المتحدة لشبهة تورطها في انتهاكات حقوق الإنسان بحق الفلسطينيين، ورغم ذلك لا تزال مستمرة في تقديم المساعدة والتحريض على جرائم الحرب في الأرض الفلسطينية المحتلة.
في سياق متصل، أكدت المحكمة الجنائية الدولية في قرارتها الأخيرة ولايتها القضائية الكاملة على الأرض الفلسطينية المحتلة، ومن ضمنها قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية. كما بدأ مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية تحقيقًا جنائيًا كاملًا في الوضع في فلسطين، وهو ما يمثل خطوة مهمة للغاية نحو إنهاء الإفلات الإسرائيلي من العقاب ودعم سيادة القانون الدولي. كما يعد التحقيق بمثابة ضمان لكرامة الشعب الفلسطيني المحروم من حقه في تقرير المصير، والذي يتعرض، من بين أمور أخرى، لنظام الفصل العنصري، بالإضافة إلى التهجير القسري، والتدمير واسع النطاق، والاستيلاء على الممتلكات، والنهب، وهي الجرائم المندرجة ضمن اختصاص المحكمة.
إن الاستهداف المستمر لقرية «حُمصة الفوقا» يؤكد رغبة إسرائيل –كدولة احتلال– في التنصل من الالتزامات القانونية الدولية الملزمة لها، كما يبرز فشل المجتمع الدولي في وضع حد لإفلات إسرائيل المتواصل من العقاب، ما يقوض بشكل متزايد سيادة القانون الدولي.
في ضوء ما سبق، تجدد المنظمات الموقعة على هذا النداء دعوتها إلى:
- إقرار مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة وتنديده بالسياسات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني بأسره، بما في ذلك هدم «حُمصة الفوقا»؛ باعتبارها جرائم حرب لسلطة الاحتلال، وانتهاكًا لحق الفلسطينيين في تقرير المصير، فضلًا عن كونها جريمة فصل عنصري.
- تشكيل مجلس حقوق الإنسان بعثة مستقلة لتقصي الحقائق بشأن نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، وما يرتبط به من التزامات للدول والمنظمات الدولية والشركات التجارية.
- مواصلة مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، وبشكل شفاف، تطوير قاعدة بيانات الأمم المتحدة حول الشركات التجارية الضالعة في مشروع الاستيطان الإسرائيلي غير القانوني.
- استخدام المجتمع الدولي كافة الآليات المتاحة لتحقيق العدالة والمساءلة الدولية والتدخل الفوري لفرض عقوبات اقتصادية على إسرائيل، والمحاسبة الجنائية للأطراف، بما في ذلك الجهات الفاعلة الاعتبارية التي قد تكون ارتكبت جرائم حرب في «حُمصة الفوقا»، سواء في الدول التي كانوا متواجدين في أراضيها أو هم من رعاياها.
- التزام جميع الدول الأطراف في نظام روما الأساسي والمجتمع الدولي بتقديم الدعم العلني والتعاون الكامل مع مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية وفقًا للالتزامات المنصوص عليها في المادة 86 من نظام روما الأساسي، بما يتماشى مع المادة 1 المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع، والمادة 146 من اتفاقية جنيف الرابعة، لضمان اعتقال ونقل الأشخاص الذين تم التحقيق معهم والمتهمين بارتكاب جرائم دولية إلى لاهاي، ومنع استمرار ارتكاب جرائم دولية ضد الشعب الفلسطيني.
المنظمات المنضمة للنداء المشترك:
القائمة الكاملة للموقعين الذين يمثلون، من بين آخرين، أكثر من 550 منظمة لحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، ونقابات عمالية، وتجمعات دينية، وحركات السكان الأصليين.
Share this Post