تعليق نشاط الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان دليل جديد على زيف مزاعم الإصلاح في مصر

In برنامج مصر ..خارطة الطريق, مواقف وبيانات by CIHRS

إن اعلان الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان اليوم 10 يناير 2022 تعليق نشاطها في مصر بعد ١٨ عاماً من الكفاح المتواصل دفاعًا عن حرية الرأي والتعبير، هو مؤشر جديد على وهمية الادعاءات بالسعي إلى تحسين أوضاع حقوق الإنسان في مصر، ويؤكد مصادرة جميع سبل الاصلاح في مصر وغلق المجال العام بشكل كامل أمام كل صوت مستقل، سواء فرد أو جماعة او مؤسسة، سياسية كانت أو حقوقية. ومركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان إذ يأسف لهذه الخسارة الفادحة، يتفهم تمامًا أسباب هذا القرار الاضطراري، ويعرب عن تضامنه الكامل مع الشبكة العربية ومؤسسيها وفريق العاملين فيها.

منذ انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيسًا عام ٢٠١٤، عانت المنظمات الحقوقية في مصر تحت وطأة حرب ضارية، كانت أخر محطاتها ذلك الإنذار الحكومي الملزم للكيانات الأهلية غير المسجلة بالتسجيل تحت مظلة قانون قمعي تعسفي(قانون العمل الأهلي رقم 149 لعام 2019) وإلا تعرضت للغلق، في موعد أقصاه ١١ يناير ٢٠٢٢. ذلك القانون الذي وصفه خبراء مستقلين بالأمم المتحدة بأنه سيقضي فعلياً على أي مساحة من حرية تكوين الجمعيات، وسبق واوضح مركز القاهرة في تعليقه على لائحته التنفيذية أنه يشكل خرقًا لنص المادة 75 من الدستور المصري، ولالتزامات مصر الدولية بموجب معاهدات حقوق الإنسان. فمنذ تولي الرئيس السيسي الحكم، شهدت حركة حقوق الإنسان المصرية تناقص غير مسبوق في عدد منظماتها، وأعداد العاملين فيها، وذلك بسبب الضغوط والقمع المستمر لعملها. والشبكة العربية لن تكون الأخيرة بين المنظمات الحقوقية التي ستلجأ لتجميد نشاطها بدلاً من التسجيل تحت مظلة قانون يسعى بشكل ممنهج لاستئصال المجتمع المدني وتهميش دوره الإنساني والتنموي.

لقد تعرضت الشبكة ومؤسسها الحقوقي جمال عيد لضغوط أمنية وقضائية غير مسبوقة، بداية من تجميد أمواله ومنعه من السفر عام 2016 على ذمة التحقيق في القضية ١٧٣ لسنة ٢٠١١ والمعروفة بقضية “الانتقام من المنظمات الحقوقية”، مروراً بالاعتداء عليه بدنيًا وتهديد حياته أربع مرات في أقل من 3 أشهر. ففي أكتوبر 2019 سُرقت سيارته، وفي الشهر نفسه تعرض لمحاولة اختطاف وتعدي بالضرب المبرح في أحد الشوارع المؤدية لمنزله، مما أدى لكسور وكدمات متفرقة في أضلعه. وقبل انقضاء الشهر نفسه اعترض طريقه مجهولون هشموا زجاج السيارة التي كان يستقلها عوضًا عن سيارته المسروقة. وفي ٢٩ ديسمبر من العام نفسه تعرض للضرب والطرح أرضًا أمام منزله من أفراد أمن كان يستقلون 3 سيارات، وأمرهم ضابط أمن وطني – يعرفه جمال – بإغراقه بالدهانات، في محاولة لإيذاء جلده بمستحضرات كيميائية والسخرية منه. كما تعرض عيد لحملات إعلامية وإلكترونية شرسة مُنظمة واسعة النطاق، تتهمه بـ الاستغلال السياسي لانتشار فيروس كورونا في الهجوم على السلطات المصرية، ونشر معلومات خاطئة عن أوضاع حقوق الإنسان في مصر، وتصفه بالبلطجة  والسعي للشهرة والتكسب المادي من عمله الحقوقي، فضلًا عن التشكيك  في ذمته المالية. هذا بالإضافة إلى تهديدات  إعلامية وإلكترونية صريحة ومتكررة بأن وزارة الداخلية تدرس اتخاذ إجراءات قانونية ضده بعد نشره معلومات – وصُفت بالكاذبة- حول أوضاع أماكن الاحتجاز في مصر، وتحريك بعض الأشخاص بلاغات ضده أمام النائب العام تتهمه بالانضمام لجماعة الإخوان المسلمين (المصنفة من الحكومة المصرية كجماعة إرهابية)، وهي التهمة المكررة التي اعتادت الأجهزة الأمنية والقضائية توجيهها لعدد هائل من الأطراف والشخصيات علمانية وإسلامية.

ما تتعرض له الشبكة العربية لا ينفصل عن الهجمة الشرسة المتواصلة التي تشنها أجهزة الدولة بحق منظمات المجتمع المدني المستقلة العاملة في مجال حقوق الإنسان. فمؤخرًا صدر حكمين غيابيًين على الحقوقي بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بالحبس 3  و 15 عامًا، وتم ضم المحامي الحقوقي محمد الباقر مؤسس مركز عدالة للحقوق والحريات إلىلقوائم الإرهاب في سبتمبر 2021 وحكم عليه الشهر الماضي بالسجن خمس سنوات، فضلاً عن إخفاء وتعذيب وحبس الباحث بالمفوضية المصرية للحقوق والحريات إبراهيم عز الدين، وحبس كل من؛ الحقوقي إبراهيم متولي مؤسس رابطة أهالي المختفين قسريًا منذ سبتمبر 2017، والمحامي عزت غنيم مدير التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، والحقوقية هدى عبدالمنعم، وتدوير بعضهم في قضايا جديدة. هذا بالإضافة إلى القبض على قيادات المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ثم إخلاء سبيلهم بعد ضغوط خارجية، وصدور القرار بتجميد أموالهم. وذلك كله بالتوازي مع الحملة الإعلامية الممنهجة التي تقودها الأجهزة الأمنية ضد كل ما تنشره هذه المنظمات الحقوقية بشأن الانتهاكات الجسيمة الواقعة في البلاد.

مركز القاهرة يؤكد أن مساعي الدولة المصرية للقضاء على منظمات حقوق الإنسان المستقلة لا زالت مستمرة وتتخذ طرق مختلفة، حتى ولو تم إغلاق القضية 173 لسنة 2011، فالمشكلة لا تكمن في القوانين القمعية فقط، بل في غياب دولة القانون نفسها، وسيطرة الأجهزة الأمنية على كافة مؤسسات الدولة، بما في ذلك المؤسسة القضائية.

Share this Post