في 19 أكتوبر الجاري، في اجتماع للبرلمان الألماني (البوندستاغ)، حث مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ألمانيا على الضغط على السلطات المصرية من أجل وقف حملتها المتواصلة للقمع واستهداف النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان والمجتمع المدني، بما في ذلك النشطاء في مجال حماية البيئية؛ مؤكدًا أن ممارسات السلطات المصرية تتعارض بشكل واضح مع دورها كمضيف لمؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP27).
وشددت ليزلي بكميل، ممثلة مركز القاهرة للمناصرة في أوروبا، خلال كلمتها أمام اللجنة الفرعية المعنية بسياسة المناخ والطاقة الدولية بالبرلمان الألماني، على الحاجة لضغط دولي متواصل على الحكومة المصرية، حتى التوصل لإصلاح دائم وحقيقي لوضع حقوق الإنسان في البلاد، بما في ذلك فتح المجال العام وإنهاء الاحتجاز التعسفي الجماعي، إلى جانب التوصيات التي سبق وأوضحتها منظمات حقوق الإنسان المصرية في عريضة مطالتها . موضحة أن حكومة الرئيس السيسي تواصل تكثيف حملة قمع وحشية للمدافعين عن حقوق الإنسان، ومن بينهم النشطاء والجماعات المهتمة بالمناخ والبيئة، رغم استضافة مصر لمؤتمر المناخ.
وحسبما أشار ممثلو المجتمع المدني البيئي، الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش، فإن هناك تراجع حاد «في مساحة العمل المستقل المعني بالبيئة والمناخ منذ تولي حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي السلطة» إلى جانب ممارسات المضايقة والترهيب المتواصلة، ومنها الاعتقالات وصعوبات السفر، الأمر الذي يخلق مناخًا من الخوف.
وكان خبراء الأمم المتحدة قد أصدروا، قبل أقل من أسبوعين، بيانًا حذروا فيه من أن القيود الصارمة التي تفرضها السلطات المصرية تعيق المشاركة الكاملة والهادفة للصحفيين والنشطاء والحقوقيين والمجتمع المدني ومجموعات الشباب وممثلي الشعوب الأصلية في (COP27).
على سبيل المثال، صممت الحكومة المصرية عملية مخصصة وتعسفية تمنع المنظمات غير الحكومية المستقلة الإقليمية والمصرية المعنية بحقوق الإنسان، بما في ذلك مركز القاهرة، من الوصول إلى قمة المناخ (COP27)، من التقديم على تصريح للمشاركة في المؤتمر، بينما فتحت باب التقديم للمنظمات غير الحكومية التي تختارها فقط.
وتتزامن هذه الممارسات مع أزمة حقوق الإنسان الحادة في مصر؛ إذ تعمل التشريعات على قمع أي معارضة لنظام السيسي الاستبدادي. إلى الحد الذي قد يعتبر القمع الدائر في البلاد حاليًا، لم تشهده مصر على مدار تاريخها الحديث بأكمله، في ظل تراجع جميع المكاسب الديمقراطية لثورة 2011. في الوقت نفسه، تواصل السلطات المصرية استهداف الجماعات المستضعفة، ومن بينها مجتمع الميم عين (LGBTQI+). بينما تتشدق حكومة السيسي بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان، وتتخذ إجراءات شكلية وسطحية لمجرد إرضاء المجتمع الدولي.
أثناء الاجتماع، سلط مركز القاهرة الضوء على قضية المدافع عن البيئة وحقوق الإنسان المسجون أحمد عماشة. وهو طبيب بيطري ونقابي وعضو جماعة معارضة ديمقراطية، تم اعتقاله واختفى قسريًا مرتين، وتداولت مزاعم عن تعرضه للتعذيب. ورغم أن البرلمان الأوروبي دعا للإفراج الفوري عنه في ديسمبر 2020؛ إلا أنه لا يزال خلف القضبان. مثل آخرين ورد ذكرهم في قرار سابق للبرلمان الأوروبي بشأن مصر، ومنهم زياد العليمي ومحمد الباقر ومحمد إبراهيم «أكسجين» وعزت غنيم. إلى جانب علاء عبد الفتاح، الذي يتواصل حاليًا إضرابه عن الطعام لأكثر من 200 يوم، وهو معرض لخطر الموت في أي وقت. في هذا السياق، أكد مركز القاهرة، أثناء تبادل الآراء مع كاثرين هينبيرجر عضوة البرلمان الألماني،على أهمية التضامن مع النشطاء المصريين والمجتمع المدني وسجناء الرأي.
خلال اجتماع البرلمان، أعرب الأعضاء، بمن فيهم رئيسة اللجنة ليزا بادوم، عن قلقهم بشأن النظرة القاتمة لحقوق الإنسان في مصر. وتساءلوا في مداخلاتهم وتعليقاتهم عن خيارات السياسة المتاحة للرد على هذه الانتهاكات، أثناء وبعد (COP27). كما تساءل العديد أيضًا عما إذا كان يجب مستقبلًا استضافة مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ من جانب أي دولة تمتلك سجل حقوقي مقلق، وتفرض قيودًا صارمة على المجتمع المدني.
وشدد مركز القاهرة أثناء الاجتماع على أن عمل المجتمع الدولي لا ينبغي أن يتوقف بانتهاء المؤتمر؛ مشيرًا لسجل مصر في الاستهداف والانتقام من الأشخاص الذين يتواصلون مع آليات الأمم المتحدة. مذكرًا بأن بعض السجناء السياسيين المطلق سراحهم مؤخرًا، تم تهديدهم بإعادة اعتقالهم بعد انتهاء المؤتمر. وبالتالي، ينبغي على ألمانيا والدول والجهات الفاعلة الأخرى التي تلتزم التزامًا حقيقيًا بمبادئ حقوق الإنسان مواصلة مراقبة الوضع في مصر، والرد على أي أعمال انتقامية أو إعادة اعتقال محتملة بحق أولئك المفرج عنهم مؤخرًا.
في السياق نفسه، أشار مركز القاهرة إلى أن ألمانيا تعد شريكًا دوليًا ودائنًا رئيسيًا لمصر، الأمر الذي يفرض عليها العمل على تعزيز شروط حقوق الإنسان في سياق دعمها لمصر، سواء على المستوى الثنائي أو الاتحاد الأوروبي، أو من خلال المؤسسات المالية الدولية أو الأوروبية. مؤكدًا أنه يتعين على ألمانيا أيضًا التحرك لضمان اتخاذ الدول في مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة خطوات جادة لمواجهة سجل مصر الحقوقي المثير للقلق. علاوة على ذلك، يجب توخي الحذر الشديد فيما يتعلق بأي مساعدات مالية تهدف لمواجهة الآثار السلبية لتغير المناخ، لضمان ألا يؤدي هذا الدعم، عن غير قصد، لتعزيز الأنظمة الاستبدادية مثل مصر.
في النهاية، أكد المركز أنه في غياب المراقبة المستقلة والضوابط والتوازنات –سواء كان ذلك من خلال المجتمع المدني ووسائل الإعلام المستقل أو المعارضة السلمية– لن تكون هناك طريقة حقيقية للمصريين لمساءلة حكومتهم عن تعهداتها المناخية بعد (COP27). موضحًا أنه لا يمكن تحقيق العدالة المناخية إذا لم يتم دعم حقوق الإنسان أو حماية المجتمع المدني. إذ أضحى اليوم الرد على أي ادعاء يؤكد الفصل المصطنع بين حقوق الإنسان وقضايا المناخ، أكثر أهمية من أي وقت مضى.
Share this Post