إن فتح ملف السجناء السياسيين خطوة ضرورية وعاجلة تأخرت كثيرًا حتى أصبحت مصر من أوائل دول العالم من حيث ضخامة أعداد المحبوسين بتهم سياسية. وقد كان “الإفراج عن السجناء السياسيين المحبوسين احتياطيًا أو المحكوم عليهم من جميع التيارات السياسية بسبب نشاطهم السلمي” هو الخطوة الأولى على رأس مبادرة أول سبع خطوات التي أطلقتها ووقعت عليها في 2021 أكثر من 50 منظمة وحزب ومجموعات مصرية بالداخل والخارج وهيئات حقوقية إقليمية ودولية.
يهدف هذا المقترح، المقدم من مجموعة من منظمات حقوق الإنسان المصرية المستقلة، إلى تفادي أخطاء الماضي في التعامل مع هذا الملف، أو الاستمرار في نهج ثبت فشله في معالجة أوضاع الآلاف من السجناء السياسيين منذ تشكيل لجنة العفو الرئاسي في 2016. تمثل هذا النهج في إصدار قرارات موسمية بإخلاء سبيل أعداد محدودة من المعتقلين كل بضعة أشهر أو أعوام في غياب آلية أو معايير أو ضوابط معلومة لاختيار المفرج عنهم أو رفض الإفراج عن غيرهم. في الوقت نفسه استمرت إضافة أعداد جديدة من المحبوسين بتهم سياسية وبما يتجاوز بكثير أعداد المفرج عنهم؛ وهي الطريقة التي أسفرت عن استمرار وتفاقم أزمة السجناء السياسيين دون حل على مدى سنوات.
الضوابط الحاكمة:
1- يجب أن يكون الهدف النهائي لأي عملية تتعلق بهذا الملف هو الإفراج عن جميع السجناء بتهم سياسية، حتى لا يبقى في مصر سجين سياسي واحد. ويجب أن تلتزم الآلية المقررة للتعامل مع هذا الملف في عملها بالضوابط الأربعة التالية:
- العدالة: بحيث يحظى كل مسجون سياسي بفرصة متساوية ومنصفة للنظر في حالته على أسس موضوعية.
- الشفافية: بحيث تتخذ قرارات الإفراج وفق معايير وضوابط معلنة ومعروفة مسبقا للمسجونين وذويهم والمجتمع ككل.
- الشمول: بحيث تتضمن قرارات الإفراج كل من تنطبق عليهم المعايير المعلنة دون استثناء.
- الاستعجال: بحيث لا تستغرق هذه العملية كسابقاتها سنوات تضاف إلى ما ضاع بالفعل من أعمار آلاف من السجناء، وفي ضوء المعاناة الصحية والإنسانية لهم ولأسرهم والثمن الذي دفعه ويدفعه المجتمع ككل نتيجة تفاقم وتجاهل هذا الملف.
نطاق العمل:
2- بعد إعلان رئيس الجمهورية في 26 أبريل “إعادة تفعيل عمل لجنة العفو الرئاسي التي تم تشكيلها كأحد توصيات المؤتمر الوطني للشباب 2016 على أن توسع قاعدة عملها”، صدرت تصريحات متواترة عن أعضاء اللجنة المعاد تشكيلها بأن “توسيع قاعدة العمل” يشير إلى أن نطاق عمل اللجنة سيستمر في التركيز فقط على “الشباب المحبوسين” مع إضافة ملف الغارمين والغارمات (أي المسجونين بسبب عدم التزامهم بأداء ديون مالية). كما أن استمارة طلب “العفو” التي نشرتها لجنة العفو الرئاسي بعد إعادة تشكيلها وعقد اجتماعها الأول اقتصرت على طلب “الإفراج عن الشباب المحبوسين على ذمة قضايا ولم تصدر بحقهم أي أحكام قضائية”. لكن هذا المقترح يرى أن أي مقاربة لملف السجناء السياسيين لن تتسم بالعدالة والإنصاف والفاعلية ما لم تشمل جميع المحبوسين احتياطياً وكذلك المحكوم عليهم بتهم سياسية، سواءً كانوا من “الشباب” أو من الأطفال والقصر أو كبار السن أو ذوي الحالات الصحية والإنسانية الخاصة، وكل من يخضع حاليًا لتقييد حريته لأسباب أو تهم سياسية.
معايير وأولويات الإفراج:
3- أن معيار عدم ارتكاب جرائم عنف يشكل أساسًا ملائمًا للانطلاق. لكن هذا المعيار يجب أن يتم تحديده بدقة بالغة بحيث لا يتم استثناء الآلاف من سجناء الرأي الذين وجهت لهم النيابة بشكل روتيني ومبهم ودون دليل تهمًا مثل “الانضمام لجماعة محظورة” أو “مساعدة جماعة محظورة في تحقيق أهدافها”، وغيرها من التهم الفضفاضة التي لا تقيم عليها النيابة العامة أية أدلة ولو حتى بتحديد اسم أو ماهية تلك الجماعة المزعومة. وذلك علمًا بأن هذه التهم قد استُعملت كذريعة لتقييد حرية أعداد هائلة من السجناء السياسيين بتوسع رهيب في الأعوام الماضية، بل وصدرت على بعضهم أحكام بهذه التهم دون أن تقدم النيابة دليلاً واحدًا باستثناء تحريات أجهزة الأمن.
4- يجب أن تعطي قرارات الإفراج عن المسجونين السياسيين أولوية عاجلة لحالات المرضى والقصر وكبار السن إضافة إلى الأولويات التالية:
- الإفراج عن جميع المحبوسين في قضايا النشر، بالمخالفة لنص الدستور الذي يحظر توقيع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بطرق النشر أو العلانية.
- الإفراج عن جميع من تجاوزوا الحد الأقصى للحبس الاحتياطي، حتى لو تم حبسهم على ذمة قضايا جديدة بتهم مماثلة لضمان استمرار حبسهم فيما بات يعرف بظاهرة “تدوير المعتقلين السياسيين”. وإصدار أمر من النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية بحقهم.
- الإفراج عن كل المحبوسين احتياطياً ممن مر على حبسهم ستة أشهر كحد أقصى دون أن يتوافر لدى النيابة ما يكفي من الأدلة لإحالتهم للمحاكمة.
- العفو عن باقي العقوبة لمن سبق الحكم عليهم بتهم سياسية وقضوا أكثر من نصف العقوبة وتم حرمانهم من حقهم في الإفراج الشرطي دون مبرر سوى طبيعة تهمهم.
- العفو عن باقي العقوبة لمن صدرت ضدهم أحكام من محاكم أمن الدولة طوارئ، لكونها أحكامًا استثنائية غير قابلة للطعن، حرمت المتهمين من درجات التقاضي الطبيعية، وفي ضوء انقضاء حالة الطوارئ في 2021. والامتناع عن التصديق على الأحكام الجديدة الصادرة عن هذه المحاكم.
- العفو عن باقي العقوبة لجميع المدنيين ممن صدرت ضدهم أحكام من القضاء العسكري بتهم سياسية.
إن من شأن إعطاء الأولوية لهذه الحالات إخراج أعداد هائلة من السجون، يمكن بعدها استكمال إغلاق ملف السجناء السياسيين بالإفراج عن باقي المحبوسين أو المحكوم عليهم بتهم سياسية لا تنطوي على التورط في أعمال العنف.
آلية اختيار المفرج عنهم:
5- وفقًا لما أعلنته لجنة العفو الرئاسي بعد اجتماعها الأول منذ إعادة تشكيلها، فإن تلقي الالتماسات من ذوي الشأن هو السبيل الوحيد لبدء النظر في حالة كل سجين سياسي، سواء عبر موقع مؤتمر الشباب أو لجنتي حقوق الإنسان بمجلسي النواب والشيوخ، أو آلية شكاوى المجلس القومي لحقوق الإنسان، أو مباشرة لأعضاء اللجنة. غير أن تلقي الالتماسات يجب أن يكون مجرد طريقة واحدة من بين طرق أخرى للنظر في ملفات السجناء السياسيين المحبوسين دون ارتكاب جرائم عنيفة. بل ينبغي على المبادرة بشكل فوري فحص الملفات والإفراج عن جميع المتهمين في قضايا سياسية دون استثناء أو تباطؤ وانطلاقًا من قاعدة البيانات المتوافرة بالفعل لدى الجهات المعنية، كالمكتب الفني للنائب العام أو المحامي العام لنيابات أمن الدولة العليا أو إدارة القضاء العسكري بوزارة الدفاع.
6- إتاحة الفرصة للسجناء السياسيين أنفسهم من داخل السجون لتقديم طلبات النظر في ملفاتهم والإفراج عنهم، خاصة ممن ليس لهم أقارب أو لا يملك أقاربهم إمكانية تقديم الالتماسات عبر الإنترنت، أو السجناء المحرومين من الزيارات والمراسلات.
7- إن اقتصار دور لجنة العفو حاليا على تلقي المعلومات ثم تقديمها لأجهزة الأمن (حسبما ذكر عدد من أعضاء اللجنة في تصريحات إعلامية بشأن طريقة عملهم حاليًا) يعني وضع مصير السجناء السياسيين في أيدي الأجهزة الأمنية نفسها التي أمرت أو نفذت أوامر اعتقالهم وحبسهم. لذا فأي عملية عادلة ومنصفة وشفافة تهدف حقًا للإفراج عن السجناء السياسيين يجب أن تديرها آلية رسمية تضمن تطبيق معايير موضوعية بقرارات معلنة على النحو السابق ذكره.
8- على لجنة العفو أن تعلن بشكل دوري أسماء المخلى سبيلهم، وأن تتيح إمكانية الالتماس بإعادة النظر في الحالات المرفوضة متى انطبقت عليها المعايير الموضوعية المعلنة.
9- يجب وضع جدول زمني لعمل اللجنة يشمل تاريخ انتهاء عملية فحص ملفات كافة السجناء السياسيين وإعلان نتائج عملها أمام الرأي العام.
تجفيف المنبع:
10- لا معنى لمعالجة حقيقية لملف السجناء السياسيين في مصر إن استمرت قرارات القبض على مواطنين جدد بتهم سياسية كما هو الوضع الآن. بل من شأن ذلك أن يبقي على سياسية “الباب الدوار” التي تلقي بواسطتها أجهزة الأمن بسجناء جدد في السجون في الوقت الذي تفرج فيه عن أعداد محدودة من غيرهم.
11- إن التصدي الجاد لملف السجناء السياسيين في مصر يستلزم ابتداءً صدور تعليمات من النائب العام لجميع النيابات، وعلى رأسها نيابة أمن الدولة العليا، بحصر حالات الحبس الاحتياطي في أضيق الحدود التي يُخشى معها العبث بالأدلة أو التأثير في الشهود أو احتمال هروب المتهم؛ وذلك مع التوسع في استخدام باقي بدائل الحبس الاحتياطي المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية؛ فضلًا بالطبع عن عدم توجيه الاتهام من الأصل لسجناء الرأي الذي يكفل الدستور حرية اعتناقه وإبدائه.
التوقيعات
- المبادرة المصرية للحقوق الشخصية
- مركز النديم لمناهضة العنف والتعذيب
- مؤسسة حرية الفكر والتعبير
- المفوضية المصرية للحقوق والحريات
- الجبهة المصرية لحقوق الإنسان
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
- مبادرة الحرية
- كوميتي فور جستس
Share this Post