بهي الدين حسن

أوباما ومبارك وحقوق الإنسان .. كم يدوم شهر العسل؟

In مقالات رأي by CIHRS

بهي الدين حسن

ربما قد يصيب الرئيس أوباما بعض أقسام النخبة السياسية والمثقفة في مصر بإحباط، بعد الاستماع إلى خطابه الموجه للعالم الإسلامي من القاهرة، الذي ليس من المتوقع أن ترتفع فيه نغمة النقد للحكام المستبدين بأكثر من عبارات إنشائية عامة.

لقد بدأ البعض بالفعل، من الأمريكيين في واشنطن، ومن المصريين في القاهرة وواشنطن يعبر عن قلقه من هذا التوجه، الذي اعتبره البعض هنا أو هناك تخليا عن القيم الأمريكية، وازدواجية في التعامل مع قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، في داخل أمريكا (بإغلاق جوانتانامو وإدانة التعذيب و…)، بينما يكتفي بفضيلة الصمت عن الأكثر بشاعة الذي يحدث في الدول الحليفة في العالمين العربي والإسلامي.

بالتوازي مع هذا القلق، قام بعض الحكام العرب وإعلامييهم بتهنئة أنفسهم على الإنجاز الذي حققوه ــ كما لو كانوا قد شاركوا في انتخاب أوباما ووضع برنامج حملته الانتخابية ــ أي على أن السجل الأسود في تزوير الانتخابات العامة واستباحة أرواح وعقول وأجساد البشر، لن يجرى انتقاده علنا من قبل الإدارة الأمريكية الجديدة!

بالطبع ليس أوباما مصلحا أخلاقيا، فمسئولياته بالأساس هى العمل على تحقيق المصالح العليا لدولته، ولكن عدم تناول إدارة أوباما بالنقد العلني لهذه القضايا لا يعنى بالضرورة أنه تخلى عنها.

هذا الاستنتاج وغيره هو حصيلة حوارات جرت خلال زيارتين لى للولايات المتحدة، الأولى بعد أقل من عشرة أيام من تولى أوباما الحكم، والثانية كانت للمساهمة في تقييم أداء هذه الإدارة من منظور حقوق الإنسان بعد مائة يوم. خلال هاتين الزيارتين أتيح لى الاجتماع مع مسئولين في الخارجية والكونجرس والبيت الأبيض، ومراكز البحوث ومنظمات حقوق الإنسان. ويمكن إيجاز مستخلصات هذه الحوارات على النحو التالى:

منذ فوز أوباما بمقعد الرئاسة، جرى «الإفراج الصحي» عن أيمن نور، الذي برهن بنشاطه الميداني السياسي والإعلامي داخل مصر وخارجها على أنه يتمتع بلياقة صحية تفوق كل قيادات المعارضة والحكم مجتمعين! كما تم إلغاء الحكم القضائي بحبس سعد الدين إبراهيم لأسباب كانت توجب عدم السماح من الأصل بتحريك الدعوى القضائية! واضطر رئيس البرلمان أن «يأرشف» قراره بإقامة محاكمة برلمانية لسعد الدين إبراهيم، دون أن يقدم سببا لذلك.

من حق البعض أن يفسر ذلك باستقلال القضاء والبرلمان، ولكن قد يقول البعض الآخر إنها سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة، القائمة على ما يسمى «بالدبلوماسية الفعالة»، وذلك باستخدام أدوات القوة الناعمة، للتدخل المحسوب من خلف الكواليس، في قضايا مختارة.

إن مصادر القوة الناعمة للإدارة الجديدة فيما يتعلق بالعالم العربي متعددة، منها:

شعبية عالمية طاغية لرئيس أسود من عائلة مسلمة، بل إنه يمكن القول بمقتضى عدد من استطلاعات الرأي، أن أوباما يتمتع في العالم العربي بقبول سياسي لا يتمتع به بعض ملوك ورؤساء الدول العربية «المنتخبين» وغير المنتخبين.

إنه يتخذ مواقف نقيض مواقف سلفه الرئيس بوش، فهو ينسحب من العراق التي غزاها الأخير، ويغلق جوانتنامو التي فتحها بوش، ويدين ممارسات التعذيب ويعتزم المحاسبة عليها وينزع عنها المشروعية القانونية والسياسية والأمنية التي أضفتها عليها إدارة بوش. كما يبدو في نظر الكثيرين جادا في اعتزامه التوصل لحل «عادل» للمسألة الفلسطينية.

إنه لا يتعامل مع المواجهة مع الإرهاب باعتبارها حربًا كونية ثالثة، بل باعتبارها خطرًا يجب التصدي له دون تهويل، ودون حصره بالمسلمين.

لكل هذه الأسباب صار تقرب بعض الملوك والرؤساء العرب إليه، مصدرا للبحث عن تعزيز مشروعيتهم السياسية المتآكلة.

دبلوماسية مصرية أيضًا

الدبلوماسية الفعالة لا تمارسها واشنطن فحسب، بل القاهرة أيضا. التي أدركت أنها لا تستطيع أن تعتمد فقط على ما تقدمه وتعرضه من خدمات أمنية وإستراتيجية، وبدأت تشكل أذرع (لوبي) داخل الإدارة الأمريكية. هذا اللوبي الناشئ أثبت ــ وفقا للمصادر الأمريكية ذاتها ــ كفاءة غير متوقعة، وبراجماتية في إدارة العلاقة حتى مع اللوبي الإسرائيلي القوى، انطلاقا من المصلحة الإستراتيجية المشتركة، المتمثلة في أن إضعاف النظام المصري الحالي لن يصب إلا في صالح أعداء إسرائيل في داخل مصر. وبفضل جهود هذا اللوبي الأمريكي/المصري تمكنت القاهرة من خفض دعم أمريكا لحقوق الإنسان من 50 إلى 20 مليون دولار (معظمها يذهب إلى الحكومة ومجلسها القومي لحقوق الإنسان) ومن انتزاع حق الفيتو على الدعم المادي لأي منظمة حقوقية.

ويعزى أيضا لهذا اللوبي قدرته أيضًا في التأثير على القرار المصري بما يصب في النهاية لصالح الحكومة المصرية. فقد ألح اللوبي على ضرورة الإفراج عن أيمن نور، وإنهاء المشاكل مع سعد الدين إبراهيم، والتدقيق في اختيار بعثات طرق الأبواب الحكومية إلى واشنطن؛ بحيث تتكون من أشخاص منفتحين سياسيًا، بل وحتى معارضين من لون خاص. وهو ما حدث بالفعل بضم سكرتير عام حزب الوفد إليها.

إدارة أوباما تتصرف على هذا النحو انطلاقًا من حاجتها لدعم مصر وبعض النظم العربية لها في العراق، ومع إيران وحزب الله وحماس. غير أنه لا يجب المبالغة في هذا التحليل، الذي كان صحيحًا تمامًا في ظل إدارة بوش، نظرًا للحاجة وقتها للحد من النفوذ الإيراني المتزايد في العراق، وجذب السنة العراقيين للعملية السياسية. ولكن الحكومات العربية تمنعت، برغم أن ذلك أضر بمصالحها هي أيضًا على المدى الأبعد. ثم انقلبت الآية الآن، فالحكومات العربية هي التي تحذر الآن من خطر النفوذ الإقليمي الإيراني، وتنزعج من تنازلات الدبلوماسية الناعمة لإدارة أوباما مع طهران! والحكومات العربية هي التي تخشى من انسحاب أمريكي متسارع في العراق، يكون على حساب المستقبل السياسي للسنة، ولصالح مزيد من النفوذ الإيراني وتمدده من العراق إلى فلسطين عبر لبنان.

هذا التحول الدراماتيكي يعنى أن واشنطن ليست هي التي تلهث خلف الخدمات الأمنية والسياسية العربية، بعد أن صار التصدي لإيران مصلحة عليا لبعض النظم العربية. وبالتالي محدودية القيمة التبادلية لهذه الخدمات في مقابل مطلب الصمت عن قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية.

ديناميكيات أمريكية داخلية

يُلاحظ في المقابل أن هذه الإدارة لها توجه إيجابي أصيل تجاه قضايا حقوق الإنسان داخل الولايات المتحدة، منذ الأيام الأولى للحملة الانتخابية لأوباما، الأمر الذي انعكس في قراراته الفورية في الأيام الأولى لتوليه الحكم بالتوجه نحو إغلاق جوانتانامو وتجريمه للتعذيب. هذا التوجه الحقوقي انعكس في اختيار أوباما لعناصر رئيسية قادت حملته الانتخابية، ثم احتلت مكانها داخل مواقع الإدارة الجديدة. وهناك قائمة بترشيحات إضافية غير معلنة، لتولى مناصب حيوية، تضم عددًا من الرموز البارزة في الأوساط الحقوقية الأمريكية، وبعضهم له تجارب ميدانية داخل العالم العربي ومصر.

يتوقف مستقبل العلاقة بين الطرفين على عاملين مترابطين:

1ــ قدرة إدارة أوباما على امتصاص الضغوط الأمريكية المتزايدة لمراكز الفكر ومنظمات حقوق الإنسان وكبريات وسائل الإعلام، والتي تلح على تبنى سياسة ديناميكية حقوقية وعلنية تجاه أبرز الأنظمة الحليفة لها في العالم العربي. لقد كانت إدارة بوش قادرة على امتصاص هذه الضغوط في سنواتها الثلاث الأخيرة ــ بعد أن تراجعت عن سياستها الصدامية في هذا المجال التي طبقتها خلال عامي 2004/2005 ــ لأن هذه الضغوط كانت تأتى من «أعدائها» من الحقوقيين الأمريكيين الذين كالوا لها النقد فيما يتعلق بجوانتانامو وأبوغريب….. وغيرها. بالنسبة لأوباما، فإن هذه الضغوط تأتى من داخل مؤسسته. بالطبع، إن قدرة إدارة أوباما على الخروج من المأزق الأفغاني/الباكستاني واحتواء النفوذ الإيراني الصاعد، سيعاظم من تأثير هذه الضغوط الداخلية، والعكس صحيح أيضًا.

2 ــ قدرة الحكومة المصرية على إبقاء القمع المنهجي الممارس تجاه مواطنيها، تحت سقف منخفض، لا يشكل إحراجًا كبيرًا لإدارة أوباما، أو يساهم في تعزيز تأثير الضغوط اليومية، التي تمارسها مؤسسات المجتمع المدني الأمريكي. غير أن هذا في واقع الأمر لا يتوقف على مهارة الحكومة المصرية وحدها، بل أيضًا على مدى ديناميكية حركة مقاومة التسلطية. الأمر الذي قد يضطر الحكومة إلى انتهاج سياسة قمع مكشوف تحاول أن تتجنبه، وبالتالي رد فعل معاكس في الاتجاه الآخر، لا تسعى إليه إدارة أوباما.

إن ساحة التفاعلات بين الطرفين لا تقتصر بالنسبة لحقوق الإنسان على القاهرة وواشنطن، ولكنها تمتد إلى جنيف، حيث مقر مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الذي عادت واشنطن إلى عضويته مؤخرًا، لتحمل لواء مجموعة الدول التي تتبنى قضايا حقوق الإنسان، مقابل مجموعة أخرى من الدول التسلطية لا تتبنى من قضايا حقوق الإنسان، سوى فلسطين. على رأس هذه المجموعة تقف اثنتان من أبرز حلفاء واشنطن، مصر وباكستان، إلى جانب دول مثل روسيا والصين وزيمبابوي، وغيرها تسعى إلى تقويض آليات حماية حقوق الإنسان.

http://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=04062009&id=fbfe74a1-26e0-4d4c-9277-28e5b4878afa

Share this Post