إضافة المواطنة للمادة الأولى في الدستور تجميل للنظام، ولا توجد إرادة سياسية لتفعيل المساواة بين المواطنين

In صالون بن رشد by CIHRS

عقد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ندوة بعنوان “الحكم بمنع عودة المسيحي لديانته بعد إسلامه..تخبط قضائي أم تبدد لأوهام المواطنة ؟”، وذلك يوم الثلاثاء الموافق 29 مايو 2007. وقد شارك فيها كل من إكـرام لمعي – أسـتاذ مقارنة الأديان بكلية اللاهوت، والمهندس محمد منير مجاهـد – عضو مؤسس في “مصريون ضد التمييز الديني”، وقد تولى إدارة الندوة بهي الدين حسن مدير المركز.
بدأ بهي الدين حسن حديثه بتوضيح التناقض في عدد من أحكام القضاء، والذي ظهر في حكم محكمة القضاء الإداري برفض 45 دعوى من مسيحيين دخلوا الإسلام ثم عادوا للمسيحية، يطالبون فيها بإلزام وزارة الداخلية بتغيير خانة الديانة في البطاقات الشخصية وشهادات الميلاد، ردود فعل متباينة، خاصة أن المحكمة الإدارية العليا سبق أن أصدرت حكما مناقضا لذلك بأحقية المسيحي الذي أسلم في العودة للمسيحية!
وتساءل “هل هي أزمة تناقض في أحكام القضاء فحسب؟ أم أن الأمر أخطر من ذلك ويتعلق بقضية المواطنة والمساواة بين المواطنين؟”. وأكد بهي أن الندوة لم تعقد لمناقشة منطوق الحكم، إلا أن هذا الحكم يطرح عدة إشكاليات فكرية وثقافية، تستوجب فتح باب النقاش حولها، وبصفة خاصة أن الحكم جاء عقب شهر واحد من إقرار التعديلات الدستورية، التي صاحبتها حملة ضخمة تروج للتعديلات، باعتبارها تهدف لترسيخ مفهوم المواطنة، بتعديل المادة الأولى الذي أكد على أن مصر دولة ديمقراطية تقوم على أساس المواطنة. في حين لم يرى كثيرون أن تعديل المادة الأولى على هذا النحو سيضيف جديد، في ظل استمرار وجود المادة الثانية، التي تقول أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع.
واستعرض حسن عدد بعض الدلالات، التي قام باستقائها، خلال متابعة الجدل والتفاعل مع الحكم، ومنها:
1. إضافة المواطنة للمادة الأولى، لم تكن سوى إضافة إنشائية، لا يترتب عليها أية التزامات قضائية أو قانونية.
2. أن المادة الثانية، بحكم وضعها، هي المادة الحاكمة في الدستور، ليس فقط بالنسبة للمسلمين، وإنما لأتباع الديانات الأخرى أيضًا.
3. خلافًا للتفسيرات التي قالت بأن المادة الثانية، تخاطب المشرّع فقط، أي البرلمان، ولا تخاطب جهات أخرى، ومنها القضاء؛ فإن الحكم الأخير يتضح من خلاله مدى التأثير الحاكم للمادة الثانية على القضاء.
4. في إطار الجدل حول التعديلات الدستورية، كان التركيز يدور حول أن المخاوف التي تنتاب الكثيرين إزاء تفعيل مبدأ المواطنة، تمحورت في مواقف الجماعات المتشددة، كالإخوان المسلمين، ولم يتضح أن أحدًا يخشى الأمر ذاته وبنفس القدر من الحكومة؛ لكن ما يؤكد خطأ التحليل السابق، هو أن الحكم أصدره القضاء، إضافة إلى قضايا أخرى، مثل قضية البهائيين، يظهر من خلالها موقف السلطة التنفيذية غير المتسامح، والذي تمثله دومًا وزارة الداخلية.
5. أن الإخوان المسلمين صمتوا تمامًا، ولم يتضح موقفهم، خلال هذه الأزمة، رغم إصرارهم دومًا على رفع شعارات دعم المواطنة، ونبذهم لما يروجه البعض عن التفرقة بين المسلمين وغيرهم، وتأكيدهم أن لغير المسلمين ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم. ولا يستقيم هذا الصمت مع الضجة التي أثاروها، بعد تصريحات الوزير فروق حسني السلبية تجاه الحجاب.
6. أنه منذ تعديل الدستور، وإضافة كلمة المواطنة إليه، فإن الأحداث قد توالت في عكس الاتجاه الذي ساد خلال الترويج للتعديلات، ولم يتغير شيء في سلوك السلطة التنفيذية، الذي يتراوح ما بين الصمت والتواطؤ أو الوقوف في صف الجناة ضد الضحايا.
وأشار حسن إلى أنه في ظل تأكيد كل المؤشرات والأحداث الأخيرة على أن تعديل المادة الأولى كان مجرد ديكور، لتجميل وجه النظام، لا يترتب عليه أي نتائج تشريعية أو قانونية أو قضائية؛ فإن السؤال الرئيس الذي طرح قبل إقرار التعديلات، ما زالت إجابته تؤرق الكثيرين، خاصة في عدم تغيير السلطة التنفيذية لسياساتها، وهو “هل نحن بالفعل في دولة مدنية، يحكمها دستور مدني، أم أننا على أعتاب دولة دينية، يتعرض خلالها عدد من المواطنين لأحكام قضائية تستند إلى تفسيرات خاصة لدين لا ينتمون إليه؟!”.
من جانبه أكد إكرام لمعي أن الحكم الذي أصدرته محكمة القضاء الإداري برفض دعوى الـ 45 مسيحي، يتناسب والمناخ الثقافي السائد في مصر، في حين يعتبر الحكم السابق عليه والمناقض له، حكم راقٍ ومتحضِّر، ولا يتناسب مع المناخ الثقافي السائد، والذي تسيطر عليه الظلامية، ويفتقد بشدة للاستنارة. مشيرًا إلى أن هذا يظهر بوضوح في رواج فتاوى دينية تجافي العقل والفطرة الإنسانية السليمة، والتي لا يظهر أثرها في ثقافة الشارع فحسب، وإنما يتخطاها لمجلس الشعب، الذي يفترض فيه الدفاع عن الحريات، والذي ظهر في موقفه من تصريحات وزير الثقافة الخاصة بالحجاب.
وأوضح لمعي أن الأحكام القضائية، عادة ما تركز على المبادئ، وليس على التطبيق؛ لأن التطبيق يتسم بالنسبية، ومن هنا يتضح الفارق بين الحكمين القضائيين، اللذين انتهيا إلى نتيجتين مختلفتين، رغم استنادهما إلى ذات الحيثيات، إذ ركزا على سماح الأديان السماوية للإنسان باختيار دينه، واعتمادهما على منظومة حقوق الإنسان، والفطرة الإنسانية.
فالحكم الأول، صحيح من الناحية الفنية، إذ ركّز على المبدأ، وهو في حالتنا هذه “حرية العقيدة”. بينما ركّز الحكم الثاني على التطبيق، وقال إن هؤلاء يعبثون بالأديان، واعتنقوا الإسلام؛ ليتاح لهم تطليق زوجاتهم، ثم العودة مرة أخرى للمسيحية.
وأكد لمعي أنه ليس من مهام القضاء التركيز على التطبيق، في بعض الحالات، وإصدار حكم قضائي بشأنها. وإنما مهمته التركيز على المبادئ ذاتها فحسب؛ فالأساس أن من حق الإنسان تغيير أفكاره، وهذا ما يقوم به الكثيرون بالفعل، لأنه حر، ولا يجب عند تغييره لأفكاره تلك أن يوصف بأنه متلاعب. و لا ينبغي أن يبرر القاضي عدم إقراره لحق الإنسان في حرية الاعتقاد، بأن البعض يتلاعب بهذا المبدأ.
وطالب لمعي بأن يكون القضاة أكثر ثقافة، وأن يكونوا على معرفة وإطلاع واسعين بالقوانين وفقه القضاء في مختلف أنحاء العالم.
وأكد لمعي أن هذا الحكم يضرب مفهوم ومبدأ المواطنة في مقتل، مشيرًا إلى أن إضافة المواطنة للمادة الأولى في الدستور، خلال التعديلات الأخيرة، هو مجرد تجميل يحرص عليه النظام، دون وجود نية حقيقية للتغيير.
وأكد محمد منير مجاهد أن القضية التي تناقشها الندوة، تعد برهانًا عمليًا على صحة القول بأن اختلاط الدين بالسياسة يفسد كل من الدين والسياسة، وأن عدم تعديل المادة الثانية من الدستور يحمل تناقضا سوف يؤدي حتما إلى مزيد من الارتباك والمشكلات؛ فهذه المادة متناقضة مع روح الدستور ومع نصه.
وأشار مجاهد إلى أن حكم المحكمة اعتمد على تقرير هيئة مفوضي الدولة الذي جاء به “إن الدولة عقيدتها «الإسلام» وفقاً لما نص عليه الدستور في المادة الثانية منه، وأن ارتداد المسلم عن دينه ليس أمراً فردياً يمكن أن تتسامح فيه شريعة الإسلام ودولته كحق من حقوق الأفراد، وأن دخول الفرد في الإسلام يجبره علي الالتزام بأحكامه، ومنها أحكام الردة”، وأضاف التقرير “أن الشريعة الإسلامية وضحت جميع العقوبات لمن يدخل في الإسلام ثم ينقلب عليه حيث جاءت بقتل الرجل المسلم الذي يرتد عن الإسلام ولا يرجع إليه ثانية بعد ردته” وبناء علي ذلك “فإن الفرد الذي دخل في دين الإسلام بكامل إرادته وحريته واختياره دون أي ضغط أو إكراه، فيجب عليه الالتزام بأحكامه ومبادئه ويكون له ما للمسلمين من حقوق وعليه ما عليهم من واجبات” وانتهي التقرير إلى أن “الدخول في الإسلام دون إكراه أو إجبار ثم الخروج منه مرة أخري يعد تلاعباً بالأديان وهو ما يهدد الوحدة الوطنية بالدخول والخروج في الأديان حسب الأهواء”.
كما أشار إلى تكرار السطر التالي في جميع هذه الأحكام: “قبول رجوع الخارج عن الدين الإسلامي إلى هيئة دينية أخرى اعتداء على الديانة الإسلامية التي دخل فيها”، وقد شكلت كلمة (التلاعب) ومشتقاتها، الكلمات الحاكمة، ليس فقط في نص الحكم القضائي، وإنما أيضًا في خطاب جميع من أيدوا الحكم، وتعبير “التلاعب بالأديان” لا أصل له في القانون وبموجبه استحالت ممارسة مواطن لحقه الدستوري والقانوني – وقبلهما الإنساني – في تغيير ديانته، إلى تلاعب بالديانتين السابقة واللاحقة.
وأكد مجاهد أن جوهر المشكلة ليس في موقف الشريعة من حرية العقيدة، وإنما في كون الحكم قد قرر الالتفاف على النص القانوني الصريح وتطبيق ما يعتقد أنه حكم الشريعة استنادًا للمادة الثانية من الدستور واعتمادًا على تفسير هيئة مفوضي الدولة، فجميع من أقاموا هذه الدعاوى لم يطلبوا من الدولة أن تقرهم دينياً أو أخلاقياً على عودتهم إلى المسيحية، وإنما طالبوا باستعادة أسمائهم وديانتهم الأصلية في شهادات الميلاد والبطاقات الشخصية لكي يتمكنوا من التعامل كمسيحيين في قضايا الأحوال الشخصية كالزواج والميراث ومن تسجيل أبنائهم كمسيحيين لأن هذا سيحدد مادة التعليم الديني الإلزامي الذي سيتلقونه في المدارس.
وأضاف مجاهد أن القانون الحاكم لهذه المسألة هو قانون الأحوال المدنية الذي يقرر بمنتهى الوضوح والمباشرة في المادة 47 أن على من يرغب في تغيير خانة الديانة ببطاقته أن يتقدم لمصلحة الأحوال المدنية بوزارة الداخلية مع الأوراق اللازمة لإتمام التغيير، وتقضي المادة «53» بأنه في حالة ما إذا طرأ تغيير علي أي من بيانات البطاقة يجب علي صاحبها أن يتقدم خلال 3 أشهر من تاريخ التغيير إلي السجل المدني لتحديث بياناته.
وأوضح مجاهد وجود تضارب وعشوائية في الأحكام على حسب فهم المحكمة للشريعة الإسلامية، وهي في كثير من الحالات ليست قطعية ومختلف عليها بين المدارس الفقهية المختلفة، ففي أول يناير من عام 2005، كانت الدعوى الأولي من مسيحي أشهر إسلامه وعاد ليطالب بعودته لديانته مرة ثانية، تجمعت ثلاثون دعوى أمام إحدى الدوائر تطالب بصدور حكم بإلزام وزارة الداخلية ومصلحة الأحوال المدنية باستخراج شهادات رسمية لهم بديانتهم المسيحية، وفي إبريل 2006، أصدرت المحكمة حكماً لم يأخذ بتقرير هيئة مفوضي الدولة وقضي بإلزام وزارة الداخلية باستخراج شهادات الرقم القومي والميلاد للطاعنين، ولم تطعن الوزارة علي الحكم أمام الإدارية العليا، وانتهت مشكلة 30 مسيحياً، وأخرجوا الشهادات، وتبقي 395 آخرون يبحثون عن حل لمشاكلهم، أقاموا الدعاوي، وتولت دائرة أخرى الفصل في الدعاوي وفي إبريل 2007 أصدرت المحكمة حكماً بعدم إلزام مصلحة الأحوال المدنية باستخراج بطاقات لـ«45» من بين الـ «395»، وفي هذه المرة أخذ المستشار برأي هيئة مفوضي الدولة الذي خرج صورة طبق الأصل من التقرير الأول، وأوصي بعدم إلزام المصلحة باستخراج البطاقات لهم.
وحرص مجاهد على توضيح أن إلغاء خانة الديانة في الأوراق الرسمية قد يحل كثير من المشاكل التي أثارتها هذه القضايا وقبلها قضية البهائيين، ولكن يبقى الحل الحقيقي في مدنية الدولة وحيادها تجاه الأديان، وتنقية القوانين المصرية من كل ما يقيد حق المواطن المصري في اختيار الدين الذي يريده، وفي أن يمارس شعائره وفي أن يدعو إليه.

Share this Post