palshabab.com

الإخوان المسلمون خصم للإصلاح أم داعم له؟

In صالون بن رشد by CIHRS

palshabab.com

تشهد الساحة المصرية حاليا حالة من تصاعد الحراك السياسي والحراك العام، وقد عبر هذا الحراك عن نفسه من خلال تزايد المطالبة بالإصلاح من مختلف القوى والتيارات السياسية إلى الحد الذي دفع للإقرار ولو نظريا بالحاجة إلى الإصلاح.
ولم تكن جماعة الإخوان المسلمين كتيار وقوة سياسية في معزل عن ذلك التفاعل والحراك فقد شهدت الآونة الأخيرة خروج الإخوان للتظاهر على نطاق واسع مطالبين بالمزيد من الإصلاحات السياسية، وهو ما يفرض على مائدة البحث تساؤلات محورية حول دور الإخوان في عملية التحول الديمقراطي ككل، وإلى أي مدى يمكن دمج الإخوان في النظام السياسي؟ وهل يعيد التاريخ نفسه فيعقد الإخوان تحالفا آخر مع النظام الحاكم مقابل الحصول على مكاسب سياسية تلبي مصالحهم الذاتية مثلما فعلوا في السبعينيات؟ ثم هل سيظل هناك تخوف دائم لدى النخب ولدى قطاع كبير من الجمهور من استدعاء الإخوان لشمولية جديدة، حتى لو اتخذت من الديمقراطية مطية، وهل في تجربة الإخوان الحالية ما يبدد أو يعزز هذا الخوف؟
حول هذه التساؤلات عقد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ندوة في إطار صالون ابن رشد بعنوان: “هل جماعة الإخوان خصم للإصلاحيين أم رصيد لهم؟! أدارها بهي الدين حسن مدير المركز وأشار في بدايتها إلى أن مصدر طرح تساؤلات الندوة يرجع إلى إدراك الجميع على اختلاف توجهاتهم أن جماعة الإخوان هى أهم قوة سياسية موجودة في الشارع المصري المعارض لافتا إلى الزخم الذي يشهده الشارع المصري منذ فترة فيما يتعلق بمطالب الإصلاح ونزول الجماعة لأول مرة للشارع للاشتراك في هذه المطالب فيما يعد أول مظاهرات مستقلة للإخوان منذ نحو نصف قرن تحمل مطالب خاصة بقضية الإصلاح الداخلي.
ذكر بهي أن هناك توجسا لدى المراقبين إزاء طبيعة موقف الإخوان من قضية الديمقراطية رغم أن هناك تطورا هائلا وتدريجيا –حسب بهي- في موقف الجماعة الرافض للعنف وإدانتها لاستخدامه في الكفاح السياسي المسلح، إلى جانب إعلانهم في بيانهم الشهير في أبريل 1995 موقفهم من قضية الديمقراطية وحقوق الإنسان والموقف من غير المسلمين، وموقفهم في عدد من المناسبات بشكل خاص من ترشيح أو دعم مرشحين أقباط في دوائر انتخابية.
أضاف بهي أن منبع التساؤلات عن مواقف الإخوان يرجع أيضا إلى طبيعة برنامج الجماعة و ما إذا كانت قد تخلت عن مبدأ الحاكمية وما إذا كانت الجماعة تتعامل مع قضية الديمقراطية كآليات فنية أم كقيم يحترمها أعضاؤها و يسعون للتوفيق بينها وبين تفسيراتهم للإسلام ؟!

ديمقراطية
وبدأ الدكتور محمد حبيب النائب الأول للمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين حديثه بالتأكيد على أن الديمقراطية بالنسبة للجماعة ليست آلية وهدفا بقدر ما أن الجماعة تمارسها في الواقع كمنهج على مستوياتها المختلفة. وقال حبيب إن الجماعة تحاول على كافة مستوياتها إجراء انتخابات لتولي المواقع المختلفة بها، مؤكدا أن الجماعة لم تكن لتطالب بالديمقراطية أبدا وهى تفتقر إليها.
وأشار إلى إجراء الجماعة لانتخابات مجالس شورى المحافظات والتي انتخب منها مكاتب تنفيذية على مستوى كل محافظة كما انتخب أيضا مجلس شورى عام على مستوى مصر كلها والذي يخرج منه أعضاء مكتب الإرشاد وقال إن أجهزة الأمن تعرف ذلك جيدا، مشيرا إلى أن الجماعة تحرص على عدم استفزاز الأجهزة والسلطات.
أوضح حبيب أن تنظيم الجماعة لانتخابات مكتب الإرشاد بالقاهرة رغم تحذيرات الأجهزة الأمنية كلف الجماعة القبض على 83 من قيادتها –بينهم 8 من مكتب الإرشاد- والحكم على بعضهم بالسجن لمدة خمس سنوات وآخرين 3 سنوات فيما بُرئ البعض الآخر.
وأشار حبيب إلى أن أعضاء الجماعة يعقد لهم كل عام أو عام ونصف محكمة عسكرية لمنع لقاءاتهم، وشدد على أن الجماعة ألغت مبدأ الحاكمية منذ زمن بعيد، وأكدت أن الأمة هى مصدر السلطات، مشيرا إلى أن الجماعة تتحدث حاليا عن حزب مدني ذي مرجعية إسلامية تجري بالانتخابات من أصغر وحدة حتى رئاسة الحزب، مشيرا في نفس الوقت إلى أن التشريع الإسلامي يتسم بالكمال والسمو والدوام ويفتح الباب على مصراعيه أمام الاجتهاد فيما يتعلق باختيار الحاكم والأجهزة والقوانين التي تسير شئون الدولة، وأن الشريعة جوهرها العدل والناس فيها جميعا سواسية أمام القانون، وقال حبيب إن الباب الواسع الذي ندخل منه إلى هذا العدل هو الحريات العامة وأن الحرية هى أعلى فرائض الإسلام.
أشار حبيب إلى مبادرة الجماعة التي أعلنتها في مارس 2004 وضمنت فيها رؤاها للإصلاح والقضايا الداخلية والخارجية، وقال إن الجماعة اعتبرت هذه المبادرة فاتحة نقاش وحوار مع القوى السياسية والوطنية الأخرى.
استطرد حبيب مشيرا إلى أن الجماعة وبعد طرحها لمبادرة مارس 2004 بدأت التحرك والاتصال بالأحزاب السياسية وتبني فكرة تشكيل ما سمته الجماعة بلجنة الخمسين تضع القواسم المشتركة فيما بين الأحزاب والقوى السياسية فيما يتعلق بقضية الإصلاح السياسي وأن تكون هناك جهة تحكم هذا الأمر ويكون لها صلاحية اتخاذ القرار وتحديد آلية التحرك. وقال حبيب إن الجماعة طرحت على الأحزاب ضرورة الخروج للفضاء الواسع خاصة وأن الوقت تجاوز حالة الاكتفاء بتقديم الوثائق والعرائض للسلطات، وأن الجماعة حذرت الأحزاب من السياسة الحكومية القائمة على بث الفرقة بين الأحزاب وتفجيرها من الداخل لينشغل كل حزب بمشكلاته الخاصة، مشيرا إلى أن حزب الوفد طلب أن يكون التنسيق ثنائيا بينه وبين الجماعة فقط، وهو ما رفضته الجماعة.
أضاف حبيب أن نتيجة تلك التحركات تمثلت في التحركات الحكومية للضغط على الأحزاب والالتفاف على المشروع الذي ثقدمه الجماعة، مشيرا إلى أن الجماعة تنسق مع حزب الكرامة –تحت التأسيس- وتتواصل معه في أنشطة وفعاليات مختلفة.
أكد حبيب أن موقف الجماعة تجاه إعادة انتخاب الرئيس مبارك محسوم، لكنه أشار إلى أن الجماعة لم تتخذ قرارها في هذا الشأن بعد وتعتبر أن ذلك أمرا سابقا لأوانه، موضحا أن الجماعة تتعامل في هذا الأمر مع حالة موضوعية وليس مع أشخاص وأنها تتفق مع الرئيس مبارك في أمور وتختلف معه في أمور أخرى.
وأضاف حبيب أن الأزمة التي يعيشها الوطن حاليا تستدعي تكاتف الجميع، مشيرا إلى أن الضغوط الخارجية شديدة، ومؤكدا على أن الجماعة ترفض ممارسة الضغوط تحت مظلة أمريكية، وتتمسك بأن يكون الإصلاح داخليا.

انتهازية
وتناول الكاتب الصحفي حسنين كروم مدير مكتب جريدة “القدس العربي” بالقاهرة أطراف الحديث فأشار بداية إلى أنه كان يفضل إعطاء الإخوان حق العمل السياسي والاعتراف بهم كحزب وقوى سياسية، مشيرا إلى أن الإخوان ساهموا في العمل السياسي والحزبي بدءا من عام 1982 وبعد الإفراج عن عمر التلمساني مرشد الجماعة في ذلك الوقت وحدث معه تغير شامل، وانقلاب في تفكير الجماعة وخروج صريح –حسب كروم- عن خط حسن البنا مؤسس الجماعة الذي كان يرفض تماما الأحزاب والتعددية الحزبية، مشيرا إلى أن الجماعة دخلت في تحالف انتخابي مع حزب الوفد في عام 1984 ثم مع حزب العمل والأحرار في انتخابات 1987 وبدأوا بعدها الاشتراك مع الأحزاب والقوى السياسية الأخرى بما فيهم الشيوعيون في الاجتماعات والمؤتمرات وإصدار البيانات المشتركة، وقال كروم إنه من الظلم محاسبة الإخوان على نواياهم وما تخفيه صدورهم، خاصة وقد أعلنوا قبولهم بالتعددية والتداول السلمي للسلطة والالتزام بالدستور والقانون ورفض العنف، لافتا إلى أن نفس التحولات حدثت أيضا للناصريين والشيوعيين الذين كانوا لا يؤمنون بالتعددية الحزبية.

الصفقات واردة
لكن كروم أكد وجود احتمال كبير للتحالف بين النظام الحاكم وجماعة الإخوان المسلمين معتبرا أن ذلك لا يعد عيبا في حق الجماعة وأن أحزاب المعارضة الرئيسية تمارس ذلك وتعقد صفقات مع النظام الحاكم، مدللا على ذلك بإصدار أحزاب توافق الإصلاح بيانا مشتركا مع الحزب الوطني في جولات الحوار الوطني حمل تنازلا من هذه الأحزاب عن مبدأ تعديل الدستور قبل الاستفتاء على الرئاسة.
وأكد كروم أن النظام السياسي الحاكم سيسعى للتحالف مع الإخوان باعتبارهم قوة أساسية ورئيسية، مشيرا إلى أن هناك فرصة أمام الإخوان للحصول على عدد لا بأس به من مقاعد مجلس الشعب القادم في ظل استمرار الأخذ بنظام الانتخاب الفردي واحتمالات المراقبة الدولية للانتخابات القادمة، وذهب كروم إلى أن الخطورة في التحالف المحتمل بين النظام والإخوان تكمن في إمكانية معاودة الإخوان للسياسة الانتهازية التي كانوا ينتهجونها قبل ثورة يوليو 1952 وبعدها واستخدامهم لضرب القوى الأخرى مقابل حصولهم على مكاسب. وأضاف كروم أن رفع الإخوان للمصاحف في تظاهراتهم يثير التساؤل حول مصدر احتكامهم وهل هو الدستور والقانون أم القرآن؟.
استبعد كروم وصول الإخوان للحكم بطريقة ديمقراطية وانقلابهم على الديمقراطية وإلغاء الأحزاب، مشيرا إلى أنه سيكونون واقعين تحت الضغوط الدولية، معبرا عن خشيته من أن يسعى الإخوان للتحالف مع النظام والتخلي عن مطالبهم في الإصلاح مقابل ذلك.

الدين والسياسة
فيما وجه الدكتور جمال عبد الجواد رئيس وحدة العلاقات الدولية بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام إشادة بما وصفه بالفكر الجديد داخل الإخوان ووجود نقلة كبيرة في الفكر السياسي للجماعة في اتجاه اعتدال وسطي ديمقراطي، معتبرا أن ذلك يمثل مكسبا لكل المجتمع.
أشار عبد الجواد إلى انتهاج الإخوان أساليب كفاحية سياسية جديدة بالخروج في مظاهرات للمطالبة بالإصلاح موضحا أن هذا الخروج واجه ردود فعل مختلفة إزاءه. وقال إن هناك مشكلة حقيقية تتمثل في مطالبة بعض الكتاب الديمقراطيين للإخوان -وهم أكبر قوة سياسية- بألا ينشطوا للمطالبة بالإصلاح.
قال عبد الجواد إننا إزاء أزمة لم تحل بعد مشكلة العلاقة بين الدين والسياسة وأن هذا هو سر التناقض الذي مازلنا نعيشه، مشيرا إلى موقف يتمثل في تجنب نخبة حاكمة البدء في إصلاح حقيقي لمخاوف لديها بأن ذلك قد يؤدي لوصول الإخوان للحكم، وقال إن ذلك الأمر استخدم “كفزاعة” في الداخل والخارج من فكرة الإصلاح وأن هذه الاستراتيجية استخدمت بنجاح لتأجيل الإصلاح لدرجة يمكن معها القول بأن النخبة الحاكمة استفادت من قوة الإخوان وضعفها في نفس الوقت.
وأشار إلى وجود معارضة مدنية غير دينية غير الإخوان تتشوق للإصلاح، لكن لديها مخاوفها المتعلقة بجماعة الإخوان والدولة الدينية، مؤكدا أن الجزء الأكثر راديكالية في هذه المعارضة ليس لديه مانع من التحالف مع الإخوان، مضيفا أن مصر وصلت إلى درجة لم يعد مقبولا معها من الناحية الأخلاقية أو السياسية تأجيل الإصلاح، وفي نفس الوقت هناك استمرار لإبعاد الإخوان، مشيرا إلى أن بقية الصورة تتمثل في القوى الخارجية والتي ساندت نظما غير ديمقراطية لفترة طويلة حتى جاءت أحداث 11 سبتمبر 2001 ليتغير الوضع إلى عدم ممانعة لدى هذه القوى الخارجية في التعامل مع حكومات تديرها أحزاب دينية.
وأشار إلى أن تحركات الإخوان الأخيرة بدأت تطرح قضية السلطة السياسية بما مثل نقلة كثيرة في أفكارهم وتحركاتهم معتبرا أن المشكلة لدى الكثيرين هى عدم معرفة الجسد الكبير المجهول لجماعة الإخوان وعدم المعرفة بالخبرات التي تمر بها قيادات هذا الجسد وما إذا كانت هذه الخبرات يتم نقلها للجسد الكبير المختفي أم أنها تقتصر على القيادات التي أصبحت آراؤها واضحة فيما يتعلق بالتجمع السياسي والتعددية إلى جانب عدم المعرفة بمدى مشاركة الإخوان لنفس التكوين والنسيج الروحي المعنوي للمجتمع المصري. وقال عبد الجواد إن رفع الإخوان للمطالب الديمقراطية أمر محل تقدير، لكنه ما زال غير كاف لطمأنة الناس وأن القضية ليست في الموقف من الانتخابات والطوارئ فقط، ولكن المطلوب أيضا معرفة شكل المجتمع المرغوب من الجماعة وموقفها من قضايا الحريات الشخصية والعامة.
وأشار إلى سيناريوهات أربعة للتغيير: أولها الثورة وهو أمر غير محبذ في مصر، وثانيها البرلمان والانتخابات وهو أمر مفتقد فيها، وثالثها الإصلاح من أعلى، وآخرها عقد سياسي بين الفئات الاجتماعية والسياسية المختلفة، معبرا عن اعتقاده بأن السيناريو الأخير هو الممكن في مصر بجانب مزيد من المبادرات من أعلى، وأن يشمل هذا العقد قوى المجتمع المختلفة من الإسلاميين والليبراليين واليساريين والحزب الحاكم أيضا، وقال إنه لا توجد طريقة لبناء هذا العقد سوى الحوار والشفافية. وأعرب عن اعتقاده بصعوبة وجود ديمقراطية بدون دمج الإخوان.

عداء للديمقراطية
وشن الدكتور جهاد عودة أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان هجوما حادا في مجمل حديثه على جماعة الإخوان المسلمين، مشيرا إلى أن ظهور الجماعة في الحياة السياسية المصرية جاء ضمن القوى المعادية للديمقراطية ودستور 1923 وأنهم كانوا منذ عام 1937 من القوى المعادية للديمقراطية ثم تحالفوا مع ثورة يوليو 1952 بما يعني –في رأي عودة- أن الفكر الانقلابي وغير الدستوري هو الطريق المفضل لدى الجماعة.
أضاف عودة لافتا إلى غياب المعرفة اليقينية تاريخيا لهيكل الإخوان قبل عام 1952 وبعده وأن الغموض حول الهيكل الحقيقي للجماعة استمر حتى في تنظيم سيد قطب إلى جانب عدم معرفة طبيعة الارتباطات الدولية للجماعة.
وأشار إلى أنه في عهد الرئيس مبارك طور الإخوان هيكلين: الأول علني، والثاني غير معلن عنه، حيث ظهر الأول في النقابات والحركة السياسية، وظل الثاني مختفيا، مدللا على ذلك بقضية سلسبيل التي اتهمت الجماعة فيها رسميا باختراق مؤسسات الدولة، وأكد عودة على أن الكشف الكامل عن التنظيم الإخواني هو شرط ضروري لاعتبار الإخوان قوة إصلاحية دستورية وفق القانون.
وقال عودة إن ما تطرحه قيادات الجماعة محدود القيمة لأنه مثل كلام الحكومة يحمل وعودا كثيرة ولا يقدم شيئا في الواقع العملي أو يقدم شيئا مختلفا تماما، واتفق د. عودة مع د. عبد الجواد في ضرورة معرفة التصورات الإدراكية لقيادات الجماعة وأعضائها، مشيرا إلى أن الإثبات بأن الإخوان غادروا الفكر الانقلابي يجعلهم ضمن القوى الديمقراطية.
ودعا د. جهاد عودة إلى إعادة تأسيس جماعة الإخوان كقوة مدنية إصلاحية وعدم الأخذ فقط ببعض المظاهر المدنية.

Share this Post